العدد 3320 - الأحد 09 أكتوبر 2011م الموافق 11 ذي القعدة 1432هـ

لعنة الإقامة... نعمة السفر

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كل إقامة غصة في النظر والتجربة. كل سفر أجنحة في النظر والتجربة.

الإقامة لعنة والسفر نعمة. الإقامة تفرض عليك مشاهدها وحركتها الرتيبة والمكرّرة. السفر يتجاوز كل ذلك. بهواء المكان نفسه وشمسه وبشره ورائحة الأطعمة والطقس الذي يأتي هو الآخر على خلاف ما اعتدت وخلاف التوجيه في نشرات الطقس الغبية.

الإقامة في المكان الواحد لا ترتقي بك. لا ترتقي بأدنى التفاصيل في روحك. السفر حرية مفتوحة على الحياة، على نظرك وتجربتك وخبراتك، على تجاوزك للألجمة التي تشدّك إلى مكان لا يرتقي بروحك. إنه يزهقها كلما أدمنت عليه وأسلمت قيادك إليه.

الإقامة كهولة وإن كنت في مفتتح شبابك. السفر شباب وإن كنت في آخر كهولتك. على العكس. السفر يخرجك من كهولتك، يحيّدك، ويعيدك إلى شباب المكان الجديد بروح نظرك إليه، وبروح تصالحك معه وقدرتك على التماهي مع تفاصيله. على الأقل تفاصيل ما يعيد إليك حيويتك وشبابك.

الذين لم يغادروا أمكنتهم مقموعون تحت أي سبب. ليس بالضرورة أن يكون قمع قوة ضاربة وباطشة. هو قمع تحجيمك ومحاصرة قدرتك على أن تكتشف نفسك عبر اكتشاف العالم من حولك، وعبر قدرتك على انتخاب وقراءة الخبرات التي تعمل عملها في إعادة صياغة روحك وتفكيرك وانتمائك إلى هذا العالم.

لا إقامة تضيف إليك في مكانك الذي لم تبرحه، على العكس، إنها تعمل على تدوير أفكارك ونظرك وعلاقاتك مع العالم المحدود المسوّر، وأحياناً المحاصر بفعل أكثر من سبب وموقف.

ولا سفر تخرج منه خاسراً. من دون إضافة وتراكم قيمة. شرط أن يكون سفراً تتقصّى من خلاله حاجتك إلى ما بعد القصد لا الارتهان إلى القصد، وحاجتك إلى التأمل، لا الاستغراق في الإصغاء. ليس كل إصغاء قيمة. التأمل وما بعده هو القيمة. هو قدرتك على أن تلتفت إلى ما بعدك. ما بعد تفاصيلك.

سفر تخرج فيه من نفسك، دخولاً في أنفس الآخرين وأمكنتهم. سفر تدخل فيه إلى نفسك عبر خروج من المكان الذي أدمنته.

إقامة تأخذك إلى وجهة الخروج؛ لا وجهة الدخول. تراجعك ومأزقك ألا تدخل. لا مأزق في أن تخرج. الخروج ممكن ومتاح. الدخول هو السر في القدرة.

لا سفر يجرح روحك؛ حتى سفرك إلى منفى مباغت يعمد إلى صقل روحك. لا ينال من حدها ونصوعها شيئاً. فقط يختبر معدنها. حين تعتاد روحك، تجد في السفر المباغت والضروري هو الآخر نوعاً من معالجة الروح. فرصة لرياضتها. رياضتها بعد خمول وانشداد ساذج إلى مكان لا معنى ولا قيمة لك فيه.

وفي السفر لأوهامك لجام وسقف. لا فضاء مطلقاً لأوهامك. أحلامك تعلو. في الإقامة لا سقف لأوهامك ولا علو لأحلامك. لا أحلام يعول عليها في الإقامة.

والسفر معنى مؤجل فيك، وآثرت حصره وحجزه؛ أو ارتأى أحدهم حصره وحجزه فيك، كي تموت فيك. في إقامتك من دون أثر ومن دون إدانة لأحد.

السفر يدين الذين حاصروك، وارتأوا إقامتك تحت أعينهم وضوئهم لتذهب في مجهولك كما يريدون لا كما تريد.

مستقبلك أن تذهب في السفر. ماضيك أن تكون مرتهنا للإقامة. لا مستقبل في جمود. جمود روحك وتحركك في المكان. ليس مكانك وحده. مكانك من حيث صلتك به باعتبارك موضوع وجوده وباعتبارك عنوانه وما بعد ذلك العنوان في نشأته وقيامه. ثم إنه لا ماضي في مستقبل ذهابك في المكان وروحه. لا ماضي في سفرك. السفر مستقبل.

يبقى السؤال: كيف تهيء سفرك؟ كيف تقيم في سفرك وتسافر فيه وما بعده في الوقت نفسه؟ كيف تتجاوز إقامتك سفراً حين يحال بينك وبينه. أن تذهب إلى ما بعد تلك الحيلولة وما بعد السفر؟ ذلك سفر آخر

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 3320 - الأحد 09 أكتوبر 2011م الموافق 11 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:49 ص

      انا لا شمس

      انا لا شمس لا قمرا سوي انا وتلك يدي أأجلها ؟
      اري المرئ فيي انا ، انا وان جهلوا معالمهم أأجلها ؟
      يطالعني ويبتسموا حسبتك لست اتهموا ، .. فما في باطني الا انا وهموا اناي وان هموا رحلوا .. فما ذا اقول للذي قد ذقت ما نكروا .. وفرت من فمي الكلمات سجدت وغبت في السبحات وودت بأن اكون فما رأسا مقلة قدما ونفس ترفض العدما ... فعودي لحظة الاشراق للنور اذوب وفيه انتشروا .

    • زائر 5 | 3:18 ص

      السفر إلى الذات

      " يبقى السؤال: كيف تهيء سفرك؟ كيف تقيم في سفرك وتسافر فيه وما بعده في الوقت نفسه؟ "
      عزيزتي .. يتحقق ذلك أيضا بالصمت .. بالصيام عن الكلام .. بعض ممارسي الريكي واليوغا يفعلونها بين الحين والآخر .. يسافرون لمعتزلات التأمل في الهند أو النيبال أو الغابات السوداء بألمانيا .. وصيام عن الكلام فتتحاور النفس مع داخلها .. مع ذاتها !! وذلك يؤدي إلى اكتشاف النفس واتخاذ القرار الصحيح ووعي جديد بالحياة .. جربي هذا التأمل .. هذا السفر الجديد.

      فضيلة الموسوي

    • زائر 4 | 3:11 ص

      القديم والجديد والحركة والسكون

      بطبيعة الأشياء أنها في حركة دائمة لا تهجع. ففي السكن سكون وسكينة وهدوء و ليس فيه ركون.
      أما السفر ففيه ترحال وفراق ولقاء ولا يوجد فيه بقاء. فكما نفارق القديم تلتقي به من جديد، فليس السكون أصيل ولا السفر جديد. فقد تكون في الجديد لذة وفي القديم مدة.
      فليس كل قديم أصيل ولا كل جديد دخيل..

    • زائر 3 | 2:20 ص

      الإقامة الجبرية

      عاش معنا بلبل لمدة سنتين. فتحته له باب القفص لمدة يومين فلم يخرج منه وبعد ذلك قمتُ بإخراجه من القفص وأطلقته في الفضاء ولكنه رجع لقفصه لا يريد الحرية لأنه تربا على الإقامة الجبرية ولا عجب في ذلك حيث يوجد من البشر نوعين من يركن للإقامة الجبرية ومن يرفضها ويحب السفر والتجديد والتغير.

    • زائر 1 | 1:00 ص

      يابنتي اجمل انواع السفر السفر الى الذات

      عندما يسافر الانسان الى ذاته يكون قد توجه الى اجمل جهه في الكون خيال واسع جمال خلاب مناضر تجنن تبحر في بحار من خيال تحلق في سماء من بلور كل شي فيها صادق وشفاف بنتي شجعي الناس للسفر كل الى ذاته ترى من فوائد السفر الى الذات هو تطهير النفس من كل ما هو نجس في هذه الدنيا

اقرأ ايضاً