العدد 3332 - الجمعة 21 أكتوبر 2011م الموافق 23 ذي القعدة 1432هـ

نظرة على العلاقات المصرية الأميركية ومعارك الحرب والسلام (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لن نتناول الكتاب الموسوعي «رحلة العمر: مصر وأميركا معارك الحرب والسلام» للدبلوماسي المصري عبدالرؤوف الريدي، بالعرض التفصيلي وذلك حتى لا نفسد متعة القارئ النهم وتشوش عليه بعض تشوقه، ولكنني أشير لعدد من الملاحظات ذات الطبيعة العامة وبعضها ما يتصل بالمؤلف والكتاب .

أولاً:الملاحظات العامة المتصلة بموضوع الكتاب وهي تتلخص في ثلاث نقاط أولها الدور المصري وزعامة جمال عبد الناصر، والثانية عملية صنع القرار في عهد ثلاثة رؤساء مصريين من جمال عبد الناصر ثم أنور السادات إلى حسني مبارك، والثالثة نتائج القرار السياسي.

الأولى:كان المصريون مثقفون وسياسيون، ومازالوا يؤمنون بأن مصر هي محور العالم العربي وأفريقيا، وأنها دولة قائدة وساعد ذلك في بروز قيادة عبد الناصر كزعيم لحركة التحرر العربي الأفريقي، وعزز ذلك دوره في مؤتمر باندونج وفي حرب 1956.ولكن ينبغي إدراك حقيقتين:

أولاهما:أن دور الدولة يرتبط بعوامل ثلاثة القوة الناعمة والقوة الخشنة والزعامة المرتبطة بقواعد شعبية.وكانت مصر منذ أوائل القرن العشرين تمتلك القوة الناعمة وأما القوة الخشنة فكانت محدودة والزعامة السياسية كانت غائبة حتى جاء جمال عبد الناصر وبرز الدور المصري بصورة أكثر وضوحاً وقوة على الساحتين الإقليمية والدولية وفي قلبها العالم العربي وإفريقيا.

وثانيهما:إن أدوار الدول تتغير بتغير قوتها فليست هناك دولة ما في التاريخ ظلت في نفس الموقع الذي احتلته. فالإمبراطوريات العظمى تراجعت وتدهورت، وظهرت دول جديدة أو تعاظمت قوتها.المهم التأكيد بأنه ليس هناك دور ثابت ودائم لدولة ما سواء إقليمية أو على المستوى العالمي.فالدور له مقومات وهذه متغيرة في معظمها، ولذلك فإن دور مصر في عهد عبد الناصر، اختلف عنه في عهدي السادات ومبارك، لوجود عناصر قوة وأن لم ترق لمستوى الدعاية التي انتشرت آنذاك.

الثانية:إن منهج اتخاذ القرار في عهد الرؤساء الثلاثة اتسم بالفردية والعشوائية أي أن القائد يتخذ القرار وفقاً لما يراه أو ما يراه مجموعة صغيرة محيطة به دون تقدير وتحليل علمي لردود الأفعال للأطراف الأخرى، تجلى ذلك في قرار سحب قوات الطوارئ الدولية العام 1967، ثم إغلاق خليج العقبة، دون تقدير علمي للنتائج والتداعيات، نفس الشيء بالنسبة لعملية السلام أو بالنسبة للعلاقات الإسرائيلية والأميركية مع مصر أو علاقات مصر الأفريقية وتداعيات ذلك كله على الأمن الوطن المصري...والأمن القومي العربي.

الثالثة:ترتبط بالثانية وهي اختلاف الظروف السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية لمصر وتراجع ذلك كله في عهد الرئيس السابق حسني مبارك ومع ذلك ظلت النخبة الحاكمة لا تدرك أبعاد المتغيرات الإقليمية والدولية ولا نتائج سياساتها وقراراتها بالنسبة لمصر كدولة وكمجتمع وكشعب. وكأن هذه النخبة عاشت مغيبة أو باصطلاح الكاتب الكبير توفيق الحكيم «غاب وعيها»ويبدو أن غياب وعي الحكيم في عهد عبد الناصر ظل ملازماً لنخبة لا بأس بها في عهد مبارك.

ثانياً:الملاحظات الخاصة بالمؤلف ومنهجه في الكتابة وهو صلة المؤلف بالحدث ومدى قربه أو مشاركته في صنع الأحداث في الفترة التي عاصرها في العمل الدبلوماسي واتسم أسلوب الكتابة بالسلاسة والدقة الشديدة وسرد الوقائع بأسلوب علمي تاريخي عبر السنوات والأحداث وتسلسلها.ولم ينس المؤلف أن يشير إلى أسرته وقريته وتطور حياته الشخصية بأسلوب جميل ودقيق يعبر عن الثقة بالنفس والصدق معها فهو ينتمي إلى أسرة متوسطة في مدينة دمياط وهي مدينة مشهورة بالتجارة وصيد الأسماك والعمل الحرفي.

ثالثاً:أما بالنسبة للكتاب فأنه في تقديري يعد مرجعاً لا غنى عنه لثلاث فئات.الفئة الأولى الدبلوماسي المحترف وخاصة من جيل الشباب ليعرف ويتعلم من خبرة الدبلوماسي المخضرم عبد الرءوف الريدي سواء في العمل أو السلوك أو دقة الصياغة والكتابة أو تعليقاته المختصرة الموجزة عن الرعيل الدبلوماسي الذي عاصره واقترب منه أو رؤساء مصر السابقين.وتحدث عن الجميع بملاحظات ذكية ولكن بلغة راثية ولسان عف .الفئة الثانية هي أي مثقف عادي على المستويين العربي والمصري ليعرف مدى دور مصر الحقيقي الذي طمسته أحياناً الأهواء والمواقف المتشددة والتي أضاعت على العرب والفلسطينيين فرصاً لتسوية المشكلة الفلسطينية من خلال العمل والمبادرات الدبلوماسية، ولذلك حق على الجميع أن يكرر أن قضية فلسطين هي قضية الفرص الضائعة.

الفئة الثالثة:المؤرخون والأكاديميون لأنهم سيجدون توثيقاً دقيقاً من شخص شارك في خلية العمل الدبلوماسي وعملية صنع القرار كخبير قانوني وكدبلوماسي ومن ثم إلقاء الضوء على تاريخ مصر والتاريخ العربي بل وتاريخ منطقة الشرق الأوسط برمتها. وحبذا لو اقتدى كثير من الدبلوماسيين المصريين أو العرب بالسفير عبد الرءوف الريدي في كتابه هذا بتسجيل ما لديهم من معلومات أو حتى رؤى تعين المؤرخين والباحثين والسياسيين والدبلوماسيين في المستقبل حتى يتجنبوا أخطاء السياسيين السابقين في اتخاذ القرارات غير المدروسة، ويعرفون بعض دهاليزها وكواليسها وكيف حاولت الدبلوماسية المصرية الحفاظ على الثوابت المصرية والعربية عبر الحقب التاريخية المختلفة بفضل الدور الوطني والقومي للدبلوماسية المصرية، ولهذا كانت موضع شكاوى متعددة من كثير من قادة إسرائيل ومن دول عربية وأميركية وأوروبية.

وفي الختام نقول إن ما يتعرض له الوطن العربي هذه الأيام من السياسة الأميركية وتقلباتها في مواقفها ليس أمرا جديدا بل عانينا منه كثيرا، وكلما جاء رئيس جديد استبشرنا به ووجدنا فيه المخلص من مأساة فلسطين ثم سرعان ما نشعر بخيبة الأمل وننسي أن أميركا دولة تحكمها مؤسسات ولوبيات ومراكز أبحاث وصحف مسيسة بحكم توجهات أصحابها وانتماءاتهم السياسية والأيديولوجية وبخاصة دور اللوبي اليهودي القوي والذي كتب عنه باحثون كبار من جامعة هارفارد التي هي من اعرق جامعات العالم يحللون دور هذا اللوبي في السياسة الأميركية وخطورته وتغلغله في الكثير من مفاصل النظام السياسي الأميركي ولهذا فلا عجب أن يعلن الرئيس أوباما تصريحات قوية تؤكد عمق العلاقة الأميركية الإسرائيلية وعمق الصداقة الأبدية وهو هنا يكرر وأحيانا يتفوق على من سبقوه لاعتبارات سياسة أميركا الداخلية المعروفة جيدا لمن يتابعون ذلك

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3332 - الجمعة 21 أكتوبر 2011م الموافق 23 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً