العدد 3316 - الأربعاء 05 أكتوبر 2011م الموافق 07 ذي القعدة 1432هـ

علكة الندم

الأفكار تتضارب في رأسي كما الجنود والأعداء. كم سيكلفني الذهاب إلى السوق التجاري؟ كم سيلزمني لزيارة القسم الإغريقي في متحف اللوفر، وكم ثانية ستضيع من وقتي الثمين للوصول؟ أين أولي؟ أمن حل وسط؟!

بعد التضارب القاسي والتفكير العميق المرتب الجاد الذي غيّر مزاجي وتعابير وجهي الشاحبة. قررت الذهاب إلى شاطئ البحر، حيث أشم بعض الهواء النقي مبتعداً عن الدخان السفاح. عند وصولي على دراجتي الهوائية اللامعة الجذابة، توجه إليّ طفل لم يقارب طوله طول دراجتي؛ إلا أن جماله وصوته الطفيف انتابني، وأدخلني متاهات الجمال الإنساني. نزلت من دراجتي واضعاً ركبتي على الرمل الخفيف أصفر اللون كما الموز عند نضجه، أنتظره بفارغ الصبر أن ينطق مرة أخرى، أنتظر لحظة فتح ذاك الفم الفرنسي الصغير الطامع للمال، أو الأكل ربما.

من صغري وأنا ابتعد عن هذا النوع من الأطفال؛ لكن هذا الطفل صاحب العينين المليئتين بالعواطف القاحطة من الحنين، قيّدني وأسرني في عالم خيالي خال من العيوب ومشاكل المال والاقتصاد. لم أتحمّل ضغط الصبر الحاد، فسألته بلطف «من جاء بك إلى هنا يا فتى؟». رد عليّ بابتسامة خفيفة تشق الطريق إلى قلبي «هذا العالم، أم الشاطئ؟» سؤاله حيرني، فأرجع إليّ التضارب الأليم بقسوة، لا حل سوى الهرب، فاشتريت منه علبة علكة باهظة الثمن، كلفتني أكثر من الخيارات الأولية، وزاد الهمّ همّين. ركبت دراجتي وأسرعت كالنمر المندفع إلى فريسة، وأنا امضغ تلك العلكة التي تجعل من صوته ضجيجاً في رأسي، ضجيجاً جعلني أرمي العلكة من فمي ولا أبقي عدداً كافياً ليوم غد!

يا صاحب الشعر الأشقر المنساب. يا صاحب الأنف السيفي الصغير... ماذا فعلت برأسي؟ ودراجتي وعلكتي؟! دراجتي تعبت وقررت الوقوف قرب محطة الباص كي ترتاح. علكتي فقدت طعمها الملهي. أما رأسي المنخدع الأحمق، فمازال يفكر في كيفية نصْبك عليه أيها الفرنسي المحتال.


الموغل في فراته

الوسط - جعفر الجمري

لا مدخل إلى تقديمه سوى أنه في الرابعة بعد عقد من العمر، له رؤية حادّة اكتسبها من الموغل في فراته وحدّته، عباس يوسف (والده). ربما لهذا ارتأى أن يسمّيه «فرات». لم يتكئ على ذلك؛ بل استدعى قدرته على الرصد بشهوة النظر وما بعده قراءة وتأملاً وإنشداداً للحساسية فيه. كل تقديم لكتابة تنطلق من عفوية رؤيتها وملاحظتها للعالم من حولها، تظل محاولة إفساد لتلك العفوية. العفوية لا تعرّف نفسها وعناوينها وهواياتها. إنها هكذا تقتحم انشغالنا بالتافه وادّعاء الضروري لتعلّمنا درس أن نحترم العالم الذي وفر لنا شمسه وهواءه وغيمه، وحتى أعاصيره كي لا ننسى ونصدق أننا متحكمون في تفاصيله وانفعالاته. لا نملك ذلك في تفاصيلنا وانفعالاتنا. فراس عباس يوسف يدلف إلينا بنص أقل ما يقال عنه إنه حكمة العفوية وهي في نزهة لا برنامج لها ولا مواعيد تحصرها، والأهم من كل ذلك، إنها نابعة من قدرة على التلصّص على التفاصيل قبل أن تبرز هويتها

العدد 3316 - الأربعاء 05 أكتوبر 2011م الموافق 07 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً