العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ

هل الصحافة سلطة رابعة؟

لولوة صالح العوضي comments [at] alwasatnews.com

تقوم وسائل الإعلام المختلفة بدور كبير ومؤثر وفعال في تحقيق وتقوية التضامن الاجتماعي المحلي والدولي بفضل التقدم الكبير في وسائل الإعلام (الفضائيات، الإرسال الإلكتروني، الصحف الدولية المطبوعة عبر الفاكس... إلخ). وكلنا يذكر كيف كانت الفضائيات تنقل حرب الخليج الأولى والثانية وانتفاضة الأقصى وأخبار الزلازل المدمرة وموجة «تسونامي» وانتهاكات حقوق الإنسان. وقد خلق ذلك روحاً من التضامن بين أفراد الشعب، كما خلق تضامناً بين مختلف شعوب العالم، فخرجت المظاهرات تندد بالحرب في العراق أو تشجب انتهاكات حقوق الإنسان في العراق وفلسطين وغيرها من الدول أو تستنكر التجارب النووية أو تصنيع الأسلحة الذرية. وكل هذا لم يكن ليحدث في السابق لولا الدور المسموع والمقروء الذي تلعبه وسائل الإعلام المختلفة وفي مقدمتها الصحافة.

وقد ثار خلاف في الفقه بشأن دور الإعلام في تحقيق التضامن الاجتماعي بين أفراد الشعب أو بين مختلف الشعوب، فذهب رأي إلى أن للإعلام وظيفة اجتماعية فهو يعبر عن إرادة الشعب وعن علاقات الأفراد. وذهب رأي آخر إلى أن للإعلام فضلاً في تقريب الحوادث والأخبار بين الشعوب والدول فهو يخلق نوعاً من التضامن الاجتماعي بين أفراد الشعب من جهة وبين شعوب العالم من جهة أخرى.

ولكل هذا نجد معظم الدساتير الحديثة تنص على كفالة حرية الإعلام والصحافة، ومن هذه الدساتير الدستور البحريني المعدل لسنة 2002، فنصت المادة (24) منه «مع مراعاة حكم المادة السابعة تكون حرية الصحافة والطباعة والنشر، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون».

ونصت المادة (23) على «إن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرها، وذلك وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون مع عدم المساس بأسس العقيدة الإسلامية ووحدة الشعب بما لا يثير الفتنة الطائفية».

ولاشك إن الصحافة هي أهم وسائل الإعلام، ولهذا نص المشرع الدستوري في مصر على أن «الصحافة سلطة شعبية مستقلة تمارس رسالتها على الوجه المبين بالدستور والقانون». فالدستور المصري لسنة 1971 جعل من الصحافة سلطة رابعة تمارس رسالتها إلى جانب السلطات الثلاث المعروفة. ولكن هل الصحافة سلطة رابعة حقاً؟ نبادر إلى القول إن وظائف الدولة تقوم بها سلطات ثلاث نصت عليها الدساتير وحددت لكل منها اختصاصاتها وهي السلطة التشريعية (البرلمان) - والسلطة التنفيذية (الحكومة) - والسلطة القضائية (المحاكم)، وتقوم كل سلطة من هذه السلطات بممارسة وظيفتها مستقلة عن السلطة الأخرى، فالسلطة التشريعية تقوم بالتشريع والسلطة التنفيذية تقوم بالإدارة وأمور التنفيذ والسلطة القضائية تقوم بالفصل في الخصومات بين الأفراد أو بين الأفراد والحكومة أو بين إدارات الحكومة المختلفة، وان كان هذا لا يمنع من وجود تعاون وثيق بين هذه السلطات الثلاث.

ولهذا لا نجد بين فقهاء القانون الدستوري من قال إن الصحافة سلطة رابعة تضاف إلى سلطات الدولة الثلاث، ويضيف هؤلاء الفقهاء أن أعمال السلطات الثلاث لها قوة الإلزام على خلاف أعمال الصحافة فليس لإرادتها بالنسبة للشعب أي إلزام. ويضرب الفقه لذلك مثلاً وهو فوز حزب العمال البريطاني بالانتخابات التشريعية العام 1945 على رغم امتلاك حزب المحافظين ثلاثة أرباع الصحف البريطانية وقيادة هذا الحزب انجلترا للنصر في الحرب العالمية الثانية. وفي فرنسا انتصر اليسار في العامين 1924 و1936 على رغم أن معظم الصحف كانت يمينية معادية لليسار آنذاك.

ولهذا يذهب الفقه الدستوري إلى أن النص الوارد في الدستور المصري على أن الصحافة سلطة شعبية ليس له إلا معنى مجازي تقديراً للدور الذي تلعبه الصحافة في التعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام في تكوينه وتوجيهه في إطار المقومات الأساسية للمجتمع والحفاظ على الحريات والحقوق والواجبات العامة.

أما أن الصحافة سلطة مستقلة فلأنها يجب أن تقوم بوظيفتها في استقلال، وفي حرية من دون رقابة أو تأثير خارجي أو داخلي، كما أن الصحافيين لا سلطان عليهم في عملهم لغير الدستور والقانون وميثاق المهنة وأعرافها، وهو ما حرصت القوانين المقارنة والمحلية على إبرازه والنص عليه ومن بينها حظر الرقابة على الصحف.

والصحافة سلطة فعلية بحسبانها سلطة تؤثر في الحياة السياسية وفي اتجاهات الرأي العام في غالبية الأحيان، أما كيف تؤثر؟ فذلك يكون عن طريق إقناع الشعب بما تنشره من آراء وأبحاث ومقالات وغيرها من طرق نشر الفكر والاعتقاد الحر المكون للرأي العام في المجتمع، والشعب هو مصدر السلطات وهو الذي يختار أعضاء السلطة التشريعية، بل وقد تؤثر الصحافة في القضاء على رغم تأثيم قانون العقوبات لكل ما من شأنه التأثير على القضاة أثناء نظر قضية بعينها. وكلنا يذكر كيف قامت إحدى الصحف البحرينية بعمل استفتاء في قضية كانت تنظرها المحاكم في ذلك الوقت وكان محور الاستفتاء هل تؤيد الحكم بإعدام المتهم؟!

وتؤثر الصحافة أيضاً على السلطة التنفيذية وخصوصاً في مجال حقوق الإنسان وحرياته. فالدعوة التي تبثها الصحافة - مباشرة أو ضمناً - إلى أن يحافظ كل إنسان على حقوقه وحرياته العامة يتمخض عنها محافظة جماعية على هذه الحقوق والحريات تضغط بالتالي على السلطة التنفيذية للحفاظ على هذه الحقوق وتلك الحريات.

محامية بحرينية

إقرأ أيضا لـ "لولوة صالح العوضي"

العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً