العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ

ضحايا «ربيع دمشق»

في الذكرى الأولى لبدء حملة الاعتقالات

نقترب اليوم من الذكرى الاولى للبدء بحملة الاعتقالات التي وضعت حداً لما يسمي بـ «ربيع دمشق»، اي من شهري آب (اغسطس) وايلول (سبتمبر) 2001، فقد اعتقل مأمون حمصي (45 عاماً)، وهو عضو مستقل في مجلس الشعب، في 9 آب، واعتقل رياض الترك في 7 ايلول، واعتقل رياض سيف (54 عاماً)، وهو عضو اخر في مجلس الشعب والمسؤول الاول عن جماعة تدافع عن الديمقراطية وتسمى «منتدى الحوار الوطني»، في 6 ايلول.

واستتبع هذه الاعتقالات، القيام بحملة اعتقالات اخرى بين 9و 12 ايلول شملت عارف دليلة (59 عاماً)، وهو استاذ علم الاقتصاد في جامعة دمشق، وطبيبين هما وليد البني (38 عاماً) وكمال اللبواني (44 عاماً)، ورجل اعمال من طرطوس هو حبيب صالح (52 عاماً) وحسان سعدون، استاذ متقاعد من القامشلي، وحبيب عيسى الخام (66 عاماً) وفواز تللو، مهندس. لم يرتكب اي واحد من هؤلاء العشرة اي عمل اجرامي، وتم احتجازهم جميعا في سجن عدرا بالقرب من دمشق. على ان اثنين منهم، مأمون حمصي ورياض سيف، دعيا الى الاصلاح السياسي والاقتصادي وشجبا الفساد والسلطات غير المحدودة الممنوحة لاجهزة الامن والمخابرات وأحيلا الى محكمة الجنايات وحكم عليهما بالسجن خمس سنوات في آذار (مارس) ونيسان (ابريل) من عام 2002.

واحيل الثمانية الاخرون الى محكمة امن الدولة العليا، وهي محكمة انشئت عام 1968 للنظر في قضايا امن الدولة، والقضايا السياسية العاجلة، تحت غطاء قانون الطوارئ لعام 1963، الذي ما زال ساري المفعول حتى اليوم على رغم مرور 40 عاماً على صدوره. وما زالت محاكمة هؤلاء الثمانية مستمرة، بعدما وجهت اليهم اتهامات عدة مثل:

حاولة تغيير الدستور بالقوة وبالطرق غير المشروعة او التحريض على العنصرية والطائفية او نشر المعلومات الكاذبة.

اعتمد المدعي العام على اقوال مقتطعة عن سياقها ادلى بها المتهمون اثناء المناقشات واللقاءات في نوادي المجتمع المدني، او محاضرات اتليت، او مقالات نشرت في الصحف، وقد يعاقب المتهمون - بحسب مرافعة الرأي العام - بالسجن حتى 15 عاماً، ووجهت أخيراً الى ثلاثة من المتهمين تهمة جديدة هي «المس برئيس الدولة والنظام القائم». ويؤكد محامو الدفاع ان التهمة الجديدة تعتمد على تسجيلات سرية وغير قانونية لاحاديث ومناقشات جرت بين المتهمين داخل زنزاناتهم.

قلائل هم الذين يعتبرون «محكمة امن الدولة العليا» مؤسسة مستقلة أو حيادية، لانها تمارس نشاطها خارج نظام القضاء الجنائي العادي، وهي مسؤولة حصراً امام وزير الداخلية اللواء علي محمود، ويرأسها منذ عشرين عاماً فايز النوري، وهو عضو في اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي (وهذه مخالفة صريحة للقانون السوري الذي يمنع الجمع بين عضوية الهيئة القضائية والانتساب الى تنظيم او حزب سياسي). ومعروف ان احكام هذه المحكمة قطعية، ولا يحق لمحامي الدفاع الاستئناف.

ويقال ان المعاملة التي يخضع لها المعارضون المعتقلون لا تخضع للمعايير الدولية المقبولة، اذ وضعوا، في الايام والاسابيع الاولى من اعتقالهم، في زنزانات انفرادية، وحظر عليهم الاتصال بالعالم الخارجي، كما حرموا، احيانا كثيرة، من العناية الصحية الضرورية.

ويذكر ان حمصي و الترك يشكوان من مرض السكري، كما يشكو الترك من مصاعب في القلب استدعت اخضاعه للعمل الجراحي عام 1999، ويشكو، فوق هذا، من اصابات في الاذن والرقبة والظهر، هي من آثار التعديب الذي تعرض له في سنوات سجنه الاولى. ويشكو دليله خثرة دموية خطيرة في اوعيته وشرايينه، لم يسمح له بأن يعالجها. وافاد طاقمه الدفاعي انه وضع في زنزانة انفرادية في الاشهر الثلاثة الاولى من اعتقاله، وانه قضى الشتاء بكامله، ونافذة زنزانته مفتوحة من دون تدفئة. وبعد اربعة شهور من اعتقاله نقل الى المستشفى لمعالجة قلبه ففرض عليه ان يبقى مقيداً في فراشه قرابة خمسة ايام، وفي مكان وصفه محاموه بأنه «حظيرة لا تليق الا بالحيونات»، ولانه لم يستطع ان يتحمل هذا الوضع مثيرا طالبه بأن يعاد الى زنزانته.وتؤكد مصادر موثوقة بأن السجناء محرومون من قراءة الصحف او الكتب، ومن الاستماع الى محطات الاذاعة، ويسمح لهم بالزيارات لعائلية مرة كل اسبوعين، ولمدة نصف ساعة فقط.وتمنع هذه الزيارات، بعض الاحيان، لاسباب مجهولة.

حينما افتتحت محاكمة رياض الترك في 28 نيسان، سمح لرجال الصحافة بدخول صالة المحكمة ولكن بعد الاستماع الى افادات دليلة وصالح وعيسى والبني، منع الصحافيون والدبلوماسيون وعائلات السجناء واصدقاؤهم من حضور جلسات المحاكمة باستثناء مندوب وكالة «سانا» وهي الوكالة السورية الرسمية للانباء.

اروي هذه التفاصيل، وقلبي مثقل بالحزن، ومحبتي لسورية عميقة لا تحتاج الى اثبات. سورية معروفة بتزعمها الدفاع عن حقوق الانسان، وبرفضها الاستسلام للضغوط الخارجية هذا هو السر الذي دفعني الى دراسة تاريخها المعاصر، والى كتابة السيرة السياسية لرئيسها المرحوم حافظ الاسد.

ولكن لا يجوز لاية دولة، مهما كانت كبيرة او صغيرة، ان تغلق حدودها، وان تتجاهل احكام الرأي العام العالمي. وفي قناعتي انه من مصلحة سورية العليا ان يأخذ مسؤولوها توصيات تطالب باطلاق سراح كل سجناء الرأي، وبمعاملة المعتقلين معاملة حسنة ولائقة تتفق مع المقاييس الدولية، والسماح لهم بمقابلة افراد اسرهم ومحاميهم واطبائهم، بشكل منتظم. وفوق كل شيء اخر يتوجب على المسؤولين احترام حقوقهم المشروعة في حرية التعبير والاجتماع والحوار من دون تعقيدات ولا قيود.

واملي ان يطبق الرئيس بشار الاسد الاصلاحات التي يدعو لها، وان يجنب بلاده الادانة الدولية، وان يحميها من مؤامرات أعدائها واختلاقاتهم الكاذبة.

كاتب بريطاني

العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً