العدد 1370 - الثلثاء 06 يونيو 2006م الموافق 09 جمادى الأولى 1427هـ

صندوق العجائب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

«صندوق العجائب» الذي حمله إلى طهران الممثل الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا لم يفتح حتى الآن. وكل ما صدر بشأنه من تصريحات هو مجرد تسريبات صحافية أو تكهنات منقولة عن جهات شاركت في مفاوضات فيينا.

إلا أن الأهم في الموضوع تلك التعليقات التي ذكرها المسئول الإيراني علي لاريجاني بشأن المقترحات الدولية واصفاً إياها بالإيجابية، وتحفظ على نقاط أخرى بسبب غموضها. هذه التعليقات تشير إلى احتمال بدء المفاوضات بين الطرفين إيران والمجموعة الدولية، وهي مفاوضات يتوقع لها أن تأخذ مداها الزمني في حال أوقفت الولايات المتحدة استفزازاتها وتهديداتها.

الكلام عن إيجابيات وسلبيات خطوة صحيحة لإعادة الثقة المتبادلة بين الجانبين، لأن المشكلة بين إيران والولايات المتحدة ليست جديدة ولم تبدأ منذ شهور. فأميركا كما تراها إيران منذ أكثر من ربع قرن هي «الشيطان الأكبر». وإيران كما تصفها الإدارة الأميركية هي «راعية الإرهاب الدولي» ومن دول «محور الشر». لذلك لا يتوقع أن تنتهي تلك المشكلات المزمنة في زيارة واحدة ولا حتى في جولات من المفاوضات. إلا أن البداية جيدة حتى الآن، هذا إذا كانت التسريبات أو التصريحات صحيحة، وإذا صدقت نوايا الولايات المتحدة وهي عادة لا تكون صادقة ونواياها دائماً سيئة.

حتى الآن لم يفتح «صندوق العجائب» بالكامل، وكل ما ذُكر بشأنه لا يتعدى سوى وعود تحتاج إلى اتفاقات مصدق عليها دولياً وموثقة ومضمونة من مختلف الأطراف وتحديداً الثنائي الروسي - الصيني. فالكلام بشأن تفاهم لايزال مبكراً وهو يحتاج إلى تدقيق لتوضيح تلك النقاط الغامضة في العرض. كذلك التفاهم لا يعني عدم ورود الانتكاسة. فاحتمال تجدد الخلاف لايزال من الأمور الواردة على رأس جدول التفاوض.

المهم الآن أن قيادة إيران السياسية تحاول من جديد أن تمسك طرف الخيط بعد أن أفلت من يدها بسبب تلك التكتيكات التي لجأت إليها واشنطن لشد خيوط اللعبة إلى جانبها. فأميركا ناورت على «الترويكا» الأوروبية واستخدمتها مطيّة لمنع دولها من التفاهم على صيغة ترضي طهران. كذلك تلاعبت بالدور المستقل الذي كان يمكن أن تسلكه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعيداً عن دائرة مجلس الأمن. وأيضاً نجحت في جذب الثنائي الروسي - الصيني إلى منطقة الوسط وجعلته يوافق على ما أسمته بالحوافز. وكل هذه المناورات أسفرت عن إنتاج صيغة مبهمة بحسب وصف لاريجاني، ويُراد من طهران قبولها أو رفضها.

ردة الفعل الإيرانية بين «النعم» و«اللا» وإبداء الاستعداد للمناقشة والتفاوض وتوضيح النقاط الغامضة يعتبر خطوة إيجابية وحكيمة لأنها قطعت الطريق على خطة أميركا المبرمجة التي تعتمد سياسة المراهنة على سلوك الرفض الدائم. وعدم الرفض أحياناً يفسح المجال لكشف أوراق اللعبة وإظهار الخصم بأنه الطرف المتشنج الذي لا يريد التفاهم أصلاً.

أميركا فعلاً تراهن على رفض إيران لما تسميه المقترحات الدولية أو الإجراءات التشجيعية. وهذا الرهان على السلبية أعطى ذريعة سابقاً للولايات المتحدة بنقل الملف من الوكالة الدولية إلى مجلس الأمن. وكان رهان واشنطن يذهب إلى اتباع الخطوات نفسها في حال رفضت طهران كلياً تلك الحوافز. فالرفض الكلي يعني العودة إلى مجلس الأمن والضغط على دوله لإصدار قرار تحت الفصل السابع. وبغض النظر عن المواقف الافتراضية لموسكو وبكين تكون إدارة الأشرار في «البيت الأبيض» أظهرت نفسها أمام دافع الضرائب الأميركي بأنها أكرهت على اتخاذ خيارات أخرى... وبالتالي فهي لا تتحمل مسئولية النتائج وما ستسفر عنها من تداعيات.

حتى الآن لم يفتح «صندوق العجائب» وكل ما صدر بشأن المقترحات الدولية مجرد تسريبات وتكهنات. إلا أن الثابت في الموضوع تلك التصريحات التي ذكرها لاريجاني وهي كافية لإعطاء صورة مصغرة عن تكتيكات جديدة قررتها قيادة إيران السياسية تمهيداً لفك الحصار الدولي الذي كادت أميركا أن تنجح في ضربه حولها. فهل تستكمل طهران سياسة فك الطوق وترمي الكرة في الملعب الأميركي أم أن واشنطن تملك كرات بديلة ستستخدمها حتى لا تنكشف اللعبة أمام الجمهور؟ المباراة لم تنتهِ، وهناك مجال للوقت الضائع قبل معرفة النتيجة: التفاهم أم التدويل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1370 - الثلثاء 06 يونيو 2006م الموافق 09 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً