لم يكن مفاجئاً للمراقبين ولا غير المراقبين، إعلان «جمعية الوفاق الوطني الإسلامية» مقاطعة الانتخابات التكميلية، فقد كانت كل الطرق تؤدي إلى روما.

الإعلان غير المفاجئ جاء بعد أيامٍ من إعلان جمعيتي «وعد» المقاطعة، وإعلان «التجمع الوطني» قراراً مماثلاً، وزاد عليه التهديد بفصل أي عضو سيخرج على القرار. ويأتي ذلك مع توقع إعلان جمعيتي «المنبر التقدمي» و «التجمع القومي»، موقفهما خلال أيامٍ من الانتخابات التكميلية التي يقترب موعد إجرائها في سبتمبر/ أيلول المقبل في الدوائر الـ18 التي كان يمثلها نواب الوفاق، الكتلة النيابية الأكبر، التي تمثل 64 في المئة من مجمل الكتلة الانتخابية.

إعلان «الوفاق» جاء في مهرجانها الشعبي الثامن الذي نظّمته عصر الجمعة، بحضورٍ كبيرٍ، رجالاً ونساءً، بعدما كان البعض يخشى من انخفاض حضور النساء هذه المرة لانشغالهن بمطبخ الإفطار (الفعالية السابقة نظمت مساءً في كرزكان). ويبدو أن المرأة البحرينية تصرّ على إيصال صوتها لتشارك بقوة في هذا الحراك السياسي العريض.

الحضور النسائي ظاهرة مألوفة في عموم حركات الربيع العربي، فيوم أمس حين سأل أحد مذيعي الـ «بي بي سي» سيدةً بحرينيةً عن رمضان هذا العام، قالت إنه مختلفٌ سلباً عمّا سبقه من أعوام، وإن الأسرة البحرينية لم تعد تهتم بمتابعة المسلسلات والبرامج الرمضانية أو التسوق، بل بات تركيزها على الأخبار والفعاليات السياسية. أما السيدة اليمنية فقالت إن المرأة باتت أكثر عزماً على التغيير السياسي، حتى قطع الكهرباء المتعمد عن الأحياء السكنية (في اليمن) جعلها أكثر عزماً وانخراطاً في الفعاليات والأنشطة المطالبة برحيل الرئيس.

فعاليات «الوفاق» توزعت بين مناطق المحافظة الشمالية وجزيرة سترة شرقاً، وكرزكان غرباً، فيما جاءت فعاليتها الأخيرة في منطقة السهلة الشمالية، الواقعة في منطقة تتوسط مجموعةً من القرى النشطة (قرى الساحل الشمالي وجدحفص والسنابس والديه والبلاد القديم وعذاري وجبلة حبشي)، وتنفتح من الجهة الأخرى على مدينتي حمد وعيسى وما جاورها من قرى توبلي والكورة وجدعلي وسند وما وراءها. هذه التجمعات السياسية المنظمة التي تحصل في ظلّ الالتزام التام بالقانون، يحاول البعض استعداء الدولة عليها وتحريضها على قمعها.

المؤكد أن آلاف الحاضرين ليسوا من هواة الجلوس بالعراء في الجو الحار والرطوبة الشديدة، ولاشك أن لديهم مطالب سياسيةً يؤمنون تماماً بأنها مشروعة ولا غبار عليها... وليس لديهم أجنداتٌ أو أهدافٌ سريةٌ يخفونها، أو علاقاتٌ بالدول الأخرى كما يروّج المرجفون. وهم مازالوا يعلنون تمسّكهم بمطالبهم السياسية التي لا يتحرّجون منها، من برلمان منتخب كامل الصلاحيات، وحكومة قابلة للمحاسبة على أية أخطاء، وقضاء مستقل، وحرية تعبير واحترام حقوق الإنسان. وهي المطالب التي طرحتها الجمعيات السياسية المعارضة منذ بداية الأزمة، وتمثّل جوهر الحراك السياسي حالياً في البحرين، وهي في جوهرها تتسق مع مبادرة سمو ولي العهد التي أعلنها في 13 مارس / آذار 2011.

المهرجان الأخير الذي نُظّم تحت شعار «لا تراجع»، وحضره النائبان المفرج عنهما جواد فيروز ومطر مطر، أعلن فيه خليل المرزوق (النائب الأول لرئيس مجلس النواب المستقيل) قرار مقاطعة الانتخابات. وطالب بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين وإرجاع جميع المفصولين تعسفاً إلى أعمالهم، كما طالب الجمهور بضرورة توثيق الانتهاكات التي تعرض لها لدى الجمعيات السياسية والمنظمات الحقوقية الأهلية، بالإضافة إلى «لجنة بسيوني لتقصي الحقائق» الرسمية. ويبدو أن الكثير من السياسيين والحقوقيين يعوّلون على عملية التوثيق هذه من أجل إحداث خرقٍ في العملية السياسية التي تعاني من جمود منذ أسابيع.

المرزوق الذي كان يظهر عادةً هادئاً ومبتسماً، كان خطابه الأخير عالي النبرة يطالب بالمواطنة المتساوية أمام القانون، إذ يقول: «المواطنون متساوون في الحقوق».

«وعد» أعلنت المقاطعة لعدم الأخذ بمرئيات المعارضة، و «المنبر التقدمي» اشترط توفير أجواء مناسبة للانتخابات، و «التجمع الوطني» هدّد بفصل أي عضو يشارك. أما «الوفاق» أخيراً، فطالبت الجمهور برفض الفتنة والخطابات الطائفية، والتركيز على مطالبه المشروعة التي هي من أجل خير جميع المواطنين من خلال شراكة حقيقية، بلا تمييز ولا استئثار