إن المرسوم الملكي الذي أصدره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بتعيين عبدالرحمن التويجري أمين عام المجلس الاقتصادي الأعلى، رئيساً بالنيابة لهيئة سوق المال السعودية، خلفاً للرئيس الحالي جماز السحيمي، يمكن اعتباره خطوة سديدة نحو تعزيز الثقة بقطاع الاستثمارات في المملكة العربية السعودية. وعلاوة على ذلك، فإن إعلان الأسبوع الماضي عن خصخصة سوق الأسهم ونقل موقعها إلى داخل مركز الملك عبدالله المالي في الرياض يعد خطوة إيجابية أخرى نحو ضمان فرص نمو اقتصادي قوي في المملكة في المستقبل.
كمواطن سعودي، أجد من واجبي أن أسجل بعض التوصيات في ضوء الآثار السلبية التي خلفها انهيار سوق المال السعودية على كثير من المستثمرين الذين فقدوا رؤوس أموالهم في غضون الأشهر الثلاثة الماضية.
لقد أظهر لنا الانهياران الكبيران اللذان أصابا سوق الأسهم السعودية في الرابع عشر من مارس/ آذار والحادي عشر من ابريل/ نيسان مدى هشاشة ما أطلق عليها سادس عشر أكبر سوق في العالم (من حيث رأس مال السوق). لكن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فقد خسر مؤشر تداولات الأسهم السعودية 21,21 في المئة أو 2704,56 نقطة في الأسبوع الماضي، وهو أكبر تراجع أسبوعي في تاريخ البورصة التي أغلقت يوم الخميس الماضي عند 10046,83 نقطة.
مع ذلك، فإن هذا لم يكن هو المشهد الذي كان سائداً قبل ثلاثة أشهر مضت، فقد شهدت الأسواق فورة نشاط كانت استمراراً للارتفاع المتواصل للعام السابع على التوالي، وهو صعود بدأ في العام 1999 عندما ثبت المؤشر عند 1327. كان هناك أكثر من 3 ملايين حساب للتداول عبر الإنترنت بحلول نهاية يناير/ كانون الثاني، ووصل مؤشر الأسهم السعودي مستوى عالياً بلغ 20634,86 في فبراير/ شباط 2006. وفي الأشهر الثلاثة الماضية كان هناك نحو 9 ملايين من السعوديين يمارسون نشاطهم في الأسواق.
وحقيقة الأمر أن المضاربين، وليس هيئة سوق المال، هم الذين تحكموا بتوجهات السوق. وكانت المضاربة التي حدثت في الرابع عشر من مارس/ آذار بمثابة ردة فعل عنيفة من قبل المضاربين عندما قررت الهيئة فرض تحركات أسعار يومية لا تزيد على 10 في المئة صعوداً أو هبوطاً. وكان سيناريو الحادي عشر من إبريل ردة فعل على توقيف الهيئة لمتعاملين بشبهة التلاعب في السوق. إن انعدام شفافية الشركات وجهل المستثمرين الصغار أو المستثمرين الجدد الذين يدخلون السوق للمرة الأولى بأصول الاستثمارات، والظاهرة المتمثلة في الإقراض المصرفي الذي لا تخضع حدوده للمراقبة، كانا من العوامل التي زادت من تفاقم الأزمة.
في هذه الفترة المتقلبة لم تنفع إجراءات استعادة الثقة، مثل إقامة لجنة وطنية للشركات المساهمة في مجلس الغرف التجارية والصناعية السعودية لحماية مصالح 77 شركة مسجلة في البورصة، والقرار بالسماح للأجانب بدخول بورصات المملكة. كما لم يساعد التدخل الحكومي لوقف نزيف الأسواق، سواء مباشرة في شكل أموال حكومية، أو بصورة غير مباشرة عن طريق المصارف، على إيقاف الهبوط الحاد في الأسعار.
وفي الوقت الذي يمكن فيه قياس الوضع المالي والاقتصادي بواسطة الإحصاءات، فإنه لا يمكن قياس المشكلات الاجتماعية الناجمة التي أصابت الجماهير بشكل ملموس. وحينما زادت الديون تراجعت ازاءها معنويات الأسر أو انقسمت آراؤها بشأن القضايا المالية. وسيستغرق سداد ديون الكثير من الناس فترة تتراوح بين 10 و12 عاماً. كما بيعت السيارات وأصبحت العقود الآجلة مجهولة المصير. كما يجب الإشارة أيضاً إلى أنه على رغم أن أسواق دبي وأبوظبي وقطر والكويت بدأت تشهد عمليات تصحيحية قبل المملكة العربية السعودية، فقد انعكس الوضع إلى سيناريو إذا اتجهت فيه السوق السعودية إلى الانخفاض، تبعتها في الانخفاض أسواق المنطقة الأخرى.
أميل إلى اعتقاد أنه يمكن اتخاذ إجراءات معينة للحيلولة دون تكرار مثل هذه الكارثة الاقتصادية والاجتماعية في المملكة العربية السعودية. ومن الضروري إجراء تغيير كامل في مستويات شفافية الشركات. كما يجب إيجاد إطار قانوني واضح يتصدى لأولئك الذين يخالفون أنظمة السوق، ويحول دون حدوث سيناريوهات مماثلة في المستقبل. وينبغي ألا يقتصر الأمر على فرض غرامات على المخالفين، بل يتعدى الأمر ذلك إلى ذكر أسمائهم وإشهارهم في الصحف. وعلى وسائل الإعلام، وخصوصاً قطاع البث الإذاعي والتلفزيوني، أن تلعب دوراً مسئولاً، إذ يجب أن يقتصر في دعوته لإجراء المقابلات واللقاءات التلفزيونية على الخبراء الماليين الذين يفهمون الأسواق المالية. كما يجب أن تكثر هيئة سوق المال السعودية من ظهورها على شاشة التلفزيون.
وعلى رغم أن الحكومة وكذلك المصارف تدخلت في الوقت المناسب، فإننا نلخص في ما يلي إجراءات ممكنة تشعر المستثمرين بالأمان إلى حين إقامة مركز الملك عبدالله المالي:
دور هيئة سوق المال السعودية
- يظهر أنه لا يكفي فرض غرامات على المداولات غير القانونية. ومن المفروض أن تتخذ هيئة سوق المال السعودية المزيد من الإجراءات الصارمة وتعمل على تحديد المذنبين أو الجناة وزجهم في السجون، »كما يشاهد في أماكن أخرى من العالم« لردع المخالفين مستقبلاً.
- يبقى بناء القدرات أشد الحاجات إلحاحاً إلى أن يتم افتتاح الأكاديمية المالية في مركز الملك عبدالله المالي، والتي ستزود الراغبين في دخول السوق بالتعليم والتدريب. وإلى أن يتم ذلك، ينبغي أن تقوم هيئة سوق المال السعودية باستقطاب موظفين يعرفون خفايا الأسواق المالية وتعقيدات التداول. ويمكن أن يعني ذلك استقدام خبراء أجانب كمستشارين لسوق المال السعودية للاستفادة من خبرتهم.
- على هيئة السوق أيضاً أن تقوم بتحسين برامجها للوفاء بمتطلبات السوق اليومية. وكثيراً ما تتوقف خدمة التداول أثناء ساعات الافتتاح، وهذا أمر يفتقر إلى الكفاءة في سوق بهذه المنـزلة.
- يجب إيجاد سوق ذات مستويين، أحدهما يعد قائمة بالأسهم (أ) أسهم سابك وغيرها«، بينما يكون لدى المستوى الآخر الأسهم (ب) »مثل أسهم بيشة في السوق«، إلى جانب الشركات التي أغلقت عروض الاكتتاب العام.
- ينبغي أن تعتمد سوق المال على صمامات أمان تحميها من الانهيارات المفاجئة. ويجب أن يتم إما تعديل حد تحركات الأسعار البالغ 10 في المئة أو تحسينها. على سبيل المثال، يجب أن يكون للأسهم منخفضة القيمة سقف أصغر من الأسهم عالية القيمة.
- توجد حاجة ماسة إلى تطوير المشتقات وأسواق التغطية.
- يجب أن تسمح سوق المال السعودية بالبيع قصير الأجل في هذه السوق؛ لأنه يساهم في انتعاش الأسعار.
- يجب العمل على اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها أن تؤمن استمرارية تدفق السيولة على سوق المال.
دور المصارف
- لا بد أيضاً من مراقبة المصارف، وفرض غرامات عليها إذا لم تقم بتحسين أنظمة التداول فيها. وكثيراً ما يشكو الناس من أنهم لا يستطيعون تنفيذ أمر في الوقت المحدد. ويرجع ذلك إلى وجود قليل من الاستثمار في أنظمة البرامج المستخدمة التي يمكنها تنفيذ عدد كبير من الأوامر.
- ليس من مصلحة القطاع المصرفي أن يسيء استخدام ثقة المستثمرين بشكل يعرضهم لخسائر فادحة وانعدام الثقة. بل يجب تنظيم المصارف جميعاً من حيث حدود الإقراض، وينبغي مراقبته وتوجيهه حيادياً من قبل مؤسسة النقد السعودي. وكان حرياً بالمصرف المركزي أن يخفض التزويد بالمال قبل نوفمبر/ تشرين الثاني 2005، عندما اتخذ قراراً بالسيطرة على إمكان الحصول على الأموال.
- ينبغي أن تلتزم المصارف بالشفافية فيما يتعلق بالحسابات التجارية، وأن تعلن عما إذا كان لأعضاء مجلس الإدارة أو الإدارات أي مصالح في أسواق المال.
دور الحكومة
- على رغم أنه كان من المستحسن أن تتدخل الحكومة في الأزمة الأخيرة، فإنه ليس إجراءً مناسباً على المدى البعيد. وبإمكان الحكومة دراسة إبطاء الإجراءات الداعمة للأسواق المالية، سواء بشكل مباشر عن طريق المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية وصندوق الاستثمار السعودي، وبصورة غير مباشرة عن طريق شراء الأسهم من خلال المصارف. ويجب أن تتوقف المصارف عن تلقي التعليمات بشراء أسهم معينة لدعم السوق.
- ينبغي ألا تتدخل الحكومة ببيانات إحلال الثقة في الوقت الذي تهوي فيه السوق للحضيض. فبعد الانهيار الأول في مارس أصدرت الحكومة كثيراً من مثل هذه البيانات، ما دفع الناس للاعتقاد بأنه تم بالفعل تفادي حدوث انهيار. وفي الواقع، فإن كثيراً من الناس دخلوا السوق عندما كانت عند مستوى 15000 - 00061 نقطة، ليكتشفوا بعد ثلاثة أسابيع فقط أن السوق في طريقها إلى الانهيار التالي.
شفافية الشركات
- إذا كانت الحكومة تدعو إلى مزيد من الشفافية، فيجب أن يلتزم الجميع بتلك الدعوة. فعلى لمصارف مثلاً أن تعلن نتائج أبحاثها، ويجب أن تكون سوق المال السعودية أيضاً ملتزمة بالشفافية، فموقعها على الشبكة غير كاف ويحتوي على بيانات قديمة.
- يجب تأنيب الشركات إذا كانت موازناتها تزخر بالمكاسب غير المحققة من التداول بسوق الأسهم. ويجب أن يتم حذف هذه الشركات من السوق.
- يجب أن تقدم الشركات معلومات مفصلة على أساس تاريخ أنشطة أعضاء مجلس الإدارة فيها، مع تقديم تفاصيل حساباتهم المتعلقة بالتداول في سوق الأسهم، كما هو الحال بالنسبة إلى الشركات العالمية.
تشير التقديرات إلى أن المملكة العربية السعودية ستحتاج إلى نحو 3 تريليونات ريال سعودي في استثمارات المشروعات على مدى السنوات العشرين الآتية في مختلِف القطاعات الاقتصادية. لكن عدداً كبيراً من المؤسسات المالية يتطلع إلى السوق قصيرة الأجل وتحقيق أرباح عاجلة. كما قدمت بعض هذه المؤسسات قروضاً لتمويل شراء الأسهم وقامت بوساطات في أحجام أكبر فأكبر من التداول، وامتنعت عن أخذ مشروعات استثمارية طويلة الأمد تنطوي على مجازفات أكبر، وهذا أمر بحاجة إلى أن يتغير. فالمصارف مسئولة عن تحويل أرباحها إلى استثمارات منتجة في البلاد.
إن شباب البلاد بحاجة أيضاً إلى وجهة أكبر من مجرد أسواق المال والتعلق بمخاطر قصيرة الأجل باهظة الكلفة. ويجب أن يكون نصب عيونهم هنا الدروس المستفادة من جنون المضاربة في العقارات في الثمانينات في المملكة. كما يجب التركيز أكثر على التدريب التعليمي والمهني للشباب لتدريبهم على المشاركة والمنافسة على الصعيد العالمي إثر قيام منظمة التجارة العالمية.
صحيح أن المملكة العربية السعودية تأخذ التعليم على محمل الجد. ففي الموازنة الحكومية للعام 2006، تم تخصيص الأموال لبناء 2673 مدرسة جديدة وثلاث كليات تقنية جديدة و15 مركز تدريب مهني. غير أن ذلك ليس كافياً، ذلك أنه حينما يتخرج الشباب ويريدون أن يندمجوا في المجتمع، فسيكون متعيناً استحداث ما يقدر بنحو 160 ألف فرصة عمل إضافية في كل عام لتلبية الطلب المتزايد. ونتيجة لذلك، فقد سعت الحكومة السعودية بالفعل لحظر توظيف الوافدين في أكثر من فئة من فئات الأعمال المستقلة. وقد ورد في تقرير صدر حديثاً للبنك السعودي الأمريكي أن نحو 70 في المئة من السكان هم دون سن الثلاثين. والأهم أن نحو 41 في المئة من السكان هم دون سن الخامسة عشرة. وقد بلغ معدل النمو المحلي في المملكة 2,49 في المئة في الفترة من العام 1992 إلى العام 2004. ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة للعام 2004 حول التوقعات السكانية العالمية، سيبلغ عدد سكان المملكة 37,2 مليون نسمة في العام 2025 ، و49,5 مليون في العام 2050.
إن أخذ هذا السيناريو في الاعتبار يجعلنا أكثر حرصاً على تحقيق المزيد من التكامل بين القطاعين العام والخاص من أجل إيجاد بيئة جاذبة للمستثمرين من الأفراد والمؤسسات، الأمر الذي سيضمن احتفاظ الأسواق السعودية بموقعها العالمي المتميز، ولكن على أسس أكثر ثباتاً واستقراراً.
عبدالعزيز بن عثمان بن صقر
رئيس مركز الخليج للأبحاث
العدد 1347 - الأحد 14 مايو 2006م الموافق 15 ربيع الثاني 1427هـ