العدد 3260 - الأربعاء 10 أغسطس 2011م الموافق 10 رمضان 1432هـ

إمّا أنا أو الخراب

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما يعيش الأميركي أربعين سنة من عُمره فإنه يُدرك عشرة رؤساء لبلاده، باستثناء من يُعاد ترشيحه منهم. في دولنا العربية الوضع مختلف تماماً. مَنْ يعِشْ ذات العمر، فإنه يُدرك زعيماً سياسياً واحداً فقط، أو لا يُدرك أحداً من تلك الزعامات بالمرَّة حتى. كيف؟ العقيد مُعمَّر القذافي، جاء إلى الحكم في غرّة سبتمبر/ أيلول من العام 1969م. بمعنى أن مَنْ وُلِدَ من الليبيين في العام 1970 هو الآن يسير في السنة الحادية والأربعين من العُمر دون أن يُدرك رئيساً غير القذافي الذي كان موجوداً أصلاً في الحكم، قبل أن تنعقد نطفة ذلك المولود الأربعيني الآن. هذا هو الإشكال السياسي الذي ابتلت به الشعوب العربية والعقل السياسي العربي.

كيف يُمكن أن نفهم ذلك الأمر بمزيد من الوضوح؟ باعتقادي، فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير من التفكير، ولا إعمال العقل فيه. فالسلطة في الغرب تعني باختصار، الوظيفة في أسمى مراتبها المادية والمعنوية. أما في عالمنا العربي فإن الأمر يختلف كلياً. فالسلطة لدى القيادات العربية تعني الثروة. أي أنني أصبِحُ على رأس السلطة، لِكَي أنال مزيداً من المال، لي ولأسرتي وللدائرة القريبة مني. وبالتالي ترى الزعماء العرب يتشبثون بالحكم حتى آخر رمق من حياتهم.

ريتشارد نيكسون يضطر للاستقالة من منصبه؛ لأنه فقط تجسَّس على غرمائه في الحزب الديمقراطي في مبنى ووترغيت. مُعمَّر القذافي، يخوض حرباً مع شعبه ويُدمِّر نصف جغرافية بلده، فيموت الآلاف دون أن يتنحَّى. رئيس الوزراء البرتغالي جوزيه شوكراتش يستقيل من منصبه بسبب رفض البرلمان لسياسات الحكومة التقشفيَّة. وبشار الأسد يُحاصر المدن السورية، ويقوم بعمليات عسكرية ضد شعبه فيموت الآلاف دون أن يبتعد عن الحكم.

رئيس الوزراء الإيطالي، رومانو برودي، يستقيل من رئاسة مجلس الوزراء، بالرغم من أنه لم يمضِ على وجوده في السلطة سوى عشرة أشهر، بعد خسارة حكومته في التصويت بمجلس الشيوخ الذي كان يُناقش السياسة الخارجية للحكومة، وسط هتاف 100 شخص من معارضيه خارج البرلمان بضرورة استقالته. الرئيس اليمني علي عبدالله صالح موجود في السلطة منذ يوليو/ تموز من العام 1978م (33 عاماً)، ويتظاهر ضده مليون يمني، ثم يُصاب بحروق بليغة بنسبة 70 في المئة في جميع أنحاء جسمه نتيجة تفجير إرهابي بمسجد قصره، إلاَّ أنه يُصر على البقاء في الحكم.

أزيَد من ذلك. فالكثير من الزعامات العربية (القمعية منها)، ولأنها في السلطة منذ عقود، وتشكَّلت أمام أعينها وعلى يديها شبكة من العلاقات السياسية والمصالح التجارية والاقتصادية البعيدة عن مراقبة أجهزة الرصد الديمقراطية القادمة من صندوق الانتخاب، وأحزاب الظل، فإنها تلجأ إلى استخدام تلك الشبكة التي وفَّرتها لها السلطة في تعزيز مكانتها في الحكم، وحرق البلد والمنطقة والخصوم والأصدقاء معاً إن تبيَّن أن الحكم الذي هو يرأسه ذاهبٌ إلى زوال، أو أن شيئاً ما يُهدده.

أضرب مثالَيْن هنا. الزعيم الليبي مُعمَّر القذافي، ناكَف الغرب منذ السبعينيات. لكنه لم يكن خصماً ضعيفاً ومريحاً له. فقام بتقديم الدعم اللوجستي للجيش الجمهوري الآيرلندي الذي كان يقاتل بريطانيا، وقام بالتحالف مع كارتلات المخدرات في نيكاراغوا وعموم أميركا اللاتينية لتهريبها إلى داخل الولايات المتحدة الأميركية، واستهداف جنود المارينز، حتى وصل الأمر، لأن يكون ستة من أصل سبعة جنود أميركيين قد تعاطوا المخدرات والحشيش.

في الخارج القريب، تآمر مع أبي نضال ضد ياسر عرفات، وعادى سورية وتشاد والسعودية، واختطف الطائرات وفجَّرها في السماء. في داخل ليبيا اعتقل المعارضين ونفاهم باختيارهم، ثم قتل 1170 منهم في سجن بوسليم، فغابت الأحزاب والنقابات والمؤسسات الدستورية والتشريعية، فاختنقت البلد بالدكتاتورية. واليوم، لا يودّ القذافي الخروج من السلطة حتى ولو احترقت ليبيا من الشرق إلى الغرب، لتصبح المعادلة التي يطرحها هي: إمّا أنا أو الخراب.

مَثل آخر من سورية. فالرئيس بشار الأسد، ورغم أنه لم يُعمِّر في السلطة سوى 11 عاماً إلاَّ أن الدولة السورية مُصاغة بالشكل الذي يجعلها تسير نحو التأبيد. تأبيد ما هو حاصل فيها من قمع وغياب للديمقراطية وفساد حتى شحمة الأذن، وحتى الرئيس بشار الأسد نفسه مُرشّح لأن يحكم بلاده عقوداً بلا كلل أو ملل. وإذا كان القذافي قد استبق الحرب في إيذاء الغرب قبل أن يصلوا إليه، فإن نظام البعث في سورية سيكون له ذات الفعل الليبي إذا ما وَجَدَ نفسه مُهدّداً، أو أن الضغوط عليه تزداد للخروج من السلطة.

بالتأكيد، سيقوم النظام في سورية بإشعال مناطق غرب العراق المليء أصلاً بسخط سياسي ومخزون آيديولوجي معادٍ للغرب، لإقلاق التجربة الأميركية في ذلك البلد بالضبط مثلما فعل بعد العام 2005م عندما زادت الضغوط عليه وإخراجه من لبنان، وتشريع قانون محاسبة سورية في الكونغرس، وتوريط قيادات سورية في محكمة الحريري. كذلك، سيقوم بتهديد شمال إسرائيل، وربما فتح جبهة الجولان المعطلة لإقناع العالَم بأنه النظام الأقدر على فتح أو حماية الحدود مع الدولة العبرية، وبالتالي إيجاد أزمة عالمية مُخرزها وجوده أو عدم وجوده في السلطة، لكي يتمّ التسليم بضرورة وجوده كأحد الضامين للمعادلات القائمة.

هذه هي المشكلة بالنسبة إلى هذه الأنظمة. ولو أن زعاماتها بقوا في السلطة، وكفُّوا أيديهم عن السرقة، وأشاعوا الديمقراطية، ولجموا آلة الفساد، وحفظوا لسانهم عن الشتيمة، وأقاموا التنمية لما تحدَّث أحد لهم مثلما سكت الماليزيون عن مهاتير محمد عندما حَكَمَهُم 22 عاماً كرئيس للوزراء

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3260 - الأربعاء 10 أغسطس 2011م الموافق 10 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • عنب احمر | 6:55 ص

      الكرسي عقبم

      حكام العرب من اغرب الناس

    • زائر 10 | 4:09 ص

      قبضة حديدية وفولاذية .. ما سبب قوة هؤلاء الزعماء المجانين الذين عاثوا في الأرض فسادا وقتلاً ...... ام محمود

      ما سبب بقاء القذافي في منصبه الى الآن لم يهتز عرشه بالرغم من الحملة العسكرية العنيفة التي اتضح ان هدفها قتل المدنيين والتنكيل بهم وليس اسقاط الزعيم .. مذابح الناتو أفظع من مجازر القذافي في شعبه وهذا يجعل من الأزمة أكثر من كارثية لأنها بدون حل .. الثوار يحرزون تقدما ويستولون على مدن وفي اليوم الثاني تقرأ ان قوات القذافي استرجعتها .. ان مقتل يونس تسبب بانقسام في المعارضة مثل ما يقولون في الأخبار وهنا يظهر خبث القذافي ودهاءه واجرامه وهو مفجر الطائرات في السماء على قولتك
      محد يقدر عليه

    • زائر 9 | 4:08 ص

      ؟؟؟؟؟؟

      سيقوم النظام في سورية بإشعال مناطق غرب العراق المليء أصلاً بسخط سياسي ومخزون آيديولوجي معادٍ للغرب، لإقلاق التجربة الأميركية في ذلك البلد

    • زائر 8 | 4:00 ص

      القذافي أمس استجن يقول ان كاميرون فقد شرعيته ويجب أن يتنحى ......... ام محمود

      عن رئاسة الوزراء بعد الأزمة العاصفة ... كاميرون يمكن يسويها ويترجل لأن عقلياتهم هناك متفتحة أما الرؤوساء العرب (البعض) ممن انكشف قناعهم المزيف وظهر السيء من أعمالهم فمستحيل ان يتنحون أو يعتذرون أو يتأسفون لسبب واحد انهم يعتقدون انهم مثل الالهة يجب تقديسها وعبادتها وباقي البشر مجرد عبيد وخدم و رعايا يجب أن يمتثلوا للطاعة والاوامر والا ستحترق الأرض من أسفل أقدامهم ومن أعلى رؤوسهم وسيطاردون ويقتلون ويشردون
      تماما مثل ما فعل طغاة عصر الجاهلية و مثل فرعون مصر الذي على واستكبر وقال أنا ربكم الأعلى

    • زائر 7 | 3:51 ص

      ابتلاء الناس بحكام ظلمة وطواغيت جبابرة انتزعت الرحمة من قلوبهم ..... ام محمود

      عن الإمام علي (ع) عن النبي (ص) عن جبرئيل (ع) عن اللـه عزّ وجلّ قال
      " وعزتي وجلالي لأُعذبنَّ كل رعية في الإسلام دانت بولاية إمام جائر ليس من اللـه عزَّ وجلَّ ، وإن كانت الرعية في أعمالها برَّة تقية ، وَلأَعفونَّ عن كل رعية دانت بولاية إمام عادل من اللـه تعالى وإن كانت الرعية في أعمالها طالحة مسيئة "
      هذا الحديث القدسي واضح للمطبلين والمصفقين خلف رؤوسائهم مثل مؤيدين القذافي وصالح وبشار وهم يعلمون ان هناك مجازر عظيمة وقتل بشع جدا ومع ذلك يوالونهم بدون وعي وارادة هؤلاء أعمالهم في مهب ريح

    • زائر 6 | 2:39 ص

      لقد لعب بمقدرات ليبيا أيما لعب ولا زال

      هذا الرجل لعب بآلاف المليارات من خيرات بلده الذي يتضور جوعا. حشر نفسه في كثير من الأزمات والقلاقل مبذرا مقدرات هذا الشعب المسكين

    • زائر 5 | 2:38 ص

      شكرا ايها الكاتب

      المقال رائع
      فهل من مجيب
      ياريت الحكام يقرؤنه

    • زائر 4 | 1:24 ص

      القذافي لا نظير له

      معمر القذافي لا يمكن قياسه باي زعيم لا في الاوليين ولا في الاخرين

    • زائر 3 | 12:47 ص

      حرام

      ما يحدث في ليبيا واليمن وسوريا حرام والله حرام
      الله يعينهم على مصابهم

اقرأ ايضاً