العدد 3227 - الجمعة 08 يوليو 2011م الموافق 06 شعبان 1432هـ

تعالوا نلعَن السياسة ومن يَسُوسها

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

علَّمتنا السياسة ما علَّمَته للشاعر الإنجليزي جوناثان سويفت بأن مفهومها العام لا يعدو كونها «تجمُّعاً للفساد». وما دامت هي كذلك فلا غرابة إن رأيناها لا تتجاور لا مع الأخلاق ولا مع القيم ولا مع الفضيلة. بل ليس من الصالح أبداً أن تقاس تلك الأمور على مقامها طولاً أو عرضاً. حتى الحروب تشَنُّ وتستعر لتحقيق ما تريده السياسة، وحين تشبع إلى حدِّ التُّخمَة على الدَّسَم يظهر فرسانها البواسل وهم متصافحين بالأيدي ووجوههم بَسيطَة مُتَهَلِّلة، دون أن يروا ما تحت أرجلهم من ركام العظام، وجماجم البشر ممن سُحِقوا في معاركهم!

ليس في السياسة صداقة ولا صحبة ولا عواطف، ولا جَبر للخواطر أو تسكين للآلام. بل الموضوع لا يتعدى كونه أن هناك معادلات رياضية وأرقاماً لا تضيف إلى الوزن إلا بما يُقرّره حجمها المادي ولا شيء آخر. يتقابل الطرفان على الطاولة ليأتي هذا بما عنده ويأتي ذاك بما عنده ليتفاوضا قطعة بعد أخرى. والـ «عنديَّة» المذكورة ليست بالضرورة أن تكون شيئاً مُحدداً، بل هي مفتوحة على كلّ شيء، وتمتد من البشر وحتى المدَر، ومن الحلال إلى الحرام.

فقد يكون التفاوض على سلعة، أو على برميل نفط، أو على أرض، أو أموال، أو زاوية من القوة، بل وحتى على شعب بكامله، يتمّ إنضاج لحمه على صفيح تلك الصفقات المعقودة بين الدول والأنظمة، فيبقى هو في القِسمة كصرف عمله فلا وزن له إلا بقيمته الفعلية في السوق السياسية ونظام الأرباح والخسائر. فليس هناك ما يمنع ذلك ما دامت الغاية تبرِّر الوسيلة، وما دامت أدبيات سِفْر «الأمير» المبهِرَة، جاهزة كما دوَّنها نيكولا ميكافيللي.

رأينا كيف أن السياسة دفعت الهنود والباكستانيين لأن يتفاهموا على أنبوب السلام النفطي وهم أعداء. وكيف أنها جعلت الأميركيين والإيرانيين يتباحثون بشأن العراق في ثلاث جولات وهم أعداء. وأن يتفاهم السوريون والفرنسيون في العام 2008 بشأن لبنان وهم أعداء. وجعلت من السودانيين لأن يتفاهموا مع التشاديين بشأن حركة العدل والمساواة وهم أعداء.

وأيضاً جعلت السياسة لأن يتخاصم الأتراك والألمان والفرنسيون مع الأميركيين بشأن احتلال العراق وهم حلفاء. ويتباين الفرنسيون مع الأميركيين بشأن البثّ التلفزيوني في أوروبا وهم حلفاء. ويختلف اليابانيون مع الأميركيين بشأن الكوريتين وهم حلفاء. ويختلف الإسبان والبرتغاليون والبلجيكيون والإيطاليون مع البريطانيين حول الدستور الأوروبي وهم حلفاء.

الأكثر من ذلك، رأينا الطوائف والأديان والأحزاب وقد تلاعبت بها السياسة، تقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال. لاحظوا جيداً، السياسيون من سُنَّة العراق هم خصومٌ للأميركيين في بغداد منذ التاسع من إبريل/ نيسان من العام 2003 لكن السياسيين من سُنَّة لبنان حلفاء للأميركيين منذ يوليو/ تموز من العام 2006م واليوم في مِصر. وشيعة العراق السياسيون حلفاء للأميركيين في بغداد، والسياسيون من شيعة لبنان خصومٌ لهم وكذلك الحال اليوم في إفريقيا الوسطى وبقية الحزام الإفريقي التي يتنفَّذ فيها الإسلام السياسي الشيعي.

واليساري العراقي الناقع في الستالينية واللينينية يأتي على دبابة أميركية لهَدم نظام يُعادي واشنطن وهي الخصم التقليدي للشيوعية التي يُؤمن بها. والعين التي كانت تحرس أسامة بن لادن العدو رقم واحد للولايات المتحدة الأميركية منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول، تهاتِف الباكستانيين في استخبارات الـ SIS وهم عملاء للأميركيين حتى النخاع وبلا حياء يُذكر. وتنظيم القاعدة الإرهابي الذي هو العدو الآيدلوجي للشيعة، ومارَس القتل الشنيع بحقهم في العراق، لم تمنع السياسة أن يُكتشَف ستة من شيعة الديوانية في صفوفه!

ثم تتساءل أيضاً: ما الذي يجمع نائب رئيس مجلس قيادة الثورة السابق في العراق عزَّت إبراهيم الدوري البعثي العلماني القومي بالطائفة الكسنزانية الغارقة في التصوّف لكي يتبادلا الأدوار في الداخل العراقي سياسياً وعسكرياً لدرجة التماهي؟! نعم قد تكون هناك إجابة تفصيلية ومُعقدة للموضوعات السالفَة، لكن الأهم منها هو مفاعيل السياسة وحدودها التي لا حدَّ لها مطلقاً.

الخلاصة في كل ذلك ليس تقضيب الجبين عجباً، وإنما لِحاظ ما يجري والتدبُّر فيه. فالسياسة ليست منظمة للصليب الأحمر تفعل الخير لمستحقيه؛ وإنما تفعل العكس. بل إن التجربة قد أثبتت أن السياسة وفي كثير من الأحيان تأتي بمردودها الإيجابي من خلال الدَّوْس على المبادئ والأعراف، سواء إن كان الأمر بالقوة أو الحيلة وبالتحديد في عالمِنا العربي والإسلامي. لذا فإننا نرى أن تنازل زعيم عربي عن السلطة أو استقالته هي أمرٌ مُستغرب في القاموس العربي والإسلامي، وعندما فعلها المشير عبدالرحمن سوار الذهب في السودان بعد انتفاضة إبريل من العام 1985 أصبح نموذجاً يُضرَب في كلّ مقام ومقال لفرادته. هذه هي الحقيقة السياسية ولا شيء غيرها

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3227 - الجمعة 08 يوليو 2011م الموافق 06 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 11:10 ص

      الدين والسياسة

      ليس هناك دين أو دينيين يستطيعون أن يلعبوا سياسة وهم أتقياء العلاقة بين الدين والسياسة هي علاقة تضاد فكلما تعمق الديني في السياسة خسر من دينه لصالحها

    • زائر 1 | 10:21 م

      تعالوا نلعَن السياسة ومن يَسُوسها

      كان المفروض ان يكون عنوانك" تعالوا نبتعد عن السياسة المحلية ولا نقترب منها. فالقراء المعجبيبن بك اذكياء مثلك ايضا

اقرأ ايضاً