العدد 3240 - الخميس 21 يوليو 2011م الموافق 19 شعبان 1432هـ

أسباب نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي في مصر (3-3)

محمد نور الدين عبدالله comments [at] alwasatnews.com

.

ثالثاً: محور العوامل الخارجية:

1 - طغيان ثقافة الغرب: وهو عامل مهم من أسباب نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي في المجتمع المصري؛ وهذا يرجع إلى سببين أحدهما جلي واضح والآخر يخفى على البعض:

• أما السبب الواضح فهو نجاح النموذج الغربي بشكل مبهر في مجال الحريات والسياسة والاقتصاد على المستوى التنظيري والتطبيقي على حد سواء؛ وهذا كان له صدى واسع في البلاد الأخرى والنامية منها على وجه الخصوص؛ وإن كان هذا النجاح يعتبر نجاحاً مؤقتاً وسيبدأ نجم الحضارة الغربية في الأفول كما تنبأ بذلك بعض المتخصصين في الغرب من أمثال صمويل هتنجتون في كتابه «صراع الحضارات»؛ ولكن مازالت توجد تلك السطوة الغربية على مجريات الأمور في العالم ما يعطي رسالة ضمنية إلى الشعوب المقهورة والذليلة أن هذه النظرية هي الناجحة وهي التي ستسود عاجلاً أو آجلاً، وبالتالي يفتن الشباب بهذا النجاح المزيف الذي لا يعير اهتماماًَ حقيقياً للمبادئ الأخلاقية والعدل كما يزعمون.

• أما السبب الخفي فهو يتمثل في فتنة الشباب المصري بالنماذج الناجحة داخل المجتمع المصري والذين يدينون بالولاء للغرب بسبب تشبعهم بهذه الثقافة وتبنيهم لأفكارها وتوجهاتها؛ وذلك يرجع نتيجة اغترابهم لفترات طويلة أو تلقي دراستهم هناك ما ساعد على نقل المفاهيم الغربية إلى مجتمعنا في قالب جذاب يفتن الشباب، ثم رجعوا ومعهم صورة الغرب الذي ارتقى وتحضر - بزعمهم - حين تخلص من قيد الدين وجعله في دور العبادة بعيداً عن الحياة؛ وهذا يذكرنا بتلك البعثات التي أرسلت للغرب في عهد محمد علي فكما كانت هذه النماذج تأخذ وتتلقى من منابع العلوم العصرية كانت تتشبع - من حيث لا تدري - بسموم الأفكار الغربية؛ ومع الأسف تجد الآن شباباً كثيرين يؤمنون بالنظرية الغربية في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم بل ويعتبرونها المثال النموذجي في الحياة، مصداقاً لقول الرسول (ص) «لَتَتْبَعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ شِبْرًا شِبْرًا، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُمُوهُمْ، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودُ، وَالنَّصَارَى، قَالَ: فَمَن» (البخاري).

2 - عدم وجود نموذج ناجح لدولة إسلامية: هذا العامل يعتبر عاملاً مهماً يستدل به بعض أعداء الإسلام في التشكيك في إمكان قيام نموذج أو مشروع إسلامي ناجح في العصر الحالي؛ ويتم التلويح بنموذج الدولة الدينية في إيران كمثال يرفضه العالم الغربي؛ ثم نجد أفغانستان والويلات التي تعيشها جراء تمسك بعض الفصائل فيها بالدين وكأنه جُرم كبير؛ ودول إسلامية أخرى مثل إندونيسيا وماليزيا على رغم تقدمها الاقتصادي الملحوظ إلا أنها لم تعط لنا نموذجاً إسلامياً متكاملاً له حضور دولي من الناحية الاجتماعية والسياسية أمام الطغيان الغربي؛ وهذا يرجع بالأساس إلى النظام الحاكم في بلادنا، والذي كان لا يولي اهتماماً ملحوظاً بالعلاقات مع مثل هذه الدول الإسلامية الصاعدة مقارنة باللهث وراء الغرب وفي مقدمته الولايات المتحدة لتقديم فروض الولاء والطاعة.

ولا يوجد أمامنا إلا النموذج التركي الذي يعتبر نموذجاً ناجحاً إلى حد كبير في إعطاء صورة جيدة عصرية لبلد إسلامي على رغم الحرب الشعواء التي تشنها المؤسسات العلمانية الداخلية - والتي تمسك بزمام المراكز المهمة في البلد كالجيش والقضاء - على كل ما هو إسلامي في تركيا، ولكن وعلى رغم هذا كله أصبحت تركيا رصيداً مضافاً للإسلام في مواجهة الغرب المتغطرس؛ بل إن تركيا تمثل اليوم نموذجاً حيوياً وفريداً في امتحان واختبار دور الإسلام في الحياة السياسية، وتأثيراته في رسم معالم السياسات الخارجية للدول الكبرى، وخصوصاً بعد عودتها للاهتمام بالشرق والعالم الإسلامي ككل ما أعطاها رصيداً إقليمياً كبيراً كما ذُكِر في بعض الدراسات التي ظهرت حديثاً على يد كتاب من غير المسلمين.

3 - الدور الإعلامي: في هذه النقطة لن أتناول مدى تضليل الإعلام الرسمي للمجتمع في محاولة إذكاء نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي فهذا معروف للقاصي والداني، ولكن سأناقش الإعلام الحر - غير الرسمي - والذي يتمثل في وسائل الإعلام المختلفة (المقروءة والمسموعة والمرئية).

يجب أن يكون هناك اهتمام بما يسمى الإعلام الإسلامي وليس الإعلام الديني؛ فالإعلام الإسلامي يقوم بإعطاء الصبغة الإسلامية في كل جانب من جوانب الإعلام، فيكون الترويح بشكل إسلامي، ومناقشة القضايا والأخبار من منظور إسلامي، ومحاولة بسط المفهوم الإسلامي على المواد الثقافية والعلمية والاجتماعية؛ أما الإعلام الديني فهو ينحصر في تقديم بعض المواد التي تعطي مزيجاً من القيم الروحية والدينية والأخلاقية العامة.

وعلى رغم وجود الإعلام الإسلامي إلى حد ما في إعلامنا العربي إلا إنه به بعض السلبيات، فمثلاً نجد أن هناك تركيزاً في هذا الإعلام بشكل عام على المواد التي يحب المتلقي أن يسمعها أو يراها لأنها ستثير اهتمامه وبالتالي ستكون هناك ساعات مشاهدة أكثر لهذه القناة أو توزيع أوسع لتلك الصحيفة، وبالتالي نجد أن هناك تركيزاً مثلاً على سرد القصص الدينية المشهورة أو عرض المواضيع الفقهية المتعلقة بالعبادات أو الرد على الأسئلة الفقهية المكررة؛ ويتم أيضاً في أحيان كثيرة التركيز على الشق السياسي من الشريعة أو ما يسميه البعض «الإسلام السياسي» لما له من جماهيرية كبيرة وخصوصاً في الوقت الذي تمر به الأمة الآن وخصوصاً أنه كان منطقة محظورة من قبل الجهات الرسمية؛ وهذا أمر لا نقلل من قدره فهذا أحد أهم أدوار الإعلام؛ لكن المأخذ هنا على عدم إعطاء الاهتمام الكافي لجوانب أخرى لا تقل أهمية عن المذكورة آنفاً وهي على سبيل المثال لا الحصر:

• عرض الأفكار الإسلامية التي تناقش قضايا فكرية عامة مثل العولمة، صراع الحضارات، موقف الإسلام من الأفكار الغير إسلاميه مثل الليبرالية، الرأسمالية، الديمقراطية، الدولة الدينية (الثيوقراطية)، الدولة المدنية... إلى آخره، بشكل موضوعي يتماشى مع روح العصر ويتجاوب مع الأسئلة المحيرة لدى الشباب والمجتمع ككل.

• قضايا الأقليات الإسلامية في العالم؛ يوجد في العالم ما يزيد على مليار مسلم وتوجد مناهضة كبيرة لتلك الأقليات المسلمة في عدد كثير من الدول - مثل الصين أو بورما - فلماذا لا يلقى الضوء على هذه الأقليات وحث المجتمع للتفاعل معها بشتى الطرق وحشد الرأي العام لها.

• قضية أحقية سيادة الفكر الإسلامي كفكر منهجي للتطبيق في كل مناحي الحياة؛ مصداقاً لقوله (سبحانه وتعالى) « قُلْ إنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ» (الأنعام: 17).

• إبراز دور الإسلام المعتدل وإعلاء صوته ونشر أفكاره المعتدلة لتصب في الحياة اليومية للمجتمع والبعد عن المد الإسلامي المتشدد الذي بدأ ينتشر بشكل كبير والذي يهتم بظاهر النصوص ولا يهتم بفقه المقاصد والغايات، مصداقاً لقوله (سبحانه وتعالى) «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ» (البقرة: 143).

• الاهتمام بطرح قضايا المعاملات بنفس قدر الاهتمام بعرض قضايا العقائد والعبادات.

خاتمـة:

ومن هذه المحاور نخلص إلى أن نظرة الريبة تجاه ما هو إسلامي تنبع بالأساس من البعد عن الفهم الحقيقي للإسلام، سواء كان ذلك فكراً أو توجهاً أو تعليماً أو تنشئة، بقصد من الفرد نفسه أو بسبب ظروف خارجة عن إرادته، فالكل يؤدي إلى نفس النتيجة وهو الزيغ عن الحق مصداقاً لقوله (ص) «لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك» صحيح الترغيب] ؛ وقد سطََّرها لنا عمر بن الخطاب بكلمات من ذهب عندما قال: «نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فإن ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله»؛ فهذا فيه عبرة لمن كان لهم آذان صاغية وقلوب واعية، فهل هناك من يلقى السمع وهو شهيد

العدد 3240 - الخميس 21 يوليو 2011م الموافق 19 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً