العدد 3253 - الأربعاء 03 أغسطس 2011م الموافق 03 رمضان 1432هـ

موقف خاص للمعاقين فقط!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كنتُ أقلِّب إحدى الصحف الخليجية. وجدتُ في صدر أخبارها الرياضية صورة لمنتخب رياضي، وقد أسبِغَت عليه الأوصاف والنعوت الحَسَنَة بلا انقطاع. والأكثر، أن انتساب ذلك المنتخب المتميِّز في عنوانه، قد رُبِطَ مباشرة بأعلى قمَّة الحكم في ذلك البلد. لكن الأغرب بالنسبة لي، هو أن وجوه اللاعبين في الصورة، تدلُّ على أنهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، إلاَّ أن متن الخبر لا يُفيد بذلك مُطلقاً، بل ولا يُؤشر لا غمزاً ولا تصريحاً على أنهم مُعاقون. سألت عن ذلك فقيل لي: أن التعليمات العليا الصادرة هو أن لا يتمَّ تمييزهم عن غيرهم من الأصحَّاء أو إظهارهم على أنهم في درجة أدنى. إنها حقاً فرادة ولفتة إنسانية تستحق التقدير والنظر.

هنا، أودّ تناول هذا الموضوع (الإعاقة) بشكل مختلف إلى حدٍّ ما. هكذا أدَّعي. فمُعجزة البشر، هو أنهم يُخلَّصُون وهم أجِنَّة من بين مشِيمة ورحم. وأرواحهم، من بين أحشاء وأمعاء، ولبَنُهُم، من بين فرْثٍ ودم. وبالتالي فهم يشتركون في هذا الإعجاز قبل أيّ شيء آخر. الأغلب منهم، أنهم يُولدون وهم أصحَّاء، وآخرون يقضي الله أن يكونوا غير ذلك. بعضهم بأطراف ناقصة أو زائدة، وبعضهم بعقل غائب، وبعضهم بأمراض مُزمِنة أو خُدُوج، تُنقِص من طبيعتهم الجسدية (أو العقلية) ليكونوا بعد ذلك بأوصاف وظروف خاصة، تمايزهم عن غيرهم من البشر، لكن من دون تمييز في الكرامة والمكانة الإنسانية وحتى العلمية التي لا يحدها نَسَبٌ ولا حَسَب ولا عاهة ما دامت هي دون العقل.

كان عطاء بن أبي رباح، أسوَد أعور أفطس أشَلاً أعرج. ثم عُمِي، إلاَّ أنه كان ثقة بين العامّة، فقيهاً عالِماً، كثير الحديث. وكان يُنادي منادي بني أميّة في أيام مِنَى: لا يُفتي الناس في الحج إلاّ عطاء بن أبي رباح. وكان الأحنف بن قيس قد وُلِدَ وبه حَنَفٌ برجله وقصرٌ في قامته، ضئيلٌ في جسمه، أصلع الرأس، متراكب الأسنان، مُنخسِف الذقن، لكنه كان من البلغاء والحكماء بلا منازع. وكان عميد الأدب العربي والناقد الكبير طه حسين كفيف البصر منذ السنة الرابعة من عمره. هذه حقائق من التاريخ تثبت ما أقول. فالحسن والعافية البدنية، لا تمنح الإنسان علماً وقامة، بذات المقدار الذي لا يسلب فيه القبح ولا المرض ولا الإعاقة منزلة سَنِيَّة عن أحد.

وما دمنا نتحدث عن موضوع الإعاقة، فلا بأس إن تجاوزت وقلت: بأن الأهم باعتقادي في هذا الموضوع كله هو الحديث عن القيمة التي تكتنفه؛ والتي لا يُمكن أن تكون إلاّ إنسانية بامتياز. فالعلاقة بين القوي والضعيف، والكبير والصغير، والعاقل والجاهل، والمقتدر والمعوز هي علاقة تفوق عنوان الحاجة، وتتجاوزه إلى أمور أخرى أهم. إنها في الأساس القدرة على الارتقاء من الأدنى إلى الأعلى. أن يكبر الصغير باعتماده على الكبير. وأن يتعلَّم الجاهل باعتماده على العاقل. وأن يُغادر الإملاق الفقير بمساعدة المقتدر، وهكذا دواليك. فليس لأحد مِنَّة على أحد وكأنه وليّ نعمته، بل إنها متطلبات الحياة الطبيعية جداً لإعمار الأرض وتشييدها. لذا، فلا يعتقدنّ أحدٌ إن هو تفضّل بمساعدة مُعاق أنه فَعَل أمراً مُستحباً بل هو واجب.

بالتأكيد ليس الموضوع متعلقاً بنواحي القدرة على الارتقاء بدل عنوان الحاجة كما ذكرت، أو العطف والتراحم فقط، وإنما بإيجاد الوعي اللازم بضرورة أن نعتقد بوجود أكثر من 100 مليون معاق في العالَم هم بشرٌ مثلنا، ولكن أفقدتهم الظروف الخارجة عن الإرادة جزءاً مهمّاً من قدرتهم على الأداء الحياتي الشخصي المناسب كما الآخرين. لأن الإعاقة بالمفهوم العلمي تعني انتقاصاً مادياً مباشراً، إلاَّ أنها ووفق المنطق الإنساني البحت لا تعني سوى روح كسائر الأرواح، إلاَّ أنها في وعاء غير مكتمل، هذا هو الفارق ولا أكثر من ذلك ولا أقل.

أمرٌ آخر يجب الالتفات إليه، وهو أن الإعاقة دَرَجَات. بالضبط مثلها مثل الأمراض العضوية الأخرى التي يختلف منسوبها من حُمَّى بسيطة إلى أمراض خبيثة خطيرة. فهناك مُعاقون عقلياً، وبعضهم معاقون جسدياً، وأيضاً في تلك التصنيفات توجد درجات كذلك. والحقيقة، أن موضوع الإعاقة هو كغيره من المشكلات التي تُكافَح بتقدم العِلم والمعرفة. فمَن فقد أطرافاً من جسمه اليوم سيكون أفضل حالاً من غيره ممن فقد أحد أعضائه قبل خمسين سنة على سبيل المثال. فقد أبلى العِلم والعلماء في ذلك بلاءً حسناً يُشار إليه بالبنان.

نعم... إن الثقافة التي نرومُها أن تسود اليوم هي أن لا يُصبح المعاق في درجة أدنى من صحيح الجسم. ولا أن يكون محلّ تهكّم أو انتقاص من أحد، حتى ولو كان فاقداً للعقل والبصيرة، ويظهر بهيئة غير لائقة. والثقافة التي نريدها أن تعمّ هي أن لا يستولي أحد المتبضعين في الأسواق أو المجمّعات التجارية على دورة مياه مُجهَّزة خصيصاً لذوي الاحتياجات الخاصة، وكذلك الحال بالنسبة إلى مواقف السيارات وباقي التسهيلات الأخرى. ثم إن الثقافة الأهم من كلّ ذلك، هي إعطاؤهم المزيد من الفرص، سواء في التعليم أو العمل، لكي يُصبح لدينا من أمثال ما ذكرت من التاريخ نماذج متعددة

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3253 - الأربعاء 03 أغسطس 2011م الموافق 03 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:05 ص

      شكرا لصاحب المقال على الاهتمام بهذه الفئة المظلومة

      هذه الفئة حقا بحاجة الى اهتمام اكبر وأنا مع اقتراح زائر رقم واحد المطالب بالتشريع العرفي للمعاق بدل المدون على الورق فقط وان يحصل المعاق الكثير من الامتيازات التي تعوضه عن اعاقته

    • زائر 1 | 3:05 ص

      اقتراح

      يجب ان يصبح التشريع للمعاق عرفي وليس مدون لكي لا يتم تمييزه فعليا . فالعرق يحول السلوك إلى ثقافة ليس بها إلزام جزائي

اقرأ ايضاً