العدد 3245 - الثلثاء 26 يوليو 2011م الموافق 25 شعبان 1432هـ

مشروع تدمير

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعلنت وزارة التربية والتعليم عن ابتداع نظام جديد للبعثات، بتحديد نسبة 40 في المئة للنجاح في المقابلة، و60 في المئة لأداء الامتحان.

الخطوة كانت تحوطها الشبهات من كل جانب، وتنبّه الجميع إلى وجود خطة مبيّتة، مهّدت لها بعض الكتابات الصحافية لتمريرها، والتعامل مع الاستحقاقات العملية الوطنية على أنها غنائم وأسلاب.

لم يكن الرأي العام بحاجة إلى مقابلاتٍ ليظهر على السطح ما كان مخفياً. الطلبة والطالبات بعد خروجهم من المقابلات تحدّثوا عن غرابة الأسئلة وعدم ارتباطها بأي ناحية علمية أو أكاديمية، وإنما بتوجهات ومواقف سياسية مسبقة. هذا الوضع دفع الكثيرين للحديث عن ظلم كبير لحق بالطلبة المتفوقين هذا العام.

هذا لا يعني أن وزارة التربية كانت مبرّأة من العيوب، فقد كتب الكثيرون عن أخطائها في السنوات السابقة، وانتقدوا تسليم مقاليدها لبعض التيارات الدينية المسيّسة. ولكونها الوزارة التي تتعامل مع أكبر عدد من السكان، طلاباً (125 ألفاً) ومنتسبين (17 ألفاً)، فإن أي خطأ أو إجراء أو سياسة خاطئة، ستنجر آثارها على المئات أو الآلاف.

في السنوات الخمس الماضية انتقدنا مراراً سياسات الوزارة، توظيفاً وبعثات وترقيات، على ضوء ما يصلنا من شكاوى وما يتوافر لدينا من معلومات واحصاءات. وما نشعر به ويشعر به الكثيرون أن ما كان يُمارس خلسةً وحياءً من وراء حجاب، أصبح يمارس على المكشوف، استغلالاً للظرف الاستثنائي الذي تمر به البلاد.

خطورة تسليم مقاليد الأمور إلى جمعيات دينوسياسية، انها تعمّق الانقسامات الاجتماعية الحاصلة في المدى القريب، وتلحق الظلم بالخريجين الجدد من ناحية البعثات، أو خريجي المعاهد والجامعات من ناحية التوظيف والترقيات. أما على المستوى البعيد فسيكون مستقبل البلد هو الضحية، وكل ما يُقال عن التنمية والخطط المستقبلية و2030.

الضحايا الأوائل المتضررين هذا العام خرجوا من المقابلات ليكشفوا نوعية الأسئلة المسيّسة التي طرحت عليهم بعيداً عن الجانب العلمي والاكاديمي. وبعضهم تحدّث عن طريقة تعامل غير لائقة، وأسلوب تهكمي وتعرض للانتماء الطائفي. ويخجل المرء من كتابة هذه التفاصيل التي تسيء إلى صورة البحرين الجميلة حتى وقت قريب.

سياسات مستجدة ابتدعت وضحيتها جيلٌ جديد. لكنه جيلٌ لن ينكفئ على نفسه ويندب حظه كسابقيه، بل سينقل قضيته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسيحظى بتعاطف واسع في فضاء هذا الربيع العربي الكبير، بعد أن يقدّم دليلاً جديداً على دعاواه عن الإقصاء والتمييز. ومثل هذه القضية ذات الصبغة الإنسانية الواضحة، لا يمكن إخفاؤها بالمكياج، فأي إنسان يقرأ عنها، خليجياً أو عربياً أو أجنبياً، ستكشف له السطور الأولى عن قضية غير مقبولة في عالم يبحث عن الحريات والكرامة واحترام حقوق الانسان.

في الداخل، أصدرت الوفاق بياناً السبت الماضي، أكدت فيه أن توزيع البعثات والمنح للمتفوقين يشوبه التمييز والمحسوبية، إلا أن هذا العام كرّس الحس الطائفي، فاستحداث نظام المقابلات لتقدير التنافسية للبعثات ينسف مبدأ الشفافية، بما يسمح للجهات الحزبية المسيطرة على الوزارة بالتلاعب في النتائج.

الوزارة مثقلة بالأخطاء، من بينها التعاطي مع ملفات الخريجين الجامعيين، وفصل المئات من الموظفين والطلبة الدارسين في الجامعات والمعاهد التربوية، وحرمان الطلبة من مواصلة دراساتهم في جامعات أخرى بمنع إصدار كشوف الدرجات. ولا يعلم المرء ما يمكن أن يكتبه المؤرخون مستقبلاً عن هذه الحقبة من تاريخ أقدم المؤسسات الحكومية في البحرين.

جمعيات التيار الوطني الثلاث (التجمع القومي، المنبر التقدمي، وعد) أصدرت بياناً أيضاً الاثنين الماضي، طالبت فيه بإلغاء نتائج اللجنة التي تولت مهمة توزيع البعثات. وقالت «إن اللجنة تشكّلت من دون سند قانوني ومارست تمييزاً طائفياً ومذهبياً لا يستقيم مع العدالة الاجتماعية التي ننشدها ونطالب بها».

هذه الجمعيات ليست دينيةً، وإنما جمعيات سياسية وطنية مختلفة الانتماءات والايديولوجيات (يسار وقوميين وبعث). وفي بيانها أعربت عن «قلقها البالغ من الاجراءات الخطيرة التي اتخذتها الوزارة بشأن بعثات هذا العام، بممارسة تعتيم شديد على الأسماء والمعدلات التراكمية للمتفوقين، والتكتم على نشر نتائج المقابلات التي أجرتها لجنة وزارية غير مؤهلة، ما يثير شكوكاً كبيرة بشأن عدالة توزيع البعثات». ولنتذكر ان الوزارة التزمت في أعوام سابقة بنشر النتائج التزاماً بمبدأ الشفافية الذي تبخّر تماماً هذا العام.

رئيسة اللجنة المركزية لجمعية «وعد» منيرة فخرو، الاكاديمية المعروفة والمحاضِرة في بعض الجامعات الأميركية، انتقدت نظام المقابلات المبتَدَع والظالم، الذي سيؤدي حتماً إلى ظلم أعدادٍ كبيرةٍ من الطلبة. وتساءلت عن تشكيلة لجنة البعثات، وحسب أية معايير، وهل أعضاؤها محل ثقة من الجميع. والمؤكد أن فخرو لم تقابل في مسيرتها الأكاديمية الطويلة نظام توزيع للبعثات يقوم على توجيه أسئلةٍ عن الشخصيات السياسية أو الذهاب إلى الدوّارات، ويحدّد دراساتهم المستقبلية بعد فرز الطلاب حسب انتماءاتهم القبلية أو الطائفية والعرقية!

ما يجري مشروع تدمير وطن. أنقذوا وزارة التربية والتعليم. أنقذوا ثروة هذا الوطن وخطط التنمية ومستقبل الأجيال

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3245 - الثلثاء 26 يوليو 2011م الموافق 25 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 35 | 6:33 م

      الانفاق على الدراسة

      على أولياء الأمور ترشيد الانفاق في مجال الكماليات وتخصيص الأموال للدراسة كما ينبغي على التجار تخصيص الخمس والزكاة لدراسة الطلبة المتفوقين وتلبية رغباتهم لأن ذلك سيعود عليهم بالنفع بدلا من إنفاقها على الأطعمة والكماليات

    • زائر 34 | 8:03 ص

      • بهلول •

      يمكن هذه إحدى توافقات الحوار الوطني

    • زائر 32 | 6:13 ص

      الحسد والطمع

      وستظلون متفوقين رغم أنف كل حاسد

    • زائر 29 | 4:34 ص

      طالب متفوق سابقاً

      سأظل أتذكر دائماً كيف أني عندما تخرجت من المرحلة الثانوية وكنت حينذاك الثاني على مستوى البحرين حصلت على بعثة لبريطانيا في تخصص وجامعة تم تحديدهما مسبقاً من قبل الوزارة (التخصص ليس له مستقبل وظيفي في البحرين والجامعة غير معروفة وذات ترتيب متدني عالمياً)، وبعد ابتعاثي تعرفت على شخص عن طريق الصدفة وقد حصل على بعثة وكان معدله في السبعينات وأعطي له الحق في اختيار الجامعة والتخصص الذي يريد. ظلم ليس بعده طلم وحرقة لا يعرفها إلا من سهر الليالي

    • زائر 28 | 4:19 ص

      ليس مشروع تدميري واحد يا سيد انما مجموعة مشاريع تدميرية متعددة .......... ام محمود

      من بداية الأزمة ونحن نلاحظ الامعان في الاجراءات (والمشاريع) التي تحمل الكثير من التمييز والحس الطائفي المريض وجلد الآخرين من طائفة معينه بالسوط من خلال عدة وسائل غير متحضرة وستجرنا الى سنوات من التخلف والرجعية
      ردود الأفعال من الطلبة المتفوقين وأولياء امورهم تكفي لتفكر الوزارة بان نتائج البعثات بحاجة الى اعادة نظر والغاء و تغيير بالكامل
      الانتقادات الداخلية لنظام المقابلة الشخصية (البدعة) قد يتطور الى انتقادات خارجية تأتينا من منظمات دولية يهمها الشأن التعليمي في البحرين
      القلوب تتألم للمتفوقين

    • زائر 27 | 4:13 ص

      أكيد يدرون

      الزائر رقم 3 كل المسئولين في البلد يدرون و عاجبنهم اللي صاير و الدليل انهم ساكتين و مخلين القرعى ترعى
      الشكر الجزيل للكاتب الفذ فعلا هو مشروع تدمير وطن بأكمله

    • زائر 25 | 4:08 ص

      فلنحذر من تحطيم طموحات ونفسيات الشباب والطلبة المتفوقين ..... ام محمود

      جميع الدول والمجتمعات تضع البرامج الراقية والمتقدمة للاهتمام بالطلبة الموهوبين والمتفوقين والمبدعين من بداية اكتشافهم في المدارس الى اكمالهم الجامعات وهناك خطط توضع ومسئولين يتابعون وميزانيات تخصص لأن الشباب هم ثروة الأوطان الحقيقية التي يجب الاهتمام بها ورعايتها
      لا ندري ماذا جرى لمملكتنا وللوزارة الموقرة التي قامت تتخذ اجراءات متسرعة ولها سلبيات كثيرة على المدى القريب أبسطها التسبب بالاحباط لدى الطلبة ولن يدرس أو يتفوق أحد ويأتي بمعدلات عاليه وفي الأخير يهضم حقه في الحصول على البعثه المرغوبه

    • زائر 24 | 3:51 ص

      محاسبون امام الله ... على جواد

      ان برامج التقييم سواء بالتوظيف او الاختيار او الترشيح انما وضعت للاختيار الافضل لشغل منصب او تبوء مكان للمستقبل دراسي او وظيفي يتم اختيار عناصر التقيم الاساسية ودمجها بالفرعية والاقل اهمية لضمان اهلية المرشح بأفضل المعايير ويكون ذلك بصفة عادلة وشفافة منعا للتظلمات والشكوك وليصب ذلك خدمة في حق البلاد والعباد اما غير ذلك فيعد ذلك ظلما واهدارا للمال وتكريسا للظلمات وهنا اود ان اقول بان ذلك يعد محاربة لشرع الله حيث ان العزيز لا يجوز الظلم لنفسه وهو االمقتدر .. فكيف ببني البشر , انكم محاسبون وكفى

    • زائر 23 | 3:37 ص

      انظر لبعثان دول الخليج بالخصوص السعودية

      بعثات دول الخليج بها انصاف تقريبا حقيقي حيث المتفوق يحصل على رغبته لتعبه وتفوقه، وقد تحدثنا مع من يشكرون على السعودية للسعوديين على ماحصلوا عليه من بعثات مع محرم في دول مثل امريكا وكندا.... ودول اخرى يحصل العدل دراسيا سعوديا وخليجيا،
      اتمنى طرح ما تقوم به دول الخليج من بعثات للمتفوقين الراضين والحاصلين على اتعابهم واحترامهم
      مع جزيل شكري العميق

    • زائر 21 | 3:29 ص

      شكرا لك

      إنه جهاد القلم يا أستاذ قاسم..

    • زائر 18 | 2:49 ص

      التمييز عيني عينك ؟!

      ...........؟! تمييز فاضح ؟

    • زائر 17 | 2:32 ص

      دمتَ ودام قلمك..

      شكراً جزيلا لك سيدنا العزيز على هذا المقال الرائع، ونتمنى ان يصل ما كتبت الى اصحاب الشأن.

    • زائر 15 | 2:05 ص

      نعم أضم صوتي معك إنه مشروع تدمير

      في مستقبل حياة الفرد يفاجأ بهكذا كيل في البعثات سوف يجعل من هذا الطالب فردا ناقما على المجتمع وفي ذلك خطورة.............

    • زائر 14 | 1:59 ص

      بسيطة

      ........... لكن المشكلة أن الكثيرين يعتقدون بأنهم بتصرفات كهذه و نحن في سنة 2011م سيقدمون شي للوطن (نعم إنهم سيقدون المزيد من التخلف لهم فقط) ليس للشعب

    • زائر 12 | 1:47 ص

      شكرا لك يا سيد

      أنا لله وأنا اليه راجعون == شكرا لك يا سيد يعجز اللسان عن الشكر الجزيل لك ولامثالك الكتاب المتمييزين

      جميل ،،،

    • زائر 11 | 12:44 ص

      قف

      عملية منظمة ...............وهظم حقوق المتفوقين

    • زائر 9 | 12:18 ص

      اللعب على المكشوف !!!!

      بات اللعب الطائفي على المكشوف ، وكما قلت يا سيد مهد لذلك كتابات ما انكفأت وهي تردح على هذه النغمة الشاذة في تدمير الجيل الجديد خاصة من الفئة المغضوب عليها . وان كانت هي المتفوقة والجديرة بالبعثات فقط لأرضاء نهم اولئلك المفتنين الذين لا هم لهم ليل نهار سوى الأنتقام من الآخر سيسوا كل شيء وبات كل شيء خاضع لمن تنتمي أنت وهل سيضاء لك الضوء الأخضر للمرور أم لا ولكن الله بصير بالعباد...........

    • زائر 7 | 11:10 م

      في الصميم

      هذا شعار جودة التعليم بوزارة التربية الذي تنادي به ... الله المستعان

    • زائر 6 | 10:29 م

      صباح الخير سيدنا

      قد اسمعت لو ناديت حيًا ولكن لا حياة لمن تنادي
      غريبة يعني المسؤولين في هالديرة مايقرون جرايد؟ مايشوفون؟! مايسمعون آهات الناس؟
      ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
      وحسبنا الله ونعم الوكيل :)

    • زائر 4 | 10:02 م

      أجدت ولكن أسمعت لو ناديت حيا

      لقد أجدت في توصيفك للحاله و امهزله ولكن يبقى السؤال إلى متى سيصبر الناس و هم يرون أبنائهم و بناتهم يغصب حقهم عنوه و لا حياة لمن تنادي.
      أين اللجنه المستقله !! من كل ما يحدث الآن ففي جريدتكم خأخبارا يندى لهما الجبين في نفس السياق الأول أن وزارة الصحه تفصل بمعدل طبيبين في اليوم!!الأمانه العامه للنواب تجري مقابلات لسد العجز لكي يفقل باب إرجاع من فصل بغر حق و الثالث تمديد إيقاف 24 موظفا في البلديات و زاؤة التربيه و الإقالات التي تستند إلى قوانين الخدمه المدنيه المبهمه

    • زائر 3 | 10:01 م

      أجدت و أصبت ولكن!!!!!!!!!!

      صح لسانك

اقرأ ايضاً