العدد 3290 - الجمعة 09 سبتمبر 2011م الموافق 10 شوال 1432هـ

بصمتي البيئية

راغدة حداد comments [at] alwasatnews.com

.

نعم، لقد ساهمت في تغيير العالم، لكنني لست فخورة بذلك. وصلت إلى هنا بالطائرة، ركبت سيارة أجرة إلى المطار ومنه، أضأت جميع المصابيح في غرفتي بالفندق، استهلكت ماءً ساخناً أثناء الاستحمام، تناولت أصنافاً متنوعة من الطعام المطبوخ أثناء الفطور. وفعلت أشياء أخرى كثيرة، تستهلك الطاقة من الوقود الأحفوري وتنتج انبعاثات كربونية تسبب الاحتباس الحراري وتغير المناخ. إن بصمتي الكربونية كبيرة.

وإذ أدرك ذلك، أحاول أن أخفف بصمتي بالإقلاع عن العادات المسرفة في إطلاق الانبعاثات الكربونية. ومن خلال عملي في مجلة بيئية، أنشر هذه الرسالة.

سوف أخبركم قصة صغيرة: «في العام 2007، لم تحتفل سلطنة عُمان بيوم البيئة العالمي في الخامس من يونيو/ حزيران. في ذلك اليوم كانت على موعد مع «غونو» القاتل، أشرس الأعاصير التي شهدتها شبه الجزيرة العربية. لقد كان «غونو» تجسيداً حياً لتأثيرات تغير المناخ... ولشعار يوم البيئة العالمي 2007: «ذوبان الجليد: موضوع ساخن». هذه كانت بداية موضوع الغلاف الذي كتبته لعدد يوليو/ تموز 2007 من مجلة «البيئة والتنمية»، المجلة البيئية الأولى في المنطقة العربية، وهو أحد سلسلة مقالات كتبتها حول تغير المناخ.

المنطقة العربية، التي تضم 22 بلداً، ستتعرض لأقسى تأثيرات تغير المناخ. وهي بدأت فعلاً تعاني هذه التأثيرات، خصوصاً موجات الجفاف والتصحر وخسارة النظم الإيكولوجية وتآكل السواحل وابيضاض الشعاب المرجانية. هناك 34 ألف كيلومتر من السواحل العربية، جميعها عرضة لارتفاع مستوى البحار نتيجة ذوبان الجليد وتمدد مياه البحار والمحيطات.

إن إدراك هذه التحديات وما يجب القيام به على مستوى الأفراد والمجتمعات والدول مازال محدوداً في المنطقة. لذا نركز على مواضيع تغير المناخ في كل عدد من مجلتنا.

إن تناول المسائل المتعلقة بتغير المناخ في وسائل الإعلام العربية مازال محدوداً جداً. فقد خلص استطلاع أجرته «البيئة والتنمية» إلى أن 10 في المئة فقط من الصحف العربية لديها صحافي أو محرر للبيئة والتنمية المستدامة. ولدى 10 في المئة صفحة أو حيز بيئي «أسبوعي» منتظم. «البيئة والتنمية» التي تصدر شهرياً، هي المجلة البيئية الأولى في العالم العربي والمصدر الرئيسي للأخبار البيئية في المنطقة. وبوجود 12 شريكاً إعلامياً في أنحاء الشرق الأوسط، يعاد نشر مقالاتها في صحف طليعية ومناقشتها في برامج تلفزيونية وإذاعية.

بعد كتابتي عدة مقالات حول تغير المناخ، أردت الذهاب إلى منطقة القطب الشمالي، لأشهد مباشرة على الاحتباس الحراري حيث يتجلى للعيان بأسرع وتيرة، ولأنقل هذه الخبرة إلى القراء في أنحاء المنطقة العربية.

وقد حالفني الحظ. ففي صيف 2008، كنت بين 14 صحافياً علمياً تم اختيارهم للانضمام إلى بعثة علمية على متن كاسحة الجليد الكندية «اموندسن» المخصصة للأبحاث. أبحرت طوال أسبوعين في الدائرة القطبية الشمالية، برفقة 50 عالماً من أنحاء العالم. وللأسف، لم يكن بينهم عالم عربي، على رغم أن المنطقة العربية مهددة إلى أبعد الحدود.

كنت الصحافية العربية الأولى التي تتوغل إلى أصقاع القطب الشمالي وتشهد ذوبان الجليد والأبحاث التي يجريها فريق دولي من 50 عالماً على متن كاسحة الجليد.

المقال الذي كتبته كان موضوع الغلاف في عدد أيلول في سبتمبر/ أيلول 2008 من «البيئة والتنمية». وقد أعيد نشر هذا المقال في صحيفة الحياة الدولية، كما تمت ترجمته إلى الإنكليزية وأعيد نشره في صحيفة «الدايلي ستار» وعشرات وسائل الإعلام المطبوعة والإلكترونية. وأجرت مجلات ومحطات تلفزيونية وإذاعية مقابلات معي. وهذا ساعد كثيراً في نقل رسائل إلى الجمهور العربي الواسع حول تغير المناخ وكيف يستطيع كل فرد المساهمة في مكافحته وتخفيف تأثيراته. وما زلت أتلقى دعوات لتقديم محاضرات حول تغير المناخ وتجربتي القطبية في جامعات ومدارس.

نتيجة هذا المقال، والجمهور الواسع التي تلقى الرسالة، مُنحت «جائزة صحافة الأرض» العام 2009، التي تسلمتها أثناء انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة حول تغير المناخ في كوبنهاغن. هذه الجائزة كان لها أيضاً أثر جيد في نقل معلومات ورسائل حول تغير المناخ من خلال مقابلات صحافية وتلفزيونية وإذاعية متعددة.

الإبحار في الدائرة القطبية الشمالية طوال أسبوعين من دون رؤية جليد يذكر كان أمراً لا يصدق. ومهما يكن السبب، فإن الاحتباس الحراري حقيقة وذوبان الجليد عملية مستمرة. علينا جميعاً أن نفعل شيئاً، كأفراد ومؤسسات وحكومات ومجتمع دولي. ومهما يكن العامل البشري صغيراً أو كبيراً، علينا الإقلاع عن العادات المسرفة في إطلاق الانبعاثات الكربونية، من خلال تخفيض حرق الوقود واستهلاك الطاقة.

نعم، لقد ساهمت في تغيير العالم، وأنا لست فخورة بذلك. لكنني أحاول أن أحيِّد بَصْمتي الكربونية، عن طريق تخفيض استهلاكي للطاقة، وتركيب سخانة ماء شمسية في منزلي، وزراعة الأشجار والخضار في حديقتي. وأيضاً، من خلال نقل هذه الرسالة إلى قرّائنا في أنحاء المنطقة العربية، وأبعد

إقرأ أيضا لـ "راغدة حداد"

العدد 3290 - الجمعة 09 سبتمبر 2011م الموافق 10 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً