العدد 3305 - السبت 24 سبتمبر 2011م الموافق 26 شوال 1432هـ

قصص مؤلمة أسيرة الجدران

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

المخفي أكبر من المكشوف في جعبة المفصولين على خلفية الأحداث الأخيرة، فلكل بيت حكاية لا يعلمها إلا الله، صغرت أم كبرت تبقى هماً ثقيلاً يفتُّ ظهر صاحبه ويسلب من عينه النوم، ولكن أين من يقلب صفحتها ليدرك أن هذه القضية باتت جرحاً كبيراً توسعت بحجم الوطن وأصبح نزفها جارياً بغزارة لا يعرف لها الوقت حداً ولا يوقفها مد. سأذكر بعض القصص التي وردت إلى مسامعي وما تمكنت من الوقوف عنده في الأحاديث العابرة، فأحد المفصولين كان مسئولاً في شركة وطنية كبرى بعث أبناءه للدراسة في الخارج لإكمال دراستهم الجامعية على نفقته الخاصة، بعد أن أنهوا الثانوية العامة بمعدل مرتفع ولكن لم تسعفهم بعثات الدولة ولم يحصلوا على التخصص المطلوب.

مع نهاية كل شهر يرسل الأب لأبنائه مبلغاً من المال ينفقونه على مصروفات السكن والكتب والتنقل وغيرها من متطلبات المعيشة في الغربة، وكل يوم يمضي يكبر حلمه معهم بأن يتخرجوا ويعودوا إلى الوطن ليخدموه بعلمهم ويشاركوا إخوانهم من الكوادر الوطنية بجهدهم وتعبهم في مواقع العمل.

يقول: لم أتخيل أن أجد نفسي عاجزاً عن دعمهم لإكمال مشوار حياتهم وبناء مستقبلهم، وها قد جاء اليوم الذي أخشاه، فقد فصلت على رغم أني لم أتغيب يوماً ولم أضرب عن العمل ولم أشارك في أي نشاط سياسي، بل كان للاصطفاف والتحزب والوشاية والظن متنفس جعل من لجنة التحقيق تتخذ قراراً لم يقطع رزقي وحسب، وإنما قطع الأوكسجين عن طاقات هي في عنفوان الشباب تتأهب لخدمة بلدها ولم تكن تنتظر من الدولة دعماً سوى أن تسمح لعائلها بأن يستمر دخله بلا انقطاع أو منغصات.

مفصول آخر يصطحب والدته إلى إحدى الدول الخليجية المجاورة لأخذ العلاج على أمل التخلص من مرضها المزمن الذي تعاني منه منذ سنوات، بات حائراً لا يعرف كيف يواجه من حملته في بطنها تسعة أشهر وسهرت الليالي وهو يئن من آلام المرض تمسح على رأسه وتخفف من آلامه.

تتهارب منه الكلمات، فأنى له أن يبلغها بعجزه عن مواصلة المشوار وشفاؤها مرهون بمتابعة العلاج وفق جدول زمني حدده الطبيب، وخصوصاً أنه اضطر للاستدانة واستنفد كل ما لديه ولم يبق أمامه من سبيل أو باب إلا وطرقه عله يجد خلفه مجيباً.

ثالث لا يخلو صباحه من صراخ صاحب العمارة التي يقيم فيها، طلباً للإيجارات المتراكمة عليه منذ أشهر، علماً بأن طلبه الإسكاني قديم جداً ومبلغ الـ100 دينار الذي تدفعه له وزارة الإسكان كبدل سكن يستحوذ عليه المصرف بعد أن جمد حسابه نتيجة تخلفه عن سداد المستحقات المطلوبة منه، فيما يتوشح صندوق البريد الخاص به بفواتير الكهرباء والهاتف ورسائل التحذير بالتحويل للشئون القانونية والمحاكم.

مفصول رابع كبير في السن يتردد كل يوم على الشركة التي يعمل فيها، حاملاً معه قصاصة من صحيفة نشرت فيها توجيهات عاهل البلاد بإرجاع المفصولين والموقوفين في القطاعين العام والخاص، والذي تضمنه خطاب جلالته بمناسبة العشر الأواخر من شهر رمضان، ينشد لقاء مسئوله لمطالبته بتنفيذ الأوامر الملكية، فلا يلقى إلا الصد والتجاهل، فيخطف رجليه مهرولاً نحو وزارة العمل، ومع الوعود بفرج قريب وتوصيف لتحركات مستمرة واجتماعات مطولة مع مجالس إدارات شركات القطاع الخاص لثنيها عن قراراتها التعسفية، لا يجد نفسه إلا وقد عاد إلى منزله خائباً محزوناً، ليبدأ في اليوم التالي مع مسلسل الدوران داخل الحلقة ذاتها التي لم يجد لها مخرجاً حتى هذه اللحظة.

مواطن خامس يئس من حياة التنقل مع أفراد أسرته من شقة مؤجرة إلى أخرى، فقرر أن يبني له مسكناً بسيطاً في منزل والده، عله يوفر شيئاً من ماله المهدور على ملك غير دائم، فتكالبت عليه وزوجته الديون من كل حدب وصوب، فصبر وتحامل على نفسه حتى سدد شيئاً يسيراً وأمامه مشوار يطول.

بعد تسريحه وزوجته بات في مواجهة 3 مصارف كل واحد منها يطالبه بالالتزام بموعد السداد، فلا يعرف كيف يحل معضلته ولا يعلم كيف ينقذ زوجته، وكلاهما مهدد بالمقاضاة وأوارقهما في طريقها إلى المكاتب القانونية لبدء إجراءات التقاضي.

هذا المواطن حاله كحال قائمة تطول من الطلبات الإسكانية العالقة التي تنتظر دورها، وحينما فكر في الاستقرار بعيداً عن لهيب الإيجارات المرتفعة حرم من رزقه وأمسى مهدداً وزوجته بما لا يحب ويرضى.

أسرد هنا بعض القصص ولا شك أن بعضها أسوأ وأشد قسوة ولكن لا يسع السطور أن تحملها ولا للألسن أن تحيكها، فتوارت خلف الجدران تعففاً وزهداً بالحياة وما فيها. تسريح الكفاءات لا يضر أفراداً بل يزعزع قطاع الإنتاج الذي يحتاج للأيدي العاملة المؤهلة المدربة ذات الخبرة الطويلة والدراية الواسعة، ويمس المصارف في عصب استثماراتها، وهي التي تعتمد على تدوير الأموال المتحصلة وضخها في مشروعات جديدة تعود عليها بالمزيد من الربح لتعويض الخسائر التي منيت بها إثر الأزمة المالية العالمية.

إحلال موظفين جدد بدلاً من المفصولين لا يحل المشكلة بل يعقدها، فهؤلاء بحاجة إلى تدريب مكثف حتى يصلوا إلى مستوى الجاهزية التي تؤهلهم لإدارة دفة العمل، وحتى يبلغوا مستوى الجاهزية يتكبد الوطن خسائر جسيمة بتعطيل كفاءاته وشل حركة تطوره ونماءه، فمتى يبادر المسئولون لإنقاذ البحرين وتنفيذ التوجيهات الملكية؟

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3305 - السبت 24 سبتمبر 2011م الموافق 26 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:42 ص

      شكرا لكم .. شكرا لكم

      مشكور على طرح موضوع المفصولين المنسي

    • زائر 6 | 3:23 ص

      زمن التشفي

      توجد فئة اخرى تسعد وتتشفى بما تسمع وهذه فرصتها للتشفي وكلما سمعت من هكذا قصص قالت زين ليهم يستاهلون
      حسبنا الله ونعم الوكيل

    • زائر 4 | 9:35 ص

      المصلي

      اخي احمد لاتستعطف احدا غير الله فهو خالقهم ومدبر امورهم وثق يااخي احمد بأن عين الله تكلئهم بلطفه ورعايته .............

    • زائر 3 | 4:25 ص

      المفصولين

      المفصولين والمسرحين سواء من العمل أو الدراسة ينتظرون نزول الرحمة من لدن رب كريم بينما أصحاب الوشاية ينتظرون السطوة!!!!.

    • زائر 2 | 1:31 ص

      أسباب الرحمة

      لعل من أكبر نزول الرحمة على العبد هي رأفته بما هو أدنى منه!!!إرحمو من في الارض يرحمكم من في السماء!!!!.

اقرأ ايضاً