العدد 3318 - الجمعة 07 أكتوبر 2011م الموافق 09 ذي القعدة 1432هـ

هل سنبقى مشاهدين أم مُخرِجِين للفيلم الذي يُعَدّ لنا؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تحدثت قيل يومين عن واقع جديد سنعيشه. واقع مُتبدِّل في موازينه وجوهره فضلاً عن شكله. تونس ومصر وليبيا تبدَّلت أنظمتها بالكامل. اليمن يترنح على أزيز الرصاص والحرب القبلية. الخليج ذاهبٌ إلى صيغة جديدة من الاتحاد (مع الأردن والمغرب) لا يُعلَم هل سيستوعبها أم العكس، بسبب اتساع الجغرافيا والعلاقات الإقليمية والدولية وتأثيراتهما.

اليوم أكمِل ما بدأت به. تركيا هي الآخر تبدَّلت. فهذا البلد المشطور ما بين جنوب غرب آسيا، وجنوب شرق أوروبا بات يتعامل مع أوضاعه بذكاء. يُريد أن يكسب ودَّ العالَم العربي والإسلامي عبر إقامة علاقات ليس مع أنظمته السياسية، وإنما مع شعوبه باستحواذه على ما يُشبه الحرباء في أعين الناس. فقد لجأت أنقرة إلى التصعيد مع تل أبيب «إعلاميّاً» لكي تكسب تعاطف الشعوب العربية والإسلامية، فيزداد نفوذ الأتراك في هذه المنطقة الحساسة.

تركيا فعلت ذلك لكنها أبقت على أكثر من 14 اتفاقًا عسكريّاً وأمنيّاً مع «إسرائيل»! لايزال تحديث حوامات سيكورسكي وبل 209 التركية من قِبل الجيش الإسرائيلي حاضرًا، وكذلك تحديث الدبابات التركية من طراز م 47/48 باتون و م 60 والتصنيع المشترك للعربات المدرعة؛ فالتعاون التركي الإسرائيلي ليس طارئًا لكي يتوقف، فهو يمتد إلى أكثر من ثلاثين سنة خلت. لقد نجح الأتراك في إقامة ذلك التوازن، بين الإعلام (لكسب التعاطف) والاستخبارات (لكسب المصالح) بطريقة ذكية جدّاً، وهم اليوم نجوم في عالمنا العربي، وأقوياء في الحفاظ على مصالحهم.

مع الاتحاد الأوروبي التي تسعى تركيا إلى الانضمام إليه منذ العام 1993، لاتزال الجهود التركية مستمرة في ذلك. حَصَلَ الأتراك على صفة دولة مرشحة للانضمام في العام 1999 وبدأت مفاوضات العضوية في العام 2004 بعد أن قدَّم الأتراك تنازلات كبيرة على مستوى التوفيق السياسي والحقوقي والاقتصادي على هيكل الدولة التركية، إلاَّ أن شوفينية الألمان والفرنسيين (فضلاً عن ضغوط اليونان ومساعي اللوبيين اليوناني والأرمني داخل الولايات المتحدة) حالا دون حصول الأتراك على العضوية في الاتحاد الأوروبي إلى الآن. إذًا ما الحل؟

بدأ الأتراك في ممارسة دورَيْن مُزدوجيْن في ذلك. الأول: قيامهم بدور عقابي متقدم تجاه النظام في سورية، في تماثل شبه تام مع الأوروبيين وبالذات مع المتشددين منهم، وهم الفرنسيون الذين يسعون إلى إسقاط نظام الأسد أكثر من غيرهم، مع استذكار أنهم أيضًا أكبر الممانعين لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. فهل يُمكن أن تكون هناك صفقة بين تركيا وفرنسا لمقايضة إسقاط نظام البعث في سورية وعضوية تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟ لا يُمكن تأكيد ذلك، لكن الطرح فيه وجاهة.

الأمر الثاني هو قيام الأتراك بدور ديني يُزاحم أهم مكانين إسلاميين في المنطقة، وهما مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية، والأزهر الشريف في مصر. وربما أراد الأتراك من تلك المزاحمة تقديم إسلام سياسي يُدعِّم من موقف الدول الأوروبية التي أيَّدت انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لدواعي قدرة تركيا على تقديم إسلام معتدل يسحب البساط من تحت الإسلام المتشدد، وهو ما يعني تسوية ملف مهم وحسَّاس بالنسبة إلى الأوروبيين الذي أصبح ذلك يمسّ أمنهم القومي، وحياتهم اليومية والمباشرة، في خلطٍ منهم غير واضح.

هذا فيما خصَّ تركيا. أما إيران فهي الأخرى لها طموحها الخاص. فإذا كانت تركيا تطمح من كلّ سياساتها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، والتموضع على حواف العالَم الإسلامي؛ فإن الأهداف الإيرانية لا تبعد كثيرًا عن ذلك. فالإيرانيون يُمارسون مع خصومهم سياسة النِّد المفروضة من طرف واحد وكيفما اتفق. بمعنى، أنهم يتقمَّصُون دور الدولة المحورية والرئيسية عبر ممارسات هي في غالبيتها لا تدخل ضمن ممارسة دولة، وإنما عبر ممارسة جهات ومؤسسات موصولة بها، لكن أثرها ينقطع بعد حين، لكي لا تتحمل الدولة الإيرانية وِزرَ تلك الأفعال.

لاحظوا جيدًا ماذا يفعل الإيرانيون في أفغانستان. هم أقرب حلفاء كرزاي، لكنهم يتعاملون مع خصومه (طالبان وحكمتيار) استخباراتيّاً لضرب خصومهم الحليفين أصلاً لحليفهم الأول! واستعملوا القاعدة في العراق لضرب الأميركان وقيادات بعثية سابقة في مناطق الأنبار، على رغم تماهيهم سياسيًا مع حكومة بغداد، وعلى رغم أيضًا محادثاتهم مع الأميركيين داخل العراق، والتي تحدث في أوقات مختلفة بشكل مباشر أو عبر وسيط.

بالتأكيد لا يهمنا وسيلتهم في تنفيذ سياساتهم بقدر ما يهمنا ما يرومونه. هم يُريدون أن يُتعامَل معهم على أنهم قوة أولى في المنطقة. هذه حقيقة لطالما ردَّدها قادة سياسيون وعسكريون إيرانيون. هم يقولون إنهم يُريدون من الولايات المتحدة أن تعترف بقوَّتهم الأولى في المنطقة، وبالتالي إقامة الترتيب معهم وبهم.

هم سائرون في هذه الاستراتيجية. ومشهدهم واضح. نفوذ غير عادي في العراق ولبنان وأفغانستان وفي القوقاز، ولهم نفوذ أيضًا في منطقة الخليج العربي بحكم الجيرة والعلاقة المستقرة مع بعض دوله، ولديهم نفوذ في أميركا اللاتينية وهذه المنطقة هي عَصَب الطاقة العالمية، والغرب بطبيعته يستطيع أن يصبر إلاَّ على مصالحه. والإيرانيون يُزعجونه في هذه المفردة، وبالتالي فهو قد يُسوّي العديد من ملفاته معهم إذا ما نفذَ صبره على مصالحه. العلاقة بينهما هي في مرحلة عضّ الأصابع. لا يُعلَم من سيصرخ أولاً، لكن الأكيد هو أن أحدًا سيصرخ، وإذا فعَل، فإنه الأحق بتقديم التنازل.

أمام هذا المشهد المعقد، ماذا ينتظر المنطقة فعلاً؟ وما هي حدود هذا النظام الإقليمي الذي يُتحدَّث عنه؟ وهل هذه الدول القابعة فيه اليوم هي ذاتها التي ستكون بداخله عندما يُولَد؟ وأين نحن من كلّ ذلك، هل سنبقى مشاهدين فقط من دون أن يكون لنا رأي؟ هذه أسئلة مشروعة وخطيرة في الوقت نفسه، تحتاج إلى إيضاح وإعمال العقل تجاهها. (للحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3318 - الجمعة 07 أكتوبر 2011م الموافق 09 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:27 ص

      الارمن

      الضغوط حول ابادة الارمن داخلة في اللعة ايضا

    • زائر 3 | 2:43 ص

      عبقري

      والله انك محنك
      انت كلمه حق فعلا وبلغه علميه
      انا دائما اتفائل بكتاباتك
      لقد حللت المعادله
      بالرغم من احترامي للموقف التركي مع تشككي فيه
      وبالرغم من تأكدي للدور الايراني البغيض وأحترامي لذكائه
      فأنت وضعت النقط علي الحروف
      ارجو ان يقرآ مقلك مرات حتي يفهم ولا يساء فهمه فهو حق وتوعوي سياسي بحت
      بوركت

اقرأ ايضاً