العدد 1381 - السبت 17 يونيو 2006م الموافق 20 جمادى الأولى 1427هـ

مياه الشرب... من احتياج أساسي إلى حق من حقوق الإنسان

وليد خليل زباري Waleed.Zubari [at] alwasatnews.com

وليد خليل زباري

منذ عقد السبعينات من القرن الماضي وموضوع «احتياجات الإنسان الأساسية» هو العنصر الطاغي على نقاشات الاجتماعات المتعلقة بالتنمية على مستوى العالم. ولذلك فإنه ليس بالغريب أن تكون المياه من ضمن أول القضايا التي تمت مناقشتها في الجهود الرامية إلى توفير الاحتياجات الأساسية للإنسان ولدعم الحد الأدنى والمقبول لمستوى المعيشة والرزق، ولقد انعكس ذلك على أول مؤتمر عالمي للمياه، مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المياه، الذي عقد في مار ديل بلاتا في العام ، إذ ركز المؤتمر بصورة شبه حصرية على قضية تزويد مياه الشرب واحتياجات الصرف الصحي للفقراء، ونتج عن ذلك تسمية العقد من إلى بالعقد العالمي لمياه الشرب والصرف الصحي.

ولقد أدى التركيز على هاتين القضيتين خلال تلك الفترة إلى تقدم كبير في تناولهما في الكثير من دول العالم، ومنها مملكة البحرين ودول مجلس التعاون الأخرى، إذ تم خلال هذا العقد التوسع في بناء محطات التحلية لتوفير النوعية والكمية المطلوبة لمياه الشرب وتوسيع شبكات تزويد المياه المنزلية للغالبية العظمى من السكان الحضر، كما تم بناء مرافق معالجة مياه الصرف الصحي وتغطية مساحات كبيرة من مناطق التجمعات السكانية في هذه الدول، ولقد ساهمت الوفورات المالية في مملكة البحرين ودول المجلس آنذاك في تحقيق هذه الإنجازات الكبيرة المكلفة مادياً، بينما لم تستطع الكثير من الدول النامية في تحقيق عدد كبير من هذه الأهداف وخصوصاً في مجال الصرف الصحي. ففي حين تم تغطية مناطق كبيرة نسبياً في دول العالم بالنسبة لمياه الشرب وتحقيق نجاحات عدة في هذا المجال، كان التقدم في تغطية خدمات الصرف الصحي متأخراً بشكل كبير، الأمر الذي أثر بشكل كبير على ما تم تحقيقه في مجال مياه الشرب، وخصوصاً أنه في الكثير من الدول تمثل فضلات الإنسان المصدر الرئيس لتلويث المياه الجوفية المستخدمة للاستهلاك المنزلي.

وفي بداية التسعينات من القرن الماضي، تطور مبدأ المياه كاحتياج أساسي للإنسان ليصبح أكثر تحديداً، إذ ظهر مبدأ التنمية المستدامة في العام (تقرير برتلاند بشأن التنمية المستدامة)، وانعكس ذلك على المياه كأحد الموارد الطبيعية التي يجب استخدامها بشكل عقلاني لخدمة احتياجات الجيل الحالي من دون التضحية بـ «احتياجات وحقوق» الأجيال القادمة، وبعد انعقاد قمة الأرض/مؤتمر التنمية والبيئة في ريو دي جانيرو في العام ، ظهر منهج «الإدارة المتكاملة للموارد المائية» على مسرح التنمية المستدامة وأصبح أحد روافدها الرئيسة، وبدأ النظر إلى قضايا المياه المتعددة الأبعاد - المياه للسكان، والمياه للغذاء، والمياه للبيئة - في إطار متكامل ونموذج جديد، وتم نزع قضيتي مياه الشرب والصرف الصحي من إطارهم القطاعي الضيق، ووضعهما في الأجندة العريضة للتنمية الإنسانية. وأضحى مبدأ مستوى المعيشة المستدامة مكملاً لمبدأ احتياجات الإنسان الأساسية، وتمت ترجمته إلى قضايا مثل الإدارة الحكيمة لموارد المياه والنظافة الشخصية والأمن المائي على مستوى المنزل. وأصبح مفهوماً ضمنياً أن حماية صحة الإنسان هو الهدف النهائي من توفير مياه الشرب الآمنة وخدمات الصرف الصحي.

وبناء عليه، تبنت لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي تراقب وتتابع ميثاق حقوق الإنسان، في مايو/ أيار الملاحظة العامة بشأن «حق الإنسان في الصحة»، وأضافتها للميثاق، التي من جملة ما ذكر فيها أن «المياه أساسية للحياة الكريمة للإنسان، وهي متطلب رئيس لتحقيق كل حقوق الإنسان الأخرى». وفي نوفمبر/ تشرين الثاني تبنت اللجنة نفسها الملاحظة العامة بشأن «حق الإنسان في الحصول على المياه»، وتم إضافتها لميثاق حقوق الإنسان. وتعتبر هذه المرة الأولى التي يتم فيها تحديد هذا الحق صراحة، وأصبح إلزاماً على الـ دولة التي صادقت على ميثاق حقوق الإنسان أن تضمن أن يحصل كل فرد من أفرادها على مياه الشرب الآمنة وبشكل عادل ومنصف ومن دون تمييز.

وتنص الملاحظة العامة على «يعطى حق الإنسان في الحصول على المياه كل فرد الكمية الكافية والآمنة والمقبولة للاستخدام الشخصي والمنزلي، بشكل منصف ويمكنه الحصول عليها وتحمل تكاليفها»، ويتطلب ذلك من الدول المصدقة على الميثاق أن تتبنى استراتيجيات وخطط عمل وطنية تمكنهم من «التحرك بسرعة وبفعالية وبكفاءة نحو التحقيق الكامل للحق في الحصول على المياه»، كما يجب أن تبنى هذه الاستراتيجيات على قوانين ومبادئ حقوق الإنسان، وأن تغطي جميع جوانب الحق في الحصول على المياه والالتزامات المشابهة على الدول، وتحديد الأهداف الواضحة والمدى الزمني لتحقيقها، وصوغ السياسات الملائمة والمؤشرات المتعلقة بها لمراقبة التقدم.

عموماً فإن التزامات الحكومات نحو حق الإنسان في الحصول على مياه الشرب يقع تحت ثلاثة مبادئ ملزمة، وهي، بلغة أهل القانون، الاحترام والحماية والوفاء. فالالتزام باحترام هذا الحق يتطلب من الدول الامتناع عن الاشتراك في أي عمل يتعارض مع التمتع بهذا الحق، مثل حرمان أي فرد من الحصول على حقه من الكمية الملائمة والكافية من المياه، أو تلويث المياه، أو وضع تعرفة باهظة أو تعجيزية على المياه. والالتزام بحماية هذا الحق يترتب عليه منع أي طرف ثالث من التدخل في حق التمتع في الحصول على المياه. والتزام الوفاء يتطلب من الأطراف المعنية، أي الدول، تبني الإجراءات الضرورية الموجهة نحو التحقيق أو التنفيذ الكامل لحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب.

ولهذه التفسيرات القانونية الكثير من الانعكاسات في إدارة الموارد المائية في مختلف الدول، فمثلاً مبدأ الاحترام ينعكس بشكل مباشر على عملية توفير خدمة مياه الشرب للسكان وعند وضع تعرفة على استخدام المياه المنزلية؛ ومبدأ الحماية ينعكس على حماية المصادر المائية من الاستنزاف والتلوث، وكذلك ينعكس على دور الدولة في ضمان حصول المواطن على خدمة الحصول على مياه الشرب وبأسعار معقولة في حال خصخصتها؛ أما مبدأ الوفاء فيدفع الحكومات أولاً إلى ضرورة وضع سياسات واستراتيجيات لإدارة الموارد المائية، وثانياً إعطاء موضوع مياه الشرب الأولوية القصوى وتوفيرها للسكان في هذه السياسات والاستراتيجيات، وثالثاً تضمينها مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية.

وتأتي أهمية «حق الإنسان في الحصول على المياه»، في كونه يوفر أداة لمؤسسات المجتمع المدني لتحميل الحكومات مسئولية حصول المواطنين على مياه الشرب الآمنة بشكل منصف وعادل وبمراقبة التزاماتها الثلاث المذكورة أعلاه، كما أنها توفر إطاراً عاماً لمساعدة الحكومات في وضع سياسات واستراتيجيات فعالة تؤدي إلى منافع حقيقية للمجتمع في مجال الصحة، والجانب الآخر المهم في القيمة التي توافرها الملاحظة العامة هو في تركيز الاهتمام والأنشطة على الأشخاص الذين من الممكن أن يتأثروا أو يتضرروا بشكل كبير في مجال مياه الشرب وخصوصاً فئات الدخل المحدود والفقراء.

إقرأ أيضا لـ "وليد خليل زباري"

العدد 1381 - السبت 17 يونيو 2006م الموافق 20 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً