العدد 1380 - الجمعة 16 يونيو 2006م الموافق 19 جمادى الأولى 1427هـ

حين نقول بالبحريني «وَعْ»

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

أحافظ على قراءة العمود اليومي للكاتب عقيل سوار مثل محافظتي على الاستيقاظ باكرا في الساعة الرابعة صبا 

فتناغما مع رغبة لحوحة في تلمس الطريقة والأسلوب الذي يسند به الكاتب مقولاته ومواقفه من القضايا الاجتماعية والسياسية التي يعتمد فيها على العبّ من معين موروثنا الشعبي وثقافتنا الشفاهية، إدراكا منه لما لها من حكمة تصل بالمقصد بسرعة البرق، فضلا عن مسّها للذاكرة الجمعية ومخالطة ما ترسب في قاعها وتحريك رواكدها لتقربها من أن تكون استعمالاً شعبياً يومياً، كما كانت، بعد أن صيّرها إيقاع الحياة في لهاثه إلى ساكن، وساء حال تناولها على سطح التداول اليومي، أقول بأن ذلك هو ما كان دافعا لي بأن أجعل موضوع هذا الأسبوع موسوما بما تقرأون أعلاه.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى وجدت في العنوان بعبارته المسترسلة في بحرينيتها، دلالة عميقة تختزل قول طويل يقتضي الإسهاب في الدفع بالتثريب الذي وددت، بتواضع، إيصاله لنفر تراه يهم مسرعا إلى الانقضاض على شخصية الكاتب الذي تختلف رؤاه وأفكاره عن غيره، ويتحلى بشيء من الشجاعة في الطرح، في زمن تكاد تكون في «سوق» الكتابة شحيحة، يعبر عنها هذا السيل المتدفق من الكتابات النمطية التي يماثل بعضها الآخر وان اختلفت قليلا فذلك لجهة كم الإساءة التي تتجلى تحت عناوين، التكفير والابتعاد عن القيم والخيانة وما إليها، تعويلا عليها في وقف الرأي الآخر والحجر عليه. وأسوأ النقد هو ذلك الذي يتخذ من الصحيفة الشخصية وبياناتها مادته عوضا عن تناول أفكاره ورؤاه، ويمارس إيهاما بفوقية عبر استلالات نصوصية هي في الأساس محل الاختلاف.

ولأن النقد جزء أصيل من عملية الحوار يجمع المختلفين على قاعدة من احترام الرأي والرأي الآخر، فانه حريا به أن يرتقي بالكلام إلى مستوى المسئولية الأدبية، ووقف حال التدهور والتردي التي يمضي لها مسرعا على سكة محتكري الحقيقة ومدّعيها. فهل يترك النقد عبر الحوارات الديمقراطية المنفتحة على الآخر لينتهي إلى الخنق وبقاء أسئلته حائرة يمضغها فك الجهل.

في بيئتي القلالية (من قلالي) كما في عموم البحرين، فعندما يأتي المرء بعمل غير متوقع، ويختلف في حجم شائنيته فإن القول البليغ الذي اجترحته الذاكرة البحرينية هو (وع عليك). وهذا التثريب يوجه رسالة بليغة ومفهومة تكفي بأن يقوم المرء الموجهة له هذه الكلمات بمراجعة فعله أو قوله دونما خدش لكبريائه ولا هو تقليل من شخصه، وإنما هو، بمعنى من المعاني، كأنك تقول له بأن شخصا في مقامك لا يمكن أن يأتي بمثل هذا العمل. والذي يرصد متجهات الكتابة عند البعض يجد بأنها تتخذ منحى تصعيديا، يتعامى عن الفكرة العامة التي يطرحها كاتب ما، ليتوجهوا بالنقد الجارح لشخصه دونما مرور على فكرته التي قد يكون طرحها في مقام ما (تلفزيون، صحيفة، ندوة... الخ). وهذا النوع من الحوار نراه يصعد في المشهد أخيراً على يد الكتاب الجدد، الذين يسكنهم هاجس التكفير، وهم في تزايد مقلق في حين يربأ المخضرمون عن هكذا أسلوب، وهذه أمانة من مقتضيات الفعل الطيب البوح بها إنصافا لهم. ثمة غموض ما يكتنف نوايا الكتابة الهجومية على الأشخاص لا على الأفكار. فهل أن ذلك يعكس عجزا عن محاورة الأفكار ليكون إيذانا ببدء مرحلة من الكسل الفكري تقود بالضرورة إلى الضيق بجديدها وبالتالي الركون إلى بلادة السائد والخضوع لسيادة البليد؟ ومثال ذلك هو ما قرأته لأحد الكتاب الذي تتسم غالبية كتاباته التي قرأتها له بمناخها العدائي للمختلف، وفي جلها ناقمة على كل من يختلف معه في الرأي، ويقول إن الحقيقة في ثنايا مفرداته حصرا، حين تناول بالنقد طرحا لوجهة نظر من كاتب آخر يرى أن استخدام «صباح الخير» بدل «السلام عليكم»، وكيف انه تخلى عن أصول الكياسة واحترام الرأي الآخر وراح يجرّح في شخصية ذلك الكاتب. ألم تكن هنالك طريقة للحوار تحفظ الاحترام للآخر؟ ولا ينبغي أن نلتجئ سراعاً إلى النصوص المقدسة أو السنة النبوية لإثبات صحة الموقف، كي لا يساء إلى مضامينها، المترفعة عن التعاطيات السياسية العابرة، لأن القراءات لهذه النصوص تختلف، وإلا لما شاهدنا هذه الفرق وهذا التباين في وجهات النظر بشأن كثير من القضايا. وآمل ألا يعتبر الكاتب أن ما قصدته هو الدفاع عن استبدال تحية السلام عليكم بصباح الخير أو مسائه، وان وجدت انه ليس من الخطأ استخدام الاثنتين جريا على عادة تناقلناها أبا عن جد في الحياة الضاجة بطيبة أهلها، الذين ما إن تقول لهم صباح الخير، إلا ويقولوا صباح النور دونما عقد.

وما حز في نفسي هو أنه بعد أن سألت عن كاتب المقال الذي تصدى له الكاتب الناقم ووجه سيل انتقاداته غير الموضوعية، وعرفت أنها تلك الشخصية المرموقة ليس على صعيد دولته ولكن على المستوى الإقليمي والعربي ولا أبالغ إن قلت على مستوى ما من العالمية، أيقظ فيا قول قلاليُ بحرينيُ طال رقاده في الذاكرة، والقول هو (وَعَ بس وَعْ) على هكذا نقد يقصد من ورائه هكذا حوار

العدد 1380 - الجمعة 16 يونيو 2006م الموافق 19 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً