العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ

في ضوء إعلان «الوفاق»... أين جدوى المقاطعة؟

عباس هاشم Abbas.Hashim [at] alwasatnews.com

قبل أربع سنوات، وقبل قرار مقاطعة الانتخابات النيابية الماضية الذي اتخذته «الوفاق» مع ثلاث جمعيات معارضة أخرى، تمت دعوة أحد المفكرين الإسلاميين من الأردن من جبهة العمل الإسلامي كما أتذكر للمشاركة في أحد الأنشطة الثقافية بجمعية التوعية، ومن منطلق تجربة خاضها إسلاميو الأردن ممثلين في جبهة العمل الإسلامي، وهي مقاطعتهم الانتخابات النيابية قبل الحالية، نصح المقاطعين مخلصا بالمشاركة في الانتخابات، لأن مقاطعتهم هناك لم توقف القطار، بل ظلت عرباته تمر بهم واحدة بعد الأخرى، وربما صرخوا عليه بأعلى أصواتهم بعدم شرعية كل ما سيصدر عن المجلس النيابي، وفجأة مرّت آخر العربات واختفت فتوّقف الصراخ الذي لم يستطع إيقاف القطار.

لقد ظلّ الإسلاميون الأردنيون مهمّشين بسبب هذا القرار الخاطئ، أربع سنوات ينظرون بحسرة لما يجري تحت قبّة البرلمان وهم بعيدون، بعكس الدورة التي سبقتها حيث كانت لهم اليد الطولى، وقد ركنت الحكومة للراحة والدعة طوال فترة المقاطعة، إذ انتفت «المشاغبات» التي يثيرها التيار الإسلامي بما يتسم به من جرأة وشجاعة في الطرح وقوة معارضته.

ولا نذيع سرّاً عندما نزعم أن في الحكومة من لا يسرّهم مشاركة المقاطعين، فكل الحكومات على هذه الشاكلة، إذ لا ترغب في مشاركة المعارضة لها في السلطة بأي شكل من الأشكال، فكثير من الحوادث تدلل على عدم رغبة بعض الأطراف الحكومية في مشاركة المقاطعين، ويبدو أن قرار «الوفاق» الأخير بإعلان المشاركة يهدف لرمي الكرة في ملعب السلطة فتتخلى عن وضع العراقيل أمام المشاركة المقبلة، إذ كثر الغبار المثار في هذا الطريق، كالحديث عن استصدار قانون يحرم من المشاركة في الانتخابات من حكم عليه سابقا لمدة 6 أشهر فما فوق، ما يعني حرمان تيار «الوفاق» من عشرات الآلاف ممن اعتقلوا أثناء انتفاضة التسعينات. ويبدو أن هناك محاولات لن تتوقف وجهوداً ستتواصل من أجل تحقيق ما يدفع المعارضة، وخصوصا «الوفاق» للإحجام عن المشاركة. كذلك فإن تعنت الحكومة من خلال تطبيق قانون التجمعات بانتقائية، يوفّر ظروفاً تعكّر على المعارضة مشاركتها، فالأحكام القاسية المتعلقة بحوادث المطار وبعدها الديه، ولاحقاً معتقلي مجمع الدانة، وإذا أضفنا لهذا كله أعمال حرق الإطارات والقمامة غير المبررة، وما أثير حول مقترح لتعديل الدوائر الانتخابية، كل ذلك قد يساهم في تقديم حجّة لتأجيل الانتخابات لمدة سنتين وفق المادة 85 من دستور 2002، أو تعمّد إذلال دعاة المشاركة.

ونعود لما يطرحه الاخوة من دعاة المقاطعة من قبيل أن المشاركة اعتراف بالدستور الجديد وإسباغ شرعية عليه، والمشاركة تعطي صدقية للحكم، والمشاركة إقرار وشرعنة كل ما يصدر من مجلس لا يملك قرار التشريع... هذه وغيرها من حجج لا علاقة لها - بحسب رأيي - بالعمل السياسي الحرفي، ولم نجد لها مثيلا في التجارب الأخرى، ولم نعرف سياسيا محترفا اتخذ قرارا كقرار المقاطعة على أساسها، وحقيقة الأمر لا يزيد هذا الموقف عن ردّة فعل غاضبة، وعادة ما تكون ردّات الفعل مضرّة بصاحبها الذي يتجّه لمعاقبة نفسه بدلا من معاقبة السلطة التي يختلف معها.

حزب الله يصرّح أنه يسعى لتعديل النظام السياسي اللبناني لأنه قائم على أساس طائفي، ومع استحالة التغيير بالآليات الحالية، يشارك فيه ولو من أجل إيصال قناعاته لمختلف الأطراف، فيدخل في برلمانٍ يناقش بيع الخمور ويشرعنها، وهو بعدد نوّابه القلائل لا حول لهم ولا قوة حيال ذلك كله، وحديثاً شارك ولأول مرة في الحكومة. المهم أن لا يبقى بعيدا عن المشهد السياسي ولو بالحد الأدنى، ولا يباعد نفسه عن خوض التجربة وإكساب كوادره الخبرات التي تراكمت عبر السنين فأنتجت أقوى حزب على مستوى التنظيم، والأقوى في التأثير على القرار الشعبي والرسمي.

المسألة برمّتها، أنه لا يوجد تيار فكري مقتنع بكل ما جاء في دستور 37 فضلاً عن دستور 2002، وهذا ينطبق على الإسلاميين وعلى العلمانيين سواء بسواء، إذ كيف يعترف العلماني باعتماد الشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع، وكذلك لا يُرضي الإسلامي إلا جعل الشريعة المصدر الوحيد للتشريع، وهل يصح من اليساري أن يعترف من منطلق قناعاته الفكرية بأحكام الإرث التي تجعل للذكر مثل حظ الأنثيين، والتي حفظها الدستور وفق أحكام الشريعة من خلال المادة الخامسة بند (د)، إلا أن هؤلاء الفرقاء يدركون أن الحل لا يكمن في الابتعاد، بل الاقتراب يشكل جزءا من الحل، لذلك شارك العلمانيون والإسلاميون في العملية السياسية التي جاء بها دستور 37 مع عدم قناعة الكثير منهم به.

كلمة اعتراف لا شأن لها بالعمل السياسي في حالتنا، فمن قاطع على هذا الأساس، خصوصاً من الإسلاميين، هو نفسه يذهب للمحاكم ويحتكم للقانون المدني مع أنه كإسلامي لا يعترف ولا يحمل قناعة قلبية بشرعية الكثير من مواده لمخالفتها الشرع.

أما الداعون للمشاركة فلديهم أكثر من حجّة قويّة في دعواهم، فالحكومات وبالذات حكومات العالم الثالث أكثر ما يزعجها المساءلة واستجواب الوزراء، خصوصا إذا كان الكثير من هؤلاء يعملون في التجارة والاستثمار، وقد يوظّف بعضهم وظيفته الرسمية لتسهيل تجارته، فحتى لو كانت السلطة التشريعية مشوّهة وتعاني نقصا حادا في الصلاحيات التشريعية، غير أن المراقبة والمساءلة تشكل إزعاجا مؤذيا لبعض المتنفذين، ولا توجد حكومة استثناء من هذه القاعدة.

وهناك سؤال آخر: ما هو النشاط المهم الذي مارسه المقاطعون من المعارضة طيلة السنوات الأربع، وإن هذا النشاط سيتوقف إذا ما شاركوا في البرلمان؟ لا يوجد أي نشاط مؤثر يمكن أن يتوقف بسبب الدخول والمشاركة، فلماذا لا تضيف المعارضة نشاطا آخر من داخل البرلمان وتحت قبّته بجانب النشاط خارجه.

والملاحظ أنه وبينما ظل دعاة المشاركة على قناعاتهم، فإن الكثير من دعاة المقاطعة تراجعوا عن مواقفهم، وهذا يُعد إضافة تدلل على صحة موقف المشاركة، ودليل أيضاً على سعة صدر المختلفين في الساحة وانتفاء روح العصبية بينهم، ذلك أن السياسي الحقيقي هو الذي يغيّر مواقفه وفقا للظروف مادامت لا تخل بمبادئه وقيمه

إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"

العدد 1337 - الخميس 04 مايو 2006م الموافق 05 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً