العدد 998 - الإثنين 30 مايو 2005م الموافق 21 ربيع الثاني 1426هـ

لماذا لا نضحك؟

حسين دعسه comments [at] alwasatnews.com

إحدى الروايات الطريفة عن "أبي نؤاس" تقول إنه كان عائدا إلى منزله فجرا عندما توقف أمام مسجد يمر به كل يوم فقرر الدخول والصلاة مع الجماعة فيه. وتمضي الطرفة لتقول إنه ما إن قرأ الامام "قل يا أيها الكافرون" حتى أجابه أبونؤاس من فوره: "لبيك".

أيا كان أصل هذه القصة فهي ستبقى طرفة، ولكن لماذا اتذكرها؟ حسنا، متى كانت آخر مرة انتابكم الضحك بعد قراءة مقال لأي من الكتاب في صحافتنا المحلية؟ هل تذكرون آخر مرة شعرتم فيها بالاسترخاء وارتسمت على شفاهكم ابتسامة فور قراءة مقال لكاتب بحريني؟

حتما لا يتعلق الأمر بمباراة لاضحاك القراء، ولا يتعلق بإمكانات السخرية لدى الكتاب البحرينيين بل بهذا المدى البالغ من التوتر الذي يلف مقالات الكتاب البحرينيين. ألا يقال إنه للحكم على شعب وبلد ما علينا فهم تراثه، أو صناعاته الحرفية، أو عاداته وتقاليده؟ حسنا، آن الأوان، ولكي نضيف مقياسا أكثر صدقية: مقالات كتابه.

عدا كتابات خالد البسام الذي تسربت جرعات التوتر إلى مقالاته في الآونة الأخيرة، فإن مقالات كتاب الصحف تعكس التوتر والانقسام الذي يلفنا جميعا حيال الأولويات والقضايا والهموم، بل إنها تظهر كيف يطبق الواقع اليومي بشكل لا فكاك منه على تفكيرنا إلى درجة تصبح مقالات الكتاب أداة إضافية لنشر وتعميم هذا التوتر إلى أقصى الحدود.

تنطلق الكتابات وتتأسس على ثيمة: "المفروض". المفردة الدالة على الفقدان الحقيقي لجملة من الأشياء. وسواء تعلق الأمر بالاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع أو الشكوى من الخدمات، أو حتى الثقافة العامة والطريقة التي يتصرف بها الناس، فقد أصبحنا محكومين بمعادلة محكمة من طرفين: وعود ومزيد من الوعود من قبل الحكومة فيما الكتاب بالمقابل لا يفعلون سوى أن يوالوا الشكوى من كل شيء.

بضعة موضوعات أساسية تشكل مادة عشرات المقالات يوميا: الطائفية، نقد أداء البرلمان، الشكوى من التسيير اليومي للخدمات، غموض الخطط الاقتصادية، خوف على الحريات العامة والفردية من تزمت يتصاعد، غياب الوعي شاملا السياسة وفهم آليات عمل الاقتصاد والسوق المفتوحة، شكاوى من فهم خاطئ لمعنى الديمقراطية، انتقاد كثرة المسيرات، مظاهر الفقر وتردي الاحوال المعيشية.

هل تقرأون شيئا خارج هذه العناوين؟ الوجه الآخر لهذا هو المقارنات: نحن والآخرون على طريقة ألفناها جميعا: اذا ما تعلق الامر بالاقتصاد: "انظروا إلى دبي". وإذا ما تعلق الأمر بالسياسة: "انظروا كيف تسير آليات الديمقراطية في الغرب" أو "حتى في دول العالم الثالث".

يثبت الكتاب أنهم مخلصون في نقل واقعهم للقارئ وإحدى فضائل حرية التعبير والديمقراطية هي أن كل شيء يمكن أن يطرح على بساط البحث والنقاش. وبالتأكيد فإن هذا القدر العالي والمبالغ فيه من التوتر في كتاباتهم ليس خيارهم. إنهم يحاولون مجاراة ما يدور حولهم وفي النهاية فإن الخلاصة واضحة: "نحن متوترون ومنقسمون".

هل هذه ثمرة ما يجري فقط؟ أي هل يعكس الكتاب واقعهم فحسب؟ هذا يحيلنا الى واقع هو حال من المراوحة، ولكن جرعات التوتر في هذه المقالات هي من زاوية أخرى ثمرة أصيلة لطبيعة صحافتنا المحلية. فطالما أن الصحف لاتزال تتأسس حتى اليوم بدوافع تكتل مصالح أكثر من دوافع مهنية صرفة، فقد أفضى هذا إلى نتيجة لم يلمسها أصحاب الصحف ولا الصحافيون: ليست لدينا صحيفة على المستوى الوطني.

هذا قصور مهني بحت، ولكنه لا يعني سوى أن الصحف نفسها لم تنجو من حال الانقسام العميق الذي يلف البلد بأسره، بل إن هذا لايزال يدفعها ويضغط لمزيد من التراجع في المستوى المهني. وسواء تعلق الأمر بأداء البرلمان أو علاقة الحكومة بهذا البرلمان ومدى استجابتها لمتطلبات التغيير أو انعدام الفاعلية الذي يلف المجتمع المدني، فإن هذه ليست سوى علامات مراوحة.

لقد افضى هذا كله بالنهاية إلى أن يجعلنا نعيش حالا من السجال تعبر عنها كل هذه المقالات الطافحة بالتوتر والانقسام، ولكن المؤسف أن هذا السجال لا يدور حول الطريقة التي يتعين علينا فيها ترسيخ ديمقراطية وليدة ولا أكثر الطرق المأمونة لعبور مرحلة انتقالية من تاريخنا بل إنه يدور حول "جدوى الديمقراطية" نفسها.

فتلك العناوين التي تدور حولها مقالات الكتاب وجرعات التوتر العالية المتبدية فيها، لم تكن لتظهر بهذا الشكل لولا أن التوتر مرده أن السجال يدور حول الوجهة الخطأ.

لكن لم كل هذا العناء؟ ألا يكفي أن نقرأ كتابات طافحة بالتوتر لكي ندرك أن هذا ليس سوى تعبير عن واقع يضغط على أعصابنا ويجعلنا أسرى التوتر ونفقد القدرة على الاسترخاء ويباعد بيننا وبين قليل من مشاعر الثقة في المستقبل؟ ألا يكفي لكي ندرك عمق ما نعيشه من حال مراوحة؟ ألا يكفي أننا لا نضحك أبدا ولا شيء يبعث فينا رغبة حتى في الابتسام؟

لقد أنهكنا هذا السجال حقا، ويوما بعد يوم لربما يتزايد أولئك الساخطون ويفقد من يملكون شيئا من الآمال صبرهم ويندفعون نحو اليأس. ويوما ما إن جاءنا من ينادي: "يا أيها الكافرون بالديمقراطية" فقد يجد أصواتا أكثر مما نعتقد

العدد 998 - الإثنين 30 مايو 2005م الموافق 21 ربيع الثاني 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً