العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ

فيلم إيليا سليمان حقق انتصاراً في « كان»

كان إيليا سليمان، الفلسطيني من الناصرة، يحلم بأن يقدم سينما جديدة،مختلفة بعد دراسته الفلسفة وانحيازه الى الفن السابع قبل نحو عشر سنوات. واليوم يحلم بأن يقدم أول عرض جماهيري لفيلمه «يد الهية» في مدينة رام الله التي دمرت القوات الاسرائيلية صالة العرض السينمائية فيها، وتمنى ان يعرض فيلمه على شاشتها.

الفيلم عرض في مسابقة الدورة الاخيرة لمهرجان «كان» السينمائي وحصل على جائزة لجنة التحكيم واصبح بذلك اول فلسطيني يشارك في هذه المسابقة العالمية وينال احدى جوائزها. ومن العبث القول ان المهرجانات لم تكن تهمه، فمنذ فيلمه الاول «سجل اختفاء» حصل على جائزة العمل الاول في مهرجان البندقية السينمائي الذي يعتبر مختبراً لاكتشاف المخرجين المجددين اذ في عروضه اكتشف المخرج الهندي ساتيا جيت راي، وعلى شاشته تم اكتشاف المخرج الياباني الكبير أكيرا كوروساوا، وحديثا كان «البندقية» المهرجان الذي اكتشف وقدم اول جائزة كبرى للمخرج البوسني امير كوستاريكا.

إيليا سليمان لم يخطط للوصول الى مهرجان «كان»، لكن ما كان يسعى الى تقديمه سينمائيا تقارب مع السينما التي كان مهرجان «كان» يسعى للدفاع عنها والترويج لها من آسيا او من اوروبا واحيانا من الولايات المتحدة او نيوزيلاندة. لذلك حين وصلت هذه السينما من فلسطين، لم يجد المهرجان اي سبب لعدم قبولها، وبالتالي والحق يقال، ان اللغة السينمائية القوية المعاصرة والتجديدية التي حملها سليمان في فيلمه تخطت سينما الشعارات والخطابات المباشرة او المموهة التي تناولت القضية الفلسطينية على مدى سنوات طويلة، من دون التقليل من اهميتها وفاعليتها على المستوى الاعلامي.

غير ان سينما سليمان جمعت بين بعدين: الاسلوب والمضمون. فمن ناحية الاسلوب، قدم المخرج بناء مشهدياً تتقاطع فيه الحوادث والصور في شكل يحرك حشرية المتفرج ليولد لديه حالاً ايجابية في التلقي، تبتعد عن الاسلوب المباشر والتقليدي ما يخلق تفاعلا من خلال لفت نظر المشاهد الى ما يريد قوله او ايصاله الى تلقي المعنى الذي يريد.

والبعد الثاني يتمثل في المضمون المتعلق بالموضوع الفلسطيني من خلال فلسطينيي 1948 والاحتلال الاسرائيلي وحواجز التفتيش التي تقطع اوصال الارض الفلسطينية واوصال الشعب الفلسطيني. وسليمان باستخدامه اسلوب السخرية من الذات، ما يسمح بقبول السخرية من الآخر، استطاع ان يحول هذا التهكم الى حال جديدة من الخطاب غير التقليدي. فسليمان حين يتكلم عن اهله وشعبه بأسلوب يمس حقيقة هؤلاء الناس من غير عقد او خطابية، فإنه في الوقت نفسه يقدم بذكاء حالاً مختلفة عن هذا الشعب، وعن الانسان الفلسطيني في صورته العادية والطبيعية والحياتية والانسانية، عبر علاقات الجيرة والحب والانتقام البسيط. وكل ذلك من خلال صور تبدو وكأنها صور عن مقاومة داخلية عميقة تنفجر من خلال مخيلة المخرج والقدرة على تفجير دبابة اسرائيلية وتحويلها الى حطام، او عندما يتحول الحب المستحيل بسبب الحواجز الاسرائيلية الى مقاومة، لكي يعبر الحواجز الاسرائيلية امام دهشة الجنود الاسرائيليين وشللهم، او ان يحول الحب المستحيل الى مقاومة من خلال فتاته الرقيقة التي يحبها ويمنعه الحاجز الاسرائيلي من لقائها، فتتحول في خياله الى فتاة مقاتلة. من هنا حققت اللغة السينمائية التي استخدمها سليمان واجاد تقديمها اختراقا لدى المتلقي الغربي بسبب معاصرتها وقوتها التعبيرية متجاوزة بذلك العوائق التي كان يتركها تناول الموضوع الفلسطيني على المستوى الاعلامي لدى المتلقي غير العربي.

والامنية هي ان يحقق هذا الفيلم اختراقا لدى المتلقي العربي نفسه، حتى ولو شكل لبعضهم صدمة، اسبابها ليست من الفيلم بطبيعة الحال، وإنما من رؤيتهم لانفسهم ومعرفتهم بالتقنية السينمائية

العدد -1 - الخميس 27 يونيو 2002م الموافق 16 ربيع الثاني 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً