العدد 3292 - الأحد 11 سبتمبر 2011م الموافق 13 شوال 1432هـ

في ساحة دمشق

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لم أتخيّل صبيحة يوم السبت، الخامس عشر من فبراير/ شباط الماضي، أن الموازين يمكن أن تنقلب رأساً على عقب خلال أربع وعشرين ساعة في بلدٍ عربي، ظلّ يمسكه رجل مخابرات بقوةٍ خلال 24 عاماً.

كنت نزلت من بيروت إلى دمشق مساء الجمعة (السابق)، وهبطت إلى دمشق لأزور سوقها القديم، وفي ساحتها دخلت محل صرافة لتحويل بعض العملة. كانت «الجزيرة» تتكلّم عن سقوط زين العابدين بن عليّ وكأنه خبر قديم. لم أسمع الخبر أثناء سفري لانقطاعي عن الفضائيات عشر ساعات. وقفت استمع وأنا غير مصدق. لقد وقعت الواقعة.

خرجت من الصرافة أبحث عن أية مكتبة أو كشك لبيع الصحف، وعلى بعد عدة أمتار وجدت كشكاً صغيراً. لم أفكر في شراء صحيفة محلية لعلمي بأنها تمثل جيلاً قديماً ومدرسة إعلامية بائدة. اختطفت صحيفتين إحداهما لبنانية وأخرى تصدر في لندن، وجلست على طرف الطريق كأي متسكعٍ أقرأ أخبار الصفحة الأولى مدهوشاً.

لما عدت إلى الفندق بحيّ السيدة في ريف دمشق، سهرت حتى ساعةٍ متأخرةٍ حتى قرأت كل ما أوردته الصحيفتان من تفاصيل، خبراً خبراً، صفحة صفحة، تعليقاً تعليقاً، سطراً سطراً.كان حدثاً تاريخيّاً يستحق السهر لمتابعته حتى الفجر.

في دمشق، بقيت ثلاثة أيام. هذه المدينة العريقة ليست غريبةً علي. أحب أزقتها الضيقة، ومعالمها ومتاحفها وآثارها التاريخية. قرأت لأدبائها ونقادها وروائييها.عرفتها من خلال شاكر مصطفى وحنا مينه وزكريا تامر وعلي فرزات، وقبلهم غوار الطوشة وفطوم وحسني البرزان.لم تكن معرفتي بها مستجدةً ولا طارئةً حتى أكتب عنها اليوم على عجلٍ. دمشق أعرفها منذ ثلاثين عاماً، وتستحق أن أكتب عنها بتريث وحب.

مشكلة دمشق أنها لا تتغيّر.الحيّ الذي تسكنه في زياراتك يتحول إلى مستنقع عندما يهطل المطر كما كان قبل ثلاثين عاماً. وجهها ومبانيها وعمرانها لم يتغيّر منذ ثلاثين عاماً. عاصمة من الماضي تستحق واقعاً أفضل وأجمل وأكثر عدلاً بلاشك، وهي أولى من بعض مدن الملح التي حوّلها النفط إلى عرائس مزركشة.

دمشق لا تتغيّر، وهذه مشكلتها الكبرى. تتصرّف وكأن الدنيا ثابتةٌ على أوضاعها.حين بدأت تنتفض مطالبةً بالتغيير، استقبل البرلمان رئيسها بحفلةٍ صاخبةٍ من التصفيق وهتافات «نفديك». محزنٌ أن ترى برلماناً عربيّاً عمله الوحيد التصفيق. مئات النوّاب غالبيتهم بلغ سن التقاعد قبل عشرين عاماً، أصبحوا جزءًا من ماضٍ يريدون المحافظة عليه. حين استمعت إلى خطاب الرئيس الأول، قلت في نفسي:على سورية السلام.

قدّمت تضحيات كبيرة على طريق المقاومة وتقوية بؤرها حتى وإن لم تحارب على أرضها. استضافت الكثير من أشتات المهاجرين والمهجرين العرب من مختلف الجنسيات، وفي مقدمتهم العراقيون، من ضحايا البعث العراقي وجلاديه. وهذا ما يجعل الحديث عن دمشق حساساً، وحرجاً، وليس لأي تفسير ديني أو مذهبي، فالحكم هناك كان وسيبقى علمانيّاً حتى لو تغيّر النظام.

نظامٌ عليه آلاف المآخذ، كأي نظام عربي آخر، وفي مقدمتها تغيير الدستور من أجل تمرير سياسة التوريث. هذه القضية وحدها كفيلةٌ بإشعال الغضب في نفوس الملايين، وبعث النار في الرماد كما رأينا في مصر، لأنها تمثل قمة الاستخفاف بكرامة الشعوب.

في ذلك اليوم، وأنا جالس على رصيف الشارع بساحة دمشق، لم يخطر ببالي أن بن علي سيتبعه مبارك والقذافي، وأن الزلزال سيطرق بعنف أبواب هذه العاصمة التي بدت مستسلمة للأقدار

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3292 - الأحد 11 سبتمبر 2011م الموافق 13 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 3:52 م

      زائر

      تعديل في المقال عزيزي ..
      وهو: تاريخ 15 يناير وليس فبراير ، وشكراً

    • زائر 18 | 3:43 م

      الاعلام الرسمي بين الحقيقة والتضليل

      انا اعتقد ان الاعلام العربي دائما يلجا للتضليل واخفاء الحقائق , مثلا الاعلام المصري قبل سقوط مبارك ولا كان شئ يحصل ويدور في مصر واضف اليه الاعلام الليبي يعرض برامج لا تمت الى واقع ليبيبا وما يدور فيها لو سالنا انفسنا لماذا هذا التضليل سوف نجيب بان النظام غير ابه وهو ينكل بشعبه تحت مظلة اعلامه الواهم ولو كان نظاما منصفا لعرض الحقائق وما يدور على الساحة ليترك الحكم للناس ويكونوا على بصيرة من امرهم بعيدا عن برامج التصفيق والرقص والهز

    • زائر 17 | 11:10 ص

      مقال يستحق القراءة

      يجب علينا تنقية فكرنا من الارتباطات الحزبية و التفكير بمنطقية وموضوعية
      شكرا على هذا المقال

    • زائر 16 | 7:06 ص

      اتفق معك يا قاسم ولي في القلب مكان لدمشق ولكن لدمش وجهه اخر

      لا ترتقي بلد تحكمهاالمخابرات\\\nلا يكون للإنسان فيها كرامه و تسجن فيها عقول الناس\\\\\\\\n هذا لا يناسب شعارات العروبة والصمود\\\\\\\\n\\\\\\\\r\\\\\\\\nدمشق تدعم المقاومة لكن فاتورة الدعم يدفعها الإيرانيون بسخاء  

    • زائر 15 | 6:27 ص

      زيارة جدية !!!!!!!!!!

      يا سيدي الكريم .. الوضع في سوريا اكبر بكثير م محرد مجرد جلسة رصيف في دمشق او وضع كشك من هنا لكي تصدر حكم ..
      الافضل ليك سيدنا الاطلاع على الاوضاع في سوريا بشكل اعمق بعيد عن السطححية .ابحث عن الدور الامريكي والصهيوني في الاحداث بعدين تكلم
      سوريا يراد لها ان تتفتت لكي تواجه مصير السودان
      لكنها ستبقى وشعب سوريا واعي جدا جدا اكثر مما تتخيلة في زيارة اربع ايام سا سيدنا .

    • زائر 13 | 5:49 ص

      ليييييييش؟

      قرأنا المقال ونريد نقرأ التعليقات، ليش جذي يا وسطنا الحبيبة؟

    • زائر 12 | 5:39 ص

      العبره يا سيد

      العبره و الذكي الذي يستفيد فالتجارب والمواقف موجوده من ايام الانبياء و الرسل واكبرها هو عدم اختفاء جثمان فرعون مع بقيه جنوده ليعتبر كل من على الوسيعه

    • زائر 8 | 3:17 ص

      ان شاء الله سيتبعهم الأسد

      اخي الكريم ... النظام السوري ابشع في قمعها للشعب الأعزل من انظمة تونس و مصر و ليبيا......
      ان شاء الله نظام الأسد زائل لا محالة عاجل غير آجل...
      اللهم عجل نصر الشعب السوري على نظام الطاغية البعثي... آمين آمين آمين

اقرأ ايضاً