لا يزال الاعتقاد سائداً في يومنا هذا لدى الكثيرين من الجماهير العريضة المتابعة لمنافسات كأس العالم المقام حاليا في ألمانيا بأن «التشفير» يجب أن يكون ممنوعا في هذه الحال التي ينجذب فيها الفكر والعقل والهوى معا نحو الشاشة الفضية لمشاهدة أقوى المباريات العالمية.

لم تظهر الاحتجاجات التي شهدتها الأيام الأولى من انطلاقة المونديال في الدول العربية وخصوصا دول القارة الإفريقية، لتقف في وجه أية قناة عن منعها من مشاهدة الدوريات الأوروبية القوية سواء الدوري الانجليزي أو الفرنسي وحتى الايطالي والاسباني، ولنزد على ذلك في أقوى بطولات الأندية وهي دوري أبطال أوروبا التي لم تعن كل الناس، وإنما شاهدها من كان يمتلك البطاقة المخولة لذلك من الشركة المعنية.

ولعل اللقاء الناري الذي قام به أحد مسئولي القناة المشفرة لكأس العلام الحالية والتي تتباهى في الوقت ذاته بسعادتها بالحصول على حقوق النقل للمونديالين القادمين، زاد «الطين بله» على القناة العربية التي لم تتمكن من تحجيم المشكلة الأولى وهو غضب الشعوب العربية، ليأتي اللقاء المذكور سلفا ليزيد من حرقة هذه القلوب من حدة الكلام الذي قاله هذا المسئول في سطور طويلة.

باعتقادي ستشعل هذه السطور وعملية التشفير الحرب القائمة بين المشتركين الذين ربما يتناقصون يوما بعد يوم، في عملية لمقاطعة القناة، إن لم يبدأ مسئولو القناة عملية الترميم من جديد التي ربما ستكون مضنية في ظل الواقع الحالي، وهنا لا بد أن نعرف بأن المهم «كسب عقول المشاهدين وليس جيوبهم».

كيف لنا أن نفسر العكس فيما تقوم به القناة التي تكرر أنها تسعى إلى لم شمل العرب تحت قبة «قناة العرب«، وهي التي وضعت اشتراكات خاصة لمشاهدة مباريات كأس العالم، فكيف نريد من صاحب الراتب البسيط الذي لا يتجاوز «» ديناراً من صرف «» دنانير لمشاهدة مباريات في ظرف شهر واحد فقط وليس في سنة كاملة كما يحدث لاشتراكات «قناة الجزيرة» لمشاهدة مباريات الدوريين الايطالي والاسباني والتي وضع لها مبلغ رمزي قدره « دنانير» فقط.

هنا يفهم الجميع أن المستهدف هو الجيب وليس العقل، فكيف نفهم أن مشاهدة المباريات العالمية كما يقول المسئول ليست للفقراء، وكيف نفهم أنها رفاهية زائدة عن اللزوم وهو ما يعني عدم أهميتها لهؤلاء الفقراء، الذين ربما يكونون الأكثر رغبة في مشاهدة هذا المونديال الذي يجمع العالم كله وتتوقف له الحياة طوال شهر بأكمله.

ولنفترض جدلا أن إحدى القنوات الأوروبية قامت بفرض عملية التشفير على قنوات الدول الباقية في القارة الصغيرة، لقامت القيامة ليس من الشعب الأوروبي فقط وإنما من الحكومات ذاتها التي تعرف قيمة أن يكون المواطن صاحب الحق في المشاهدة، فهي تهدف إلى كسب عقول المشاهدين.

في النهاية نتمنى أن توفق القناة من جديد من رأي الصدع العربي الكبير الذي وصل إلى مرحلة كبيرة جعلت فيها الكثير يلجأ إلى ما يشبه عملية القرصنة، بعدما فقدت الكثير من ثقة المشاهد العربي