العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ

من يصنع الرأي العام؟

عثمان الماجد comments [at] alwasatnews.com

-

يخذلني فهمي المتواضع الاستدلال على فهم مقنع لهذا الخلط في المفاهيم واستخداماتها، ومن تلك المفاهيم مفهوم الرأي العام. ولعلني في ذلك أنطلق من مبنى المفهوم وثوابت تشكله التي منها العادات والتقاليد الاجتماعية والتراث الديني وثقافة المجتمع العامة، والمتغيرات والمتحولات التي تؤثر في اتجاهاته والذي منه الحدث الطارئ المحمول بواسطة الإعلام، إذاعة وتلفزيون وصحافة، وكيف تنظر الأحزاب السياسية والحكومات، على مختلف تشكيلاتها في بلدان العالم الثالث، إلى الرأي العام؟ وهل يحق لنا القول إن لدينا رأياً عاماً؟ ولكن قبل أن نجيب على هذين السؤالين ونكشف عن أسباب خذلاننا في فهم الخلط في هذه المفاهيم واستخداماتها، دعونا نلج في فضاء المصطلح لنكشف عن مفهومه، لنقترب من إجابات مقنعة على تساؤلاتنا سالفة الذكر. الرأي العام هو ظاهرة إنسانية قديمة جدا، تمتد بامتداد الزمن الإنساني. لكن الإنسان بدأ يتلمس طريقه في الإمساك بمدلولاته، بشكل أكثر حكمة، مع أواخر القرن الثامن عشر، مع انتشار ظاهرة النمو السكاني السريع والعيش في المدن الكبرى التي أخذت فيها العلاقات الرأسمالية تتغلغل في النسيج الاجتماعي نتيجة النمو الصناعي الهائل الذي أحدثته الثورة الصناعية. ولم يكن التعبير عنه بمسماه الذي نتناوله ولكنه اقترب منه مثل العقل العام كما سماه مونتسكيو، أو الإرادة العامة كما جاء عند جان جاك روسو، وتشكل الثورة الفرنسية ومن ثم الثورة الأميركية أبرز حدثين كانا قد عبرا عن دور وقوة الرأي العام، وكيف أنه يفعل المعجزات إذا ما وجد القوة الحقيقية المعبرة عنه، ومنذ ذلك الحين أصبح للرأي العام دور كبير في صناعة الحوادث وفي توجيهها، كما أصبح محل استجداء من الحكومات والأحزاب نحو شعوبها. وتقتضي الإشارة إلى أن الرأي العام يعمل في اتجاهين متفاعلين، فالدولة تؤثر في الصحافة التي بدورها تؤثر في الرأي العام، والرأي العام يؤثر في الصحافة والصحافة، بالتالي تؤثر في الدولة، أي أن الرأي العام قابل أن يكون متأثرا ومؤثرا.

في ضوء هذا العبور التاريخي المختزل والسريع للتطور الذي شهده مفهوم الرأي العام، وفعله المؤثر الذي غير وجه أوروبا وثقافتها في العموم، وما ترتب على ذلك من حريات وديمقراطية ودولة القانون، التي تعتبر ضمانات حقيقية للتغيير السلمي في المجتمعات، وذلك بما تنتجه من مرونة في الاستجابة للرأي العام. هل لنا أن نقترب بتلك المتغيرات الهائلة لما هو موجود لدينا نحن العرب؟ وهل يحق لنا الادعاء بوجود رأي عام فاعل؟ أعتقد أن شيئا من هذا لا يوجد، ولكن إجابتنا ليست حدية وليست بالمطلق، إذ تختلف دولنا العربية بعضها عن بعض من حيث مساحة الحرية وتتفاوت في قوة مؤسساتها الديمقراطية، وان اتفقت وتطابقت كلها في جمعها للثوابت المشكلة للرأي العام، ولكنها تختلف فيما تتملكه من حرية الإعلام الذي يشكله المتغير والمتحول وكيفية تناولاته. وعليه فإن الرأي العام لا يشكل قوة فاعلة، ولا يهم في أي اتجاه، إلا إذا تعلق الأمر فيما يمس تلك الثوابت. إن حقيقة الرأي العام، من حيث أهمية تكونه وتجذر مفهومه في سياق التطور لتحديدات حاجة الناس للعدل وحفظ حقوقها، وصدق فعله، لا يمكن أن تتشكل في شفافية وصدق إلا في القدر الذي يتيحه التطور الديمقراطي والحيز المتاح من الحرية. وكلام من هذا القبيل يقودنا إلى الجدل المجتمعي بشأن قانون الصحافة الذي سجلت فيه إحدى الكتل الإسلامية أسوأ مثال فيما يتعلق بحرية الرأي والتعبير. فهل أننا وفق المثال الذي تسعى إليه الكتلة الإسلامية قادرون على خلق رأي عام بمواصفات تصب في عملية التغيير الذي ينشده المشروع الإصلاحي، أم أنه يسير بنا القهقرى، لمرحلة ما قبل الإصلاح، وإذا كان الحال كذلك فهل لنا أن نتقدم إلى الأمام وفق هذا المنظور للحريات بشكل عام وحرية الرأي والتعبير بشكل خاص؟ فلنرى ما الذي ستكشف عنه الانتخابات القادمة، وكيف ستجد الصحافة دورها في فضح مثل هذا التوجه لخلق رأي عام مضاد، في القوة والاتجاه، لتقليص مساحة الممكن في إعادة انتخاب من يعوق عملية الإصلاح... لكنه لا يعترف، لأن أجندته، مع كتلة أخرى، متخمة بالثانوي وغارقة في تجذير ثوابتها التي لم يغيرها هذا الطوفان من التطور والتغيير الحاصل على كل صعيد.

الحديث عن الرأي العام متشعب ولا يمكن الإحاطة به في مقال، لكننا إذ وعدنا بالإجابة على سؤال كيف تنظر الحكومات إلى الرأي العام وكيف أنها قادرة على صوغه مستثمرة الثوابت التي ينبني عليها الرأي العام، نقول إن الحكومات، وأعني الحكومات العربية، تتعامل مع الرأي العام وفق نظرية صناعة الرأي العام الذي تضع ضمن أطره الخطط النفسية لتشتيت الرؤى وضرب الإجماع عن المواقف المتفق عليها، ثم أنها، أي الحكومات، هي المالكة الحقيقية لكل وسائل الإعلام، ونادرا ما نرى أو نسمع عن وسائل إعلام خاصة «حرة» إلا تلك المعنية بحرف الرأي العام عن قضاياه الأساسية، وهي من الكثرة بحيث تسد عين الشمس!. والشيء العجيب حقا فيما يتعلق بإعلامنا البحريني هو أن هناك قضايا اجتماعية تجد في الشارع إجماعا على أهمية تناول ملفاتها ضمن الأطر القانونية إلا أن من يملك القدرة على صناعة رأي عام حولها يتجاهلها وأقصد هنا الإعلام بشقيه الحكومي والأهلي، أو انه يجعلها ثانوية مثل ضحايا التعذيب، العاطلين عن العمل، فمثل هذه القضايا، وغيرها كثير، أصبحت يافطات وعناوين طائفية لضرب الوحدة الوطنية، وصفوة القول إن تشكيل الرأي العام في جله مرتبط بالآلة الإعلامية الوطنية، والدولية، ويبقى الحديث عن وجود رأي عام من عدمه مرهوناً بنوع الإعلام والبيئة السياسية التي يتحرك فيها

العدد 1345 - الجمعة 12 مايو 2006م الموافق 13 ربيع الثاني 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً