العدد 3299 - الأحد 18 سبتمبر 2011م الموافق 20 شوال 1432هـ

شلون جذي يا إذاعة البحرين؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الزمان هو 14 سبتمبر/ أيلول 2011. الوقت هو ما بين التاسعة والربع والتاسعة وخمس وأربعين دقيقة صباحاً. المكان هو إذاعة البحرين. الموضوع هو برنامج إذاعي على الهواء مباشرة. المضمون هو اتصال من امرأة تقول فيه «إننا أهالي منطقة (...) لا نريد أن يُؤتَى بأشخاص من مناطق (...) لإسكانهم في منطقتنا، فنجمُهُم (دون أن تستثني أحداً ممن تقصدهم) لا يتوافق مع نجمِنا، ولا هم من ثوبنا»! انتهى كلام المتصلة، الذي حاولت تنميقه وتحسينه ما استطعت لكي يظهر بهذه الصورة الناعمة.

ولأنني فهمتُ من المتصلة مَنْ تقصد، وماذا تقصد بالضبط فقد بدا الموضوع مقزِّزاً جداً، ويحمل أبعاداً خطيرة قد تفتح الباب أمام ما هو أسوأ من الفرز والتقسيم والتشطير بين الناس، في وقت بات العقلاء يُنبِّهون أبناءهم وذويهم، إلى أن هذه المفردة خاطئة، وتلك صحيحة، ويشجعونهم على هذه الإيماءة، ويفرضون عليهم ترك الأخرى، لكي يستقيم عودهم إنسانياً، ويُبنَى على قوام وطني راشد.

لكن، ما هو أخطر من تلك الكلمات التي ذَكَرَتها تلك المتصلة، هو صمت المذيعة التي كانت تضطلع بإدارة البرنامج عن الرَّد على ذلك القول وببديهة مُفترَضة يتسَالَم عليها العقلاء في العادة. حيث إنها لم تقاطِع المتصلة لتردها عن قولها النشاز، ولم تجِبها حتى بعبارات كالتي تستخدمها عادة مكاتب العلاقات العامة في أضعف الإيمان، لتفهمها أن أهل البحرين (تاريخياً) هم شعب وعائلة واحدة، لا يُفرِّقهم في ذلك دين ولا معتقد ولا مذهب، ولا تفصلهم جُدُرٌ أسمنتية، ولا شوارع وهميَّة، فلا دماء زرقاء، ولا عيون نورمانديَّة تمايزهم.

فهي (المذيعة) بذلك الجواب ستكون قد أخلَتْ مسئوليتها كمذيعة، وفي الوقت نفسه ستبرئ ساحة إذاعة البحرين من تهمة التحريض والشحن التي لطالما اتهِمَت بها من قِبَل المعارضة السياسية عندنا؛ وخصوصاً أن إذاعة البحرين هي إذاعة رسميَّة تابعة للدولة، ما يعني أنها يجب أن تكون غطاء لجميع مكونات المجتمع، لكنها (المذيعة) مع الأسف لم تفعل، وبالتالي فهي لم تخلِ مسئوليتها المهنية، وفي الوقت نفسه لم تُزِحْ التهمة عن كاهل الإذاعة.

هنا وبعد هذه الإفاضة لدي كلمتان واجبتان من منطلق وطني لا تصنُّعَ فيه ولا هزل، أقولهما وعيني على هذا البلد، وسمعته ومستقبله. الأولى هي للقائمين على الإعلام لدينا بكل مناشطه، وهو أولاً الإدراك الضروري أنهم إعلامٌ رسمي، يعكس توجهات الدولة وسياساتها، وبالتالي فإن هو بثَّت ما هو صالح نفَعَ البحرين، وإن قال ما هو غير ذلك أضرَّ بها وبسمعتها بين ناسها وشعبها وفي الخارج أيضاً، الذي أصبح يُحملِق في شئون هذه الأرض سياسة واجتماعاً واقتصاداً وأمناً، حتى خالَ نفسه قيِّماً عليها. وكما قال الفيلسوف اليوناني الشهير سقراط: «حاذر عمل الشر أكثر مما تحاذر العذاب بسببه». هذا فيما خصّ الواجب المهني.

أما فيما يخصّ الواجب الأخلاقي، فالمعركة تقتضي تجفيف منابع هذا الخطاب غير السليم، وتأثيم من يتفوّه به أيَّاً يكن، سواء من المتصلين أو غيرهم، وخصوصاً أننا نعيش في مرحلة المداواة، والمداراة لبعضنا بعضاً بعد أن لَعِبَت بمجتمعنا الجهالة السياسية والاجتماعية وسوء الخلق والحيْف المادي والمعنوي. فإذا كنا ننشد إنهاء ما نحن فيه من مصاب، فمن غير الصحيح أن نبقِي على ذات المسلك الخاطئ في التعامل اللفظي مع بعضنا بعضاً ونحن نعيش على هذه الأرض التي ولدنا وكبرنا وسَرَحنا عليها جميعاً. فهذه الأرض هي أمُّنا التي ننتسب إليها، ونحن أبناؤها الذين يجب أن نبادلها الحب ذاته، وكما قال اليونانيون القدماء: «تحب الأمهات أطفالهن أكثر من الآباء لأنهن أكثر ثقة في انتسابهم إليهن».

أما الكلمة الثانية، فهي للبحرينيين، الذين ناشدناهم سابقاً، ونناشدهم اليوم من أعماق القلب، وبأسمى درجات الصدق والإخلاص. فالتقلعوا عن كلّ ما يُفرقكم من القول والفعل والغمز واللمز. فنحن لسنا بحاجة إلى إبرام معاهدة العام 1529م، التي وُقِّعَت لوقف الحرب الدموية ضد الكانتونات الكاثوليكية في سويسرا. ولسنا أصحاب ذاكرة سوداء تصلنا بالعام 1532م عندما نشبت الحرب الظالِمة بالقرب من كابيل المتاخِم لكانتونَي زوغ وزوريخ الأمر الذي أدّى إلى القضاء على طوائف البروتستانت ومصرع المصلح التبشيري زفنغلي.

ولسنا كالأوروبيين أيضاً عندما يتذكرون غلاريس في العام 1564م، والوضع في مناطق أبنزيل في العام 1567م والتقسيم الإثني والطائفي المجنون الذي رافق تقسيمهما وتثنيتهما إلى كاثوليك وبروتستانت بشكل طائفي مقيت. وليست في مخيلتنا نحن البحرينيين مشاهد استخراج جثة الأناباتيسي دايفد جوريس وإحراقها علناً من قِبَل المتطرفين في العام 1559م. فنحن أمّة كتب الله عليها (والقدَر أيضاً) أن تعتاش وتتعايش وتتصاهر وتتذارر سوية من دون أدنى فرصة للعَتَة، ولا لمنطق الـ هم والـ أنا.

هناك مناطق في البحرين أعرفها عن قرب، سوادها الأعظم (بل ولِحَد التطابق) من مُكوِّن اجتماعي مُحدَّد، لكن هناك آخرين من مُكوِّنات أخرى تعيش فيها، بل إن بعضهم ترشَّح في دوائرها، وآخرون افتتحوا تجارة فيها، وبات أهلها يعتمدون عليها في أكلهم وشربهم وملبسهم، ولم أسمَع مرة أن تأفَّف أحدٌ من ذلك. بل إن كثيرين (ومنهم صاحب المقال) أصبحت معاملاتهم اليومية، وصداقاتهم الحميمية، ومسامراتهم مع أفراد من مُكوَّنات بحرينية أخرى، ومذاهب وتوجّهات مختلفة أكثر من تلك التي تجري مع أشخاص يُماثلونهم الانتماء والنَّسَب، من دون أن يذكروا مرة أنهم من هذا العِرق أو من ذاك المذهب.

هناك بحرينيون باتوا يُلقِّنون أبناءهم مفاهيم أكثر انفتاحاً في العلاقات الاجتماعية التي يكون فيها موزاييك مختلف من البشر عرقياً ومذهبياً وسياسياً، إيماناً منهم أن ذلك سيكون سبباً مهماً في توسيع مشاعرهم الوطنية ومداركهم العقلية، والعيش وسط لوحة فنية مختلفة الألوان، بدل العيش وسط لوحة بيضاء أو سوداء، وداخل روتين اجتماعي صرف، ليس فيه غير ما فيه من شخوص وعادات وأعراف. لذا فمن باب أولى أن يكون الإعلام الرسمي مُشجعاً على الأول ونصيرٌ له، ومُشيحاً بوجهه عن الآخر، وناهياً عنه، وهي دعوة تفرَّد بذكرها من قبل جلالة الملك خلال خطابه السامي في الليالي الأخيرة من الشهر الفضيل، والتي حثّ فيها الجميع على التسامح وإشاعة روح الأخوة. هذه هي الرسالة. اللهم إني بلَّغت

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3299 - الأحد 18 سبتمبر 2011م الموافق 20 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 53 | 3:30 م

      مسجد بيت مطر

      لدينا في الدير مسجد في وسط القرية تقريبا يتبع الأوقاف السنية وله مؤذن معبن من الاوقاف السنية وتصلى فيه جماعة خصوصا من العمالى الآسيوية ومع ذلك يصلي فيه أهل القرية ولا مشكلة لدينا. يرفع الأذان يوميا ويخترق الصوت أسماع القرية ولا مشكلة في ذلك

    • زائر 52 | 10:45 ص

      أضاقة اخرى

      اذهب قرى شارع البديع جنوسان وباربار وسار ومقابة والدراز وأبو قوة وغيرها من القرى كذلك سترى المجمعات السكنية (كامبونات) سترى المئات والمئات من عوائل محترمة كالجودر والمؤيد وعوائل كريمة اخرى نحتفظ باسمها وخصوصيتها. اذهب الى الجفير وانظر العجب هناك واذهب إلى البرهامة والعكر وسند وتوبلي وعالي وسترى المئات والمئات من البيوت الساكنة لأخواننا وأهلنا السنة وهم يعيشون بهدوء وسكينة هكذا نحن أهل القرى ليس لدينا حساسية من احد

    • زائر 51 | 10:37 ص

      للاخ رشود المحرقي

      ليس الكاتب الذي يمكنه فقط اعطائك امثلة نحن ايضا نستطيع ان نعطيك امثله ايها العزيز: كرباباد وغير كرباباد بل هناك مرشحين في الانتخابات فيها فهناك خالد الزياني في الدائرة الرابعة التي تقع فيها كرباباد يترشح اليوم للانتخابات التكميلية وكذلك الحال بالنسبة للبلاد القديم والزنج التي يسكن فيها العشرات بل المئات ومنهم الدكتور المحنرم جمال صالح المرشج اليوم للانتخابات ايضا

    • زائر 49 | 9:54 ص

      رشود المحرقي

      ماقولك في المعاملة بالمثل هل يعامل الآخر لوسكن مثلا في كرباباد كما يعامل في الرفاع عطني مثال وشكرا

    • زائر 47 | 6:41 ص

      500 عام نحن متخلفون عن اوربة في نظرتنا للحياة.

      عملية رياضية بسيطة توضح عدد السنين للتخلف الذي نعيشه.
      بعض دول اوربه كانت تعاني من الطائفية سنة 1532
      لعرفنا اننا متخلون سنة 479 سنة تقريبا.
      نحن نعاني من تخلف عاشته اوربة قبل ما يقارب الـ 500 عالم.
      وتخلفنا العلمي حدث بلا حرج

    • زائر 44 | 4:51 ص

      شكرا على هذا المقال الرائع

      وسنستمر بترديد
      اخوان سنه وشيعه !!!

    • زائر 34 | 3:37 ص

      أحسنت على هذا المقال

      قاتل الله الجهل
      والله يهدي الجاهلين

    • زائر 25 | 2:13 ص

      ابو احمد

      استاذ محمد اولا شكرا علي هذا المقال الرائع واكاد اجزم بان هذي النوعيه من الناس قله قليله جدا وصدقني ان قلت لك اكاد اجزم والسبب هو رؤيتي الي كل من يعملون معي ونحن من جميع المذاهب لازالت معاملتنا كما كانت في السابق ويمكن احسن وللعلم انا من مذهب وزجتي من مذهب اخر وحتي خارج العمل جميع الاصدقاء من المذهبين لا احد يحمل ضغينه للاخر ولكن يوجد في مجتمعنا اناس قليلون تجدهم في كل مكان ولكن نفس الوجوه ونفس التوحهات تتكرر في كل مكان يريدون الفتنه ولكنهم لن يستطيعو في ظل شعب واعي ومثقف مثل شعب البحرين

    • زائر 16 | 1:26 ص

      ام عبدالله

      جلست ابكي و انا اقرأ مقالك، شيء مؤلم فعلا ان يعاملك من تعتبرهم اخوانك وكانك من فصيلة اخرى تختلف عن فصيلتهم و بانك غير مرحب بك ، قاتل الله الجهل و الفتنة سلمت يا استاذ على هذه الرسالة الانسانية و الوطنية و اتمنى ان تصل الى اصحاب الشأن 

اقرأ ايضاً