إن كان هناك من نصيحةٍ خالصةٍ من القلب لغالبية رجال الدين الأفاضل الذين أعربوا عن رغبتهم في الترشيح للانتخابات المقبلة، فهي أن يسحبوا أسماءهم من الترشيح. مع التأكيد بعدم وجود أي دافعٍ شخصيٍّ أو حزبيٍّ وراء هذه النصيحة.
وإن كان هناك من نصيحةٍ خالصةٍ من القلب لغالبية النساء الفاضلات اللاتي أعربن عن رغبتهن في الترشيح للانتخابات المقبلة، فهي أن يسحبن أسماءهن من الترشيح، ومن تحصيل الحاصل تكرار التأكيد بعدم وجود أي دافعٍ شخصي أو مصلحةٍ خاصةٍ وراء هذه النصيحة. كل ما هنالك هو قراءةٌ ربما تكون موضوعيةً للواقع السياسي الحالي، الذي يجعل من ترشيح الطرفين خياراً سلبياته أكبر من إيجابياته، فإذا كانوا - العلماء والنساء - يريدون الإصلاح بالدخول، فإن دخولهم لن ينفع في هذا المجال، هذا إذا لم يضر.
بالنسبة إلى رجال الدين، والأسماء التي تم تسريبها حتى الآن، ومع احترامنا الشديد للجميع، نعتقد أنها من دون طموح الشارع، وما يمكن أن يعلّقه عليها من آمال. فالمسألة ليست «إيماناً» و«ورعاً» و«تقوى»، فالمؤهلات التي تؤهّل الإنسان للصلاة وإمامة الجماعة على أكمل وجه، لا تؤهّله بالضرورة إلى القيام بمهمات تمثيل الشعب والدفاع عن حقوقه ومحاربة الفساد وترسيخ مبدأ المساواة أمام القانونعلى الوجه الأفضل.
من الطبيعي أن توافر هذه المؤهلات في النائب تكون «نوراً على نور»، ولكن ما نشاهده ونعرفه من واقعٍ سياسي واجتماعي، لا يرجّح هذه النظرية المتفائلة، لما يعانيه من شحّةٍ في الموارد البشرية المؤهلة، بفعل عوامل التجهيل المتعمّد طوال عقود (وطرد معهد NDI يأتي في هذا السياق). فنحن أمام ساحةٍ سياسيةٍ تضجّ بالحركة والنشاط والعنفوان، وفي مثل هذه البيئة تقلّ فرص التأمل والتفكير والمراجعة، وبالتالي تقلّ جودة القيادات والكفاءات النوعية. وهناك الكثير من التجارب غير المشجّعة، إحداها تجربة «الوفاق» البلدية.
ثم إن المرحلة المقبلة لن تكون رحلةً ترفيهيةً، ما يعني ان اختيار المرشّحين سيكون من أصعب المهمات الملقاة على عاتق الجمعيات المشاركة، (وبالخصوص المقاطِعة سابقاً)، ومثل هذا الوضع يتطلب التدقيق ومراجعة الأوراق مرةً بعد أخرى للتأكد من توفّر المرشح على القدرة والكفاءة والأمانة و... للقيام بهذه المهمة الصعبة. وهي مؤهلاتٌ قليلاً ما تتوافر في زمن تتحكّم فيه المادة وتتصاعد فيه نوازع الطمع.
أما من ناحية المرشّحات، مع احترامنا الشديد للجميع، فإن المسألة تأخذ أبعاداً أكثر مأسوية، فهناك من يدفع بالنساء دفعاً للترشيح، ويعقد «ورش عمل»، ظناً منه ان الكوادر السياسية والكفاءات يمكن «تصنيعها» في ظرف أسبوعين حسب الطلب. وهي نظرةٌ تدل على مدى تخلّف مثل هذا الطرح الذي يركّز على توفير قطع الديكور قبل أن يفكّر في حاجات من سيقيم في المنزل. وهناك معلوماتٌ تشير إلى أن بعض الأسماء النسائية «المدفوعة» للترشح، ومع كل الاحترام، متقاعدة، وبعضها يرغب في الحصول على تقاعد مبكر، وبالتالي سيكون العمل في البرلمان فرصةً لا تنزل من السماء إلاّ كل أربع سنوات.
ثم ان العمل البرلماني من المفترض أن تملأه كوادر وكفاءات متمرّسة في السياسة، وهي في الجانب النسائي أكثر ندرة، نقولها بكل تواضعٍ وتفهّم لبلدنا، بحكم التجربة التاريخية وخصوصيتها، التي لم تتح للمرأة البروز على رغم تضحياتها الكبيرة، أماً وأختاً وزوجةً وابنةً للمناضلين من مختلف التيارات السياسية، فقد صبرت المرأة صبراً جميلاً في رحلة السعي الطويلة من أجل التغيير والإصلاح في هذا الوطن.
الكلام واضح، والنصيحة من القلب، مع ذلك سيظهر غداً من يتلاعب بالكلمات ويدغدغ العواطف بقوله: «انتبهوا... هؤلاء هم أعداء المرأة»! وهو الفرق بين من يحاول خلط الأوراق ومن يفكر بالمصلحة العامة وقراءة الواقع بحياد حتى وإن كثر عليه الساخطون والساخطا
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1364 - الأربعاء 31 مايو 2006م الموافق 03 جمادى الأولى 1427هـ