العدد 1383 - الإثنين 19 يونيو 2006م الموافق 22 جمادى الأولى 1427هـ

تمكين النساء من مواقع صنع القرار... أحرام على الكوادر الأهلية؟

فريدة غلام إسماعيل comments [at] alwasatnews.com

كلما يصدر تعيين حكومي لامرأة في موقع رفيع تبدأ حملة الصحافيين الملحة في الاتصال بالناشطات النسائيات وبالجمعيات النسائية الأهلية لاستطلاع الرأي. ولا تهدأ الحملة حتى يطرح الصحافي من هؤلاء كل ما في جعبته من أسئلة ويحصل على مادة ما يكتبها على عجالة وبمهنية منقوصة في اليوم نفسه وأحياناً في تلك اللحظة.

البعض من هؤلاء الصحافيين والمبتدئين خصوصاً لا يسجل حتى، بل يعتمد على ذاكرته أو ما يريد أن يبقيه في ذاكرته، وتأتي التصريحات في اليوم التالي مدبلجة! نعم، مدبلجة، بمعنى أن ما يعجب الجانب الرسمي والجهاز الحكومي الذي قام بالتعيين، مكتوب وبعناية واستفاضة، ولكن ما قد لا يعجبهما يتم بتره. زميلات من بيننا اتخذن موقفاً من عدم الرد على اتصالات الصحافيين عندما يتم استفتاؤهن بشأن التعيينات النسائية، ليس غيرة أو عداوة لا سمح الله كما يحلو للكثير وصم النساء، ولكن يأساً من «السيستم».

في ردودنا على الصحافيين نبدأ أولاً بالمباركة الموجزة، فلا تحامل شخصي ولا تقليل من القدرات أو من الكفاءة الفنية، فهي بتقديرنا متوافرة في عدد من التعيينات الحكومية النسائية. كما أنه لا يحق لنا التشكيك في كفاءة أحد من دون معرفة بقدراته، وحين لا نعرف أحداً نسارع إلى السؤال عنه حتى لا نقول كلاماً عبثياً. بعد التهنئة الموجزة نبدأ في طرح بعض الملاحظات وما نراه كلمة حق من جانبنا، إلا ان الصحافيين برقابة ذاتية أو بيئية، يرونها كلمة زائدة منغصة لهذه السعادة التي تغمر عموم نساء البحرين كنوع اجتماعي من دون استثناء، من وجهة نظرهم طبعاً!

نقول: مع ترحيبنا بتعيين النساء البحرينيات المؤهلات في مواقع صنع القرار إلا أننا نلحظ أنها مرتكزة في البيت الرسمي أو فيمن يطمئن البيت الرسمي إلى أدائه ومواقفه وموالاته، إما عبر الانتماء العائلي أو الموقفي. الكفاءة غالباً ليست هي المعيار الفصل، بل شبكة العلاقات وتوصيات فلان وفلان أو فلانة في مواقع صنع القرار الرسمي.

نقول للصحافيين أيضاً: اكتبوا أن تعيين المرأة هو تطبيق للكوتة الحكومية ولا خلاف على ذلك وفق الاتفاقات الدولية التي وقعتها المملكة، ولكن معيار الكفاءة هنا ليس هو الحاكم، على رغم عدم نفينا إياه، بل معيار التوافق مع الموقف الرسمي. والصحيح أنه إذا أردنا إصلاح الاعوجاج وبتجرد عن خطوط القوى المتحكمة، علينا بتنصيب الرجل المستقل المناسب أو المرأة المستقلة المناسبة في المكان المناسب والمستقل عن التسيير الحكومي حتى نزرع الثقة بين الأهلي والرسمي. ويبدو أن الحكومة الموقرة آخذة في تطبيق تدابير اتفاق «سيداو»، ولكن في الجانب الرسمي حصرياً. وغداً ستكتب التقارير التي ستقرأ في المحافل الدولية أن البحرين عينت كذا وكذا ولدينا أول كذا وأول كذا... ولكنها لن تجد الكثير لتكتبه في تنفيذ ما يخدم الجانب الأهلي من تمكين نساء رائدات وجديرات بإدارة ملفات مهمة، تتوافق عليها فطرياً غالبية أوسع من الرجال والنساء في البلد ومن دون تحيز.

نعم، لدينا محاميات مناضلات وجريئات عرفن بمواقفهن الجلية في خدمة قضايا المرأة والمجتمع، وبحت حناجرهن من تقديم الرؤى التطويرية لإجراءات المحاكم وشئون القضاء، ولكن لا حياة لمن تنادي. ولن يجد التقرير الرسمي الشيء الكثير ليكتبه عن تنفيذ قرارات بيجين واتفاق «سيداو» بشأن تعديل قانون الانتخاب وغيرها من تدابير، لضمان فرص أهلية إن صح التعبير، حقيقية لتمثيل المرأة والرجل سياسياً، فلا جهد رسمي هنا بل هناك مواقف مضادة. وهذا ما يدعونا إلى السؤال: لماذا كل هذا التمكين الرسمي ولا شيء ذا قيمة للجانب الأهلي؟

ولعلكم تقولون: وماذا تتوقعون من الحكومة؟ وبصراحة هل ستكون الحكومة ذكية بتعيين سين وصاد اللواتي سيعترضن أو سيقدمن رؤى متناقضة ورؤى الحكومة تتوافق ورأي الناس والمجتمع المدني وقت المواجهات؟ طبعاً لا، فهذا طبيعي، الفريق الحكومي لابد أن يكون منسجما. وأزيد أن تلك المرشحات غير المتوافقات مع الرؤى الرسمية لن يقبلن ترشيحاً على حساب تغيير في موقف مبدئي أو تبني رؤى مغايرة ومتباعدة عن واقع يرونه مجسماً أمامهن. هذا ما نقوله للصحافيين ولكنهم لا ينشرون.

نقول إن كانت المواقف التي يتبناها المسئول، رجلاً كان أم امرأة، لا تتوافق مع المبادئ والأخلاق العالية وتطلعات وآمال الناس فلا فائدة ترجى من تلك التعيينات. وليس مهما جنس المسئول، ذكراً كان أم أنثى، طالما كان موقفه غير شعبي. التمكين الرسمي اليوم بات موضة وواقعاً، فهناك إحلال رسمي منظم ماض على قدم وساق مكان الأهلي، وطالعوا المحطات الفضائية لتتحققوا بأنفسكم. ستجدون صغيرات في السن أو الخبرة يتحدثن عن موضوعات لأول مرة بأداء ضعيف في غالبية الأحيان، ولكن الأسماء والألقاب رنانة وتلك معايير مهمة للرضا. وفي أماكن أخرى سترون خبيرات ضليعات في فن الكلام والترويج الإعلاني الفاقع للإنجازات والتوصيات الرسمية فقط، يطمسن بشدة دوراً أهلياً اعتبروه في عداد الأموات، وبطريقة تدعو الواحد منا إلى الاستنكار الفاقع أيضاً، فعاش التمكين الرسمي، أما التمكين الأهلي فلم نعشه بعد

إقرأ أيضا لـ "فريدة غلام إسماعيل"

العدد 1383 - الإثنين 19 يونيو 2006م الموافق 22 جمادى الأولى 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً