العدد 3228 - السبت 09 يوليو 2011م الموافق 07 شعبان 1432هـ

نظرية «العالي» على المحك

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في إحدى رحلات العمرة قبل سنوات، التقيت برجلٍ من قرية عالي في منتصف خمسينياته، بسيط في هيئته وملبسه وشخصيته، لكن يخفي وراء مظهره شخصية مثقف عصامي ذكي.

كانت لديه معلوماتٌ غزيرةٌ عن الحكام العرب، وأصول بعضهم وسياساتهم وارتباطاتهم. بعض هذه المعلومات قرأتها لاحقاً حين نُشرت تقارير قبل عامين عن تسلُّم أحد الزعماء العرب راتباً شهرياً من جهاز مخابرات شهير باسمٍ سرّيّ.

أحد أحاديثه التي ظلّت عالقة بذهني لسنوات، تقييمه لشاه إيران، بقوله إنه خرج من بلاده، ولو كان حاكماً عربياً لما خرج. لم أكن مقتنعاً بهذه «النظرية»، وخصوصاً أن جيش الشاه بقي يقتل الشعب هناك بشكل يومي ما يقارب عشرة أشهر. وظلت هذه الفكرة مختزنةً في الذاكرة حتى بدأت ثورات «الربيع العربي»، حيث أخذت تتعرّض هذه النظرية في داخلي للكثير من الاختبارات.

الثورة الأولى التي أخذت الرئيس التونسي (السابق) زين العابدين بن علي على حين غرّةٍ، أطاحت به خلال أسبوعين. ولم يكن خروجه عن طيب خاطر، بل كان عن خديعةٍ من العسكر الذين طالبوه بالخروج حتى تهدأ الأوضاع، ليعود معزّزاً مكرّماً وكأن شيئاً لم يكن. وهناك روايةٌ أخرى عن تهديده بالقتل فيما لو رفض الخروج.

الثورة الثانية أطاحت بالرئيس المصري (السابق) حسني مبارك خلال ثلاثة أسابيع، مع أنه وأركان نظامه ووسائل إعلامه كانوا مطمئنين إلى أن مصر محصّنةٌ تماماً من الثورة، كما صرّح وزير خارجيته أحمد أبو الغيط. وفي الليلة الأخيرة من حكمه ظهر نائبه مدير المخابرات عمر سليمان بوجهٍ مكفهر ليعلن استقالة سيده، وتبين أنه لم يستقل عن طيب خاطر، وإنّما بعد تلقيه تهديداً من الجيش بالاعتقال وتقديمه للمحاكمة العسكرية بتهمة الخيانة العظمى. وفي كلتا الحالتين كان الرئيس مجبراً على الرحيل لا بطل.

ذكرت نظرية صاحبنا مساء الخميس والفضائيات العربية والأجنبية تتنافس على بث اللقطات الأولى للرئيس اليمني علي عبدالله صالح، بعد اختفاءٍ دام لأكثر من خمسة أسابيع، إثر تعرضه لعملية اغتيال مازال يلفها الغموض حتى الآن، وقد تبقى من الأسرار الكبرى التي لن يعرفها إلا أحفادنا بعد خمسين عاماً!

الطلعة الأولى لصالح بعد هذا الغياب كانت مفجِعة حقاً، وخصوصاً لأنصاره ومحبيه. فالرجل الذي كان يخطب قبل شهر ويتهم المتظاهرين بالفوضوية والخيانة والعمالة للخارج، بدا مشدوداً كالرجل الآلي إلى كرسيه دون حراك غير حركة العينين. وجهٌ شوّهته الحروق، ويدان ملفوفتان بالشاش لا يُعلم مدى قدرته على تحريكهما، ورأسٌ ملفوفٌ بشماغٍ أحمر كأيّ بائعٍ بسيطٍ في أيّ سوق شعبي بالخليج.

الرجل الذي تحدّى الولايات المتحدة في أخريات أيامه بالسلطة برفضه طلب أوباما وكلينتون وغيتس له بالتنحي، بدا مصراً أكثر على البقاء. والرجل الذي رفض المبادرة الخليجية لنقل السلطة تدريجياً، كل ما فكّر فيه هو تفضله بتقديم «تنازل» محدود بقبول الشراكة والحوار مع المعارضة وفق «الدستور». هذا الدستور الذي ظل يلهج به في الصحو والمنام ويقدّسه أكثر من الكتب السماوية، ربما لأنه أباح له البقاء في الحكم أربعة وثلاثين عاماً!

بودّي لو ألتقي بمثقف عالي العجوز، الذي يرسل غترته البيضاء على طريقة شماغ الرئيس... لأطرح عليه سؤالاً يلح عليّ منذ ستة أشهر: هل أعاد التفكير في أسس نظريته؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3228 - السبت 09 يوليو 2011م الموافق 07 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 11:33 ص

      الى زائر 15 .. نعم ما يحدث في سوريا أكبر من الكارثة وأعظم من الفتنة ..... ام محمود

      أنا أول واحدة حذرت عبر موقع الوسط من خطورة ما يحدث في سوريا منذ بداية الاحتجاجات هناك ستحدث تداعيات سلبية و شيء هائل ما هو لا أدري يقلب المنطقة رأسا على عقب سيكون هناك تواطؤ وتآمر و شر كبير يحصد النفوس أنا قلت سابقا ان ما يحدث هو ( الفتنة الكبرى) يمكن تتدخل دول اسلامية لنصره سوريا وان الغرب سينجح في تعيين رئيس تابع لهم مجرم جرائمة ستكون اخطر من هولاكو سيجتاح العراق والجزيرة العربية سيفشل الأسد في امتصاص الغضب و حالة الاحتقان ..........

    • زائر 15 | 10:06 ص

      أم محمود

      ما يتعرض له نظام بشار الاسد اسميتها أزمه بل هي كارثه وقتل الشعب السوري الذي تشرد الى لبنان و تركيا ومازال من قبل النظام وصمت الغرب صمت غريب لا يوجد تفسير له تجعلك تتساءل هل النظام فعلا يعتبر نظام ممانعة أو العكس هو الصحيح بدليل عدم اطلاق رصاصة واحد منذ 44 سنة في مرتفعات الجولان.

    • زائر 14 | 7:14 ص

      اعذرني لتعليقاتي الكثيره اليوم بس قلبي يؤلمني ما ندري نحن في حلم أو يقظة .. ام محمود

      (( ورأسٌ ملفوفٌ بشماغٍ أحمر كأيّ بائعٍ بسيطٍ في أيّ سوق شعبي بالخليج ))
      ما تجوز عن سوالفك يا سيد..
      ما يحدث على الساحة العربية تذكرني بكتاب قرأته منذ زمن اسمه البؤساء
      ماذا أصاب أصحاب القصور الفخمة والسيارات الفارهة والمفارش الحريرية .. والسفرات حول العالم ؟
      ماذا أصاب أصحاب السمو والسيادة والرئاسة؟
      هل فعلا الثورات الشبابية أطاحت بهم ؟
      أم ان اللعبة أكبر من ذلك بكثير
      وان هناك قوى عالمية وضعت سيناريوهات
      السقوط المؤلم من أجل خطوات
      ستقدم عليها لانعاش
      اقتصادها المدمر

    • زائر 13 | 6:31 ص

      من قالها

      زاير رقم 1 المقول التي ذكرتها من قائلها ( أقيلوني فلست بخيركم )؟

    • زائر 11 | 3:51 ص

      الطلعة الأولى لصالح بعد هذا الغياب كانت مفجِعة حقاً .......... ام محمود

      أحد القراء في تعليقه للخبر الأول المنشور في الدوليه من يومين والخاص بعلي صالح كتب ( ليش ما انسحبت ... اللي ما يطيع يضيع ) هل حقا أخطأ الرئيس اليمني خطئاً جسيماً بعدم انسحابه في الوقت المناسب و تماديه في تلقين المتظاهرين جميع فنون الضرب والقتل و ما علاقه الأحمر أو الجيش بانفجار القصر وقت صلاة الجمعة ؟ اعتقد علي عبدالله انه في المسجد وانه في مكان آمن لن يصيبه التفجير ..
      في خطابه الأخير وجه دعوة للحوار للرجال الواعون والثاقبون ونحن نقول لقد فات الأوان على اجراء أي حوار
      لأنه سيكون بدون فائدة

    • زائر 10 | 3:25 ص

      ها سيد !!! نسيت زنقة زنقة أم تجاهلته؟؟؟

      يرى الدمار يقع على بلاده وعلى شعبه وهو لا يهمه غير الكرسي وتوريث الحكم ليبقى ملكاً للجماهيرية وزنقاتها.
      يا أم محمود القذافي بياع حكي (كلام)، لديه مرض عضال هو حب العظمة" والعظمة لله وحده العزيز الجبار.

    • زائر 9 | 3:07 ص

      آلمنا الحال الذي وصل اليه القاده العرب ومنهم الرئيس اليمني الذي صعقنا لرؤيته وحجم جراحه ..... ام محمود

      والرئيس المصري وهو طريح فراش المرض والرئيس التونسي المنفي والمحكوم عليه ب 15 سنة سجن والرئيس السوري الذي يعيش أكبر أزمة في فتره حكمه والرئيس الليبي الذي بجنونه وصل الأمر الى مذابح لن يغفرها لنا التاريخ ولم تنفع معه الضغوطات العسكرية والاقتصادية ولا الدبلوماسية ويعلنها انه سيحارب اوربا بمئات المقاتلين
      نستذكر القرآن الكريم
      " وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب سينقلبون"
      و "وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون"
      -
      في خضم الفتن نتساءل ما مصير العرب بعد رحيل القادة؟

    • زائر 8 | 2:49 ص

      بوناصر

      والله خوش فكرة ياأخي هذا حال كل زعامات العرب والمسلمين اذا ستلموا السلطه من المستحيل يزحزح عن الكرسي حتى أن ياتي له السيد عزرائيل ويريح العباد منه او بنقلاب عسكري وغير ذلك من رابع المستحيلات.

    • زائر 7 | 2:21 ص

      من كلمات القذافي المثيرة للجدل في القمم العربية .......... ام محمود

      عاد القذافي لجلد العرب قائلاً إنهم باتوا يتآمرون على بعضهم البعض، وأن أجهزة استخباراتهم الآن تكيد لبعضها البعض، أكثر مما تعمل ضد الآخرين، وجدد القذافي التبشير بنهاية الدولة الوطنية وبداية عهد الفضاءات الكبرى
      4.إن مصلحة الدول العربية تتمثل في إقامة علاقات طبيعية مع إيران وأنه ليس من مصلحة العرب وجود أي عداء مع إيران
      5وخاطب الزعماء العرب قائلاً الدور عليكم جميعاً، أميركا قاتلت مع صدام حسين ضد الخميني ثم باعوه وشنقوه حتى أنتم أو نحن أصدقاء أميركا قد توافق أميركا على شنقنا في يوم ما.

    • زائر 6 | 2:21 ص

      مرحا مرحا سيدنا

      يا سبحان الله ذو العز والجلال والاكرام اما نحن نتوضأ للقيام للصلاة ونتشهد بغسل وجوهنا ونرددها ("يارب اللهم بيض وجهي يوم تسود الوجوه ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه")- اليس كذلك فالله عزوجل أرانا اياها ناصعة فى دنيانا قبل آخرتنا على وجه البائع المذكور فى سطر مقالتك القيمة -اللهم لا شماته يارب فهي عبرة لمن لا يعتبر من قاصم الجبارين مبيد الظالمين اللهم لك الحمد والشكر على ما انعمت علينا من صحة العافية

    • زائر 5 | 2:16 ص

      القذافي ذكي ......... تتمة ........... ام محمود

      والتكتلات الكبرى والتجمعات الإقليمية والدولية وبحسرة تساءل القذافي فيمستنكرًا: أين يقع العرب الآن على خريطة العالم الجديدة؟ كما عبر القذافي أيضًا عن قلقه حيال مستقبل الدول العربية الواقعة خارج المظلة الأفريقية، ودعا لضم الجزء العربي الواقع خارج الفضاء الأفريقي إلى المظلة الأفريقية، حتى لا تضيع وسط التكتلات الإقليمية والدولية الضخمة التي يمكن أن تلتهمها"..
      3.جدد عن الكتاب الأبيض الذي اقترح فيه تأسيس ما أسماه دولة إسراطين كدولة واحدة تضم الفلسطينيين والإسرائيليين وتمتد من النهر إلى البحر،

    • زائر 4 | 2:06 ص

      القذافي ذكي يا استاذ قاسم ولكن محد يقدره دائما يستهزؤن به ..... ام محمود

      ارجع الى كلماته المرتجله في القمم العربية وستعرف ان خطابه للرؤوساء العرب الجالسين على كراسيهم كان به بعض الحقيقة أو كل الحقيقة سأذكر لك بعض خطاباته المدوية
      1. حذر القادة العرب المتحالفين مع الولايات المتحدة من أنهم قد يلقون مصير الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين الذي اعدم شنقًا،(وفال لهم جاينكم الدور لا تستعجلون) وهو ما أثار انطباعات متباينة بدت على وجوه الحاضرين تراوحت بين الضيق والتبرم والسخرية، والكاميرا وهي تدور وضحت الضحكات للزعماء
      2.تكلم عن الفضاءات الديموغرافية في العالم وخارطة الكون

    • زائر 3 | 12:11 ص

      عبدالرحمن

      لم أفهم - لماذا يعيد التفكير في أسس نظريته؟ لقد ثبت صحتها باستثناء الحالة الشاذة للرئيس التونسي والتي إنما تؤكد وجود القاعدة العامة.

    • زائر 2 | 10:54 م

      غريب الرياض

      أبدا لانها نظرية صالحة لكل زمان و مكان الى قيام القائم (ع).
      سيدنا, بليز (أرجوك بالعربي), صوب سهامك باتجاه ادارة البعثات في وزارة التربية و التعليم. لو تشوف اسالة المقابلة الشخصية, يمكن اقل شئ تتسمر مكانك ساعات طوال من هول الصدمة.
      شكرا

    • زائر 1 | 10:47 م

      الملك وما أدراك ما الملك ... !

      في قديم الزمان قالها: (من خاطب السحاب قائلا: أينما تمطري يأتيني خراجك ! ) . قال قولته الشهيرة لأخذت الذي فيه عيناك ...! ( أي لقتلتك ) هذا كلام السياسي الصرف الذي لا يهمه إلاّ البقاء في الملك ، حتى لو تيقن مخالفته لجميع القوانين والأعراف والقيم والمبادىء السامية ، وهل غابت عنه المقولي الت صدحت في التاريخ ( أقيلوني فلست بخيركم ). أعجبتني عبارة ( كأنه بائع بسيط في أي سوق شعبي بالخليج .... للخضروات أو للسمك .. لست أدري ! .............

اقرأ ايضاً