العدد -6 - الثلثاء 03 سبتمبر 2002م الموافق 25 جمادى الآخرة 1423هـ

«مافيا» تتاجر ببطاقات العاطلين... والدفع فورا

«مكاتب» للتوظيف الصوري مقرها طاولات الكافتيريا ودِكاك المحلات

الوسط - عبدالجليل عبدالله 

03 سبتمبر 2002

واحدة من أكثر الدوائر الرسمية للمراجعين تلك الواقعة على شارع المعارض... السجل السكاني... الطوابير تمتد كلسان ثعبان خارج المبنى، والناس في الداخل لا حول لهم ولا قوة يلعبون لعبة الكراسي غير الموسيقية... لعبة أشبه ما تكون بلعبة الخوازيق... السواق لا يجدون مواقف لسياراتهم... الواقفون لا يجدون امكنة يجلسون عليها... «الناطرون» في الخارج ناطرون... وخيوط العرق أشبه ما تكون بالسلوى التي يتسلى المراجعون بمسحها عن جباههم تارة... وعن أذرعهم تارة أخرى.

لشدة الزحام، يكاد الناس لا يلتفتون إلى مجموعة من الناس تناثروا هنا وهناك أمام مركز السجل السكاني... وعلى طاولات الكافتيريا المقابلة له، يداوم على الحضور يومياً بحرينيون وأجانب يحملون أوراقاً ومبالغ مالية، ويعرضون على المواطنين العاطلين عن العمل تغيير بياناتهم في البطاقة السكانية ليصبح صاحبها - بشكل صوري - عاملاً أو موظفاً في احدى الشركات مقابل حصوله على مبلغ مهما كان قليلاً فانه بالنسبة إلى العاطل عن العمل أمر ييسر له حياته لعدة أيام.

المتابعة الحثيثة لـ «الوسط» أسفرت عن الكشف عن الحركة اليومية لهؤلاء الأشخاص... «مافيا» تضم مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين يبدون للوهلة الأولى مراجعين... ولكنهم يفوقون الـ 20 شخصاً من جنسيات مختلفة غالبيتهم من مواطنين وهنود... بينهم سيدتان الأولى هندية و الأخرى تحمل الجنسية المصرية.

داخل الممر الضيق المقابل للسجل السكاني يتخذ هؤلاء الناس «مكاتب» لعملهم المريح، والمربح... بعضهم يأخذ موقعه على طاولات (الكافتيريا) المقابل للمركز ذاته... ويقصدهم يومياً عشرات الشباب العاطلين بدافع الحاجة إلى الحصول على الأموال، ربما غير عابئين بأنهم إنما يحرمون أنفسهم من فرصة التوظف الحقيقي التي قد تلوح من بعيد.

رجل الأمن الذي يعمل حارساً للمركز يقول: إن «المافيا» تحرص على الحضور من 7 صباحاً حتى 1 ظهراً وتستقبل أعداداً كبيرة من العاطلين «حيث يتم تغيير بيانات بطاقاتهم السكانية ببيانات صورية تبين توظيفهم في محلات او شركات بينما الواقع غير ذلك ويحصلون في المقابل على مبلغ 50 ديناراً بدافع الحاجة والعوز».

وبحسب معلومات مؤكدة فإن هؤلاء الأشخاص مضى على عملهم في هذا النوع من المتاجرة أربع سنوات، غير أن الجهات المختصة لم تتحرك لضبطهم حتى هذا الوقت.

ولأن «الرزق يحب الخفية» ولأن «خير البر عاجله»؛ فقد اختار هؤلاء الأشخاص «السجل السكاني» موقعا لهم لكي يتم الاتفاق مع الباحث عن عمل والدفع إليه نقداً، فيدخل مباشرة «السجل» ليغير بياناته، ومن هنا تضاف إلى العاملين في البحرين أرقام ليست صحيحة لأناس «تكبسهم» المادة إلى حوائط الحاجة وقلة المعروض من العمل، وهم لا يعلمون أنهم إنما بفعلهم هذا يفسحون المجال إلى المزيد من الأجانب لدخول البلاد وليحلوا محلهم في بعض الأعمال، ولينافسوهم في فرص العمل المتبقية.

ويبدو أن عناصر «المافيا» ليست هي المستفيد الوحيد من عملية الشراء هذه، إذ لا يبدو على هيئتهم أنهم المستفيدون أو الدافعون أساساً... إذ أنهم مجرد أدوات لآخرين يعملون كسماسرة أو وسطاء بين المحلات والشركات التي تحاول التملص من قوانين وزارة العمل الناصة على ضرورة تطبيق التوظيف المحلي للحصول على موافقة الجهات المختصة على إصدار التراخيص المطلوبة لمزاولة الأنشطة التجارية.

في الموقع ذاته، هناك أشخاص تبدو عليهم الوجاهة والنفوذ يطوفون بين الفينة والأخرى على «أدواتهم» البشرية من سماسرة ويزودونهم بالتوجيهات والإرشادات لضمان سير العمل بالشكل المطلوب، ويوفرون لهم السيولة المالية المطلوبة والاوراق الرسمية التي تعينهم على اصطياد أكبر قدر من الشباب العاطلين عن العمل.

المواطن ياسر سالم أبدى تعاونا مهما مع «الوسط» في الكشف عن هذه «المافيا»، فقام بتغيير بياناته في البطاقة السكانية كما هو مطلوب منه وتمت الصفقة بكل هدوء وكأن السماسرة يمارسون عملاً مشروعاً وطبيعيا.

التجربة التي أجراها سالم بينت - بإلاثبات العملي - ما يقوم به هؤلاء الأشخاص من الفتِّ في عضد الوطن ومن استقطاب عمالة «الفري فيزا» على حساب الشباب العاطلين عن العمل، حيث اتفق مع هؤلاء على إسناد بياناته في البطاقة السكانية الى محل تجاري وهمي ليكون بشكل صوري ايضاً موظفاً لديه. ولقاء هذه الحركة «البسيطة» و«اللطيفة» تسلم سالم بعد التغيير مبلغ 50 ديناراً.

سالم يشير الى معلومات خطيرة في هذا الموضوع اولها أن «المافيا» تعمل في هذا المجال منذ العام 1999 في المكان ذاته، وبالطريقة ذاتها، ولا يقل عدد العاطلين الذين يتم تحويل بياناتهم يومياً عن 30 شاباً وفتاة.

وبعملية حسابية مبسطة، فإن الأموال التي تنفق يومياً للتوظيف الصوري تبلغ 1500 دينار في اليوم أي 7500 دينار في فترة 5 أيام عمل طوال الأسبوع، و 30 ألف دينار في الشهر بمعدل 50 ديناراً لكل عاطل/عامل تم إغراؤه بالمشاركة في عملية الاحتيال الواسعة هذه.

هذا الكم الضخم من الأموال يجرى توزيعه على عناصر «مافيا الرخص» بحسب الاحتياج اليومي وبحسب العدد الذي يتوافر من فرائس العاطلين في اليوم الواحد لإجراء التوظيف الصوري لهم.

سالم يوضح أن الهدف من كل هذه العملية هو الحصول على ترخيصات لجلب الأيدي العاملة «الفري فيزا» وخصوصاً أن وزارة العمل تشترط في هذا الشأن أن يطبق صاحب المشروع نظام التوظيف المحلي أولاً بتوظيف مواطن على أقل تقدير ليتسنى له الحصول على الترخيصات المطلوبة.

في الموضوع ذاته يقول: إن أفراد «المافيا» يتلاعبون بهذا الشرط عن طريق التوظيف الصوري ثم تستصدر مئات الترخيصات «الفري فيزا» ويباع الواحد منها بمبلغ 8 دنانير.

«الوسط» تمكنت من رصد الممول لهذه المجموعة، ولكن الحضور الغائب للمراقبة الرسمية لما يجري أمر يثير الارتباك والحيرة، فالعملية واسعة النطاق وتنخر في أعماق المجتمع وتجري بشكل منظم منذ ما يقرب من أربعة أعوام تم خلالها تغيير تركيبة سوق العمل وهمياً بتزوير بيانات أناس ربما يقارب عددهم الـ 32 ألف مواطن إن كانت وتيرة التزوير وشراء حاجات المعوزين تسير بالسرعة ذاتها، كل هذا يعيدنا إلى الأرقام الرسمية التي تطرح، وحسابات الجهات الدارسة لأوضاع سوق العمل المحلية، إذ ربما عليها أن تبدأ جولتها هذه المرة من طاولات (كافتيريا) السجل السكاني ودِكاك الأزقة المحيطة بها

العدد -6 - الثلثاء 03 سبتمبر 2002م الموافق 25 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً