العدد 3257 - الأحد 07 أغسطس 2011م الموافق 07 رمضان 1432هـ

إجبار المرأة على كره إنجاب الأنثى

في التراث العربي عموماً؛ سواء في مملكة البحرين أو غيرها من بلدان العالم العربي، بالإضافة لما هو موثق في كتب الأدب العربي عن العرب في قديم الزمان يوجد تناقض في مشاعر المرأة تجاه البنت، فهي في مواقف كما رأينا سابقاً تتمنى أن تلد بنتاً فإذا ما ولدت بنتاً فإنها ستفرح في لحظتها وبعد برهة من الزمن ستتراكم عندها مشاعر أخرى، وهكذا نسمع النساء في أهازيجهن وهن ترقص بناتهن تقول (الناصري 1990، ص 80):

يگصيرة الدراعة

گومي أرگصي لي ساعة

البنت أحلى من الولد

بس لبشارة ساعة

فالأم تعلم أنه بعد أن تنجب الأنثى بوقت قصير يتوجب عليها مجابهة المجتمع الرجولي الذي غالباً لن تسمع منه التبريكات؛ بل ستسمع منه سيل من الشتائم وفرحة المتشمتين فيها، ومن أمثال النساء قديماً نسمع هذا المثل (الناصري 1990، ص 83):

«البنيه ماهي بشارة .. إلا فرحة المتشمت»

أي أن المتشمتين بهذه المرأة هم من سيفرحوا لأنهم سيبدؤون بـ «المعيار» أي التشمت والانتقاص من المرأة التي ولدت البنت. وهذه حقيقة فالنساء قديماً كانوا «يعيرون» بعضهن البعض بإنجاب البنت وقد خلف التراث لنا العديد من تلك الشتائم وكذلك الملاسنات والمحاورات والمناظرات التي تجري بصورة أمثلة وأهازيج بين أم الولد وأم البنت (أنظر الناصري 1990، ص 83 - 84)، ولننظر بعض النصوص هنا:

أم الولد:

يا مسعدة يم لولاد

يا خايبة يم البنات

أم البنت:

تكبر أولاد المسعدات

وتاخد بنات الخايبات

أم الولد:

تستاهلين يا أم الولد

غرفة ودار عالية

أم البنت:

لا تفرحين يا أم الولد

ناخذه ونخليش خالية

التبشير بالمولود الذكر

من أهم اللحظات التي ينتظرها الرجل الذي قارب أن يصبح أباً تلك اللحظة التي يبشر بها مولود جديد، وتزودنا النصوص الشعبية التي تتناقل عن طريق النساء أن السعادة تكون عارمة إذا كان المولود ذكراً:

بشرتني القابلة وقالت لي أغلام

ليت ديك القابلة أتزور الإمام

ومن تلك الأهازيج أيضاً

يوم قالوا لي اغلام

شد ظهر أمه وقام

وأفرشوا الزولية

على سلامة هالغلام

ومن النصوص المصرية الشبيهة بهذا

لـمَّا قـالو دا غلام

انشد ضهرى واستقام

وجابولى البيض بقشره

قلت عايم فى الدهان

أما في حال كان المولود أنثى فالحال يختلف:

بشرتني القابلة

وقالت لي أبنية

ليت ديك القابلة

تقرصها حية

ومن تلك الأهازيج أيضاً

يوم قالوا لي أبنية

أظلم البيت عليه

سندوني بالمسند

ضربتني البردية

ومن النصوص المصرية الشبيهة بهذا

لما قالو دي بـنيـة

إنهد ضهر البـيت علـىَّ

الحرمان المزدوج

أليس من الغريب أن «تعير» المرأة امرأة أخرى بأنها أنجبت بنتاً؟ أليس من واجب النساء أن يقفن بجانب بعضهن البعض؟، هذا مشهد يجب أن تدان عليه المرأة لأنها آزرت الرجال في كره البنات. ولكن ألا يمكننا أن نجد للمرأة عذر؟، ألا تمتلك المرأة حق الدفاع عن نفسها ؟ ربما عجز لسانها عن التعبير الصريح بما في قلبها وأجبرت على أن تساير المجتمع، فقد نمى المجتمع الرجولي في تلك الفترة وما سبقها من فترات (وربما استمر ليومنا هذا بصورة خفية) سلوك معين عند المرأة فهي من ناحية تحب أن تلد البنت للأسباب التي ذكرناها في فصل سابق لكنها أيضاً تريد أن تثبت مكانتها عند زوجها وأن تكون لها قيمة كبيرة عنده وأن تتحاشى أن تطلق أو أن يتزوج زوجها بزوجة أخرى، ولن يحدث هذا إلا إذا أنجبت ولداً لأن الرجل يفضله، ولم يكن تفضيل الرجال للأبناء الذكور طبيعياً بل كان نوعاً من «الهوس» فالرجال مهووسون بأن يكون لهم أولاد.

وماذا يحدث إن لم تنجب له زوجته الولد ؟ «معيار دائم .. شماته .. صراع .... والنهاية ..ربما طلاق» وقد ترتب على ذلك خوف المرأة من أن تلد البنت. إذاً كره المرأة لإنجاب الإناث ليس كرهاً حقيقياً وإنما خوف من النتائج التي ستترتب عليه. وقد تحول هذا الخوف إلى نوع من الكره الظاهري وليس الحقيقي. لذا ترى كثيراً من النساء يخفين فرحتهن الحقيقية بالبنت ولا يتمنين أن يكون أول مولود بنت.

إذاً فالحرمان المزدوج بالنسبة إلى المرأة هو حرمان المرأة من إبداء رأيها في تفضيل البنت وحرمانها من فرحتها عندما تلد البنت، إلا أنهن كانت لهن طرقهن في التعبير عن مشاعرهن وذلك في أمثالهن وأهازيجهن. ومع الزمن أصبحت أمنية المرأة الحقيقية هي أن تلد أولاً ولداً لترضي بذلك زوجها ويكفيها عناء الشماتة من باقي النساء ثم تلد بعد ذلك البنت لتحقق أمانيها، وهكذا نسمع المرأة تقول وهي ترقص بنتها وتدعي لها بقولها :

أطلب ربي و أسأله

«فلانه» تجيب أوليد

وعقب لوليد أبنيه

وامرأة أخرى تنظر للمرآة (المنظرة) وتمني نفسها قائلة (الناصري 1990، ص 143):

تتمنظر على المنظرة

و تقول أمبى وأمبى

أمبى الرجل بس ليه

و أمبى ولد وابنيه

«أمبي» بمعنى أريد. وهكذا نرى دائماً في أماني النساء أن تلد بنتاً لكنه يبدو أن المرأة لم تحرم فقط من الإفصاح بأمانيها؛ بل وحرمت من أن تفرح بالبنت وتفتخر بها كما تريد بل وأضف على ذلك أرغمت قسرياً بكره إنجاب البنات حتى غدت تساند الرجال في «التشمت» من النساء الأخريات اللاتي أنجبن البنات

العدد 3257 - الأحد 07 أغسطس 2011م الموافق 07 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 9:56 ص

      إلى زائر 2

      للأسف الشديد لا زالت هناك رجال تعيش بعقلية "زمن الجاهلية" وتكره أن ينجب لها أنثى ,,, تلك حقيقة لا يمكن لنا أن نتجاهلها.

    • زائر 2 | 4:16 ص

      انفض الغبار عنك

      هذا تتكلم عن البحرين أو عن زمن الجاهلية، ما أخبر في البحرين أن الرجال أو النساء يتضايقون من عطية الله
      السيدحسن

    • زائر 1 | 3:11 ص

      البنات البنات ألطف الكائنات

      عندي ولد وبنت وياليت الله يعطيني بعد درزن بنات

اقرأ ايضاً