العدد 3361 - السبت 19 نوفمبر 2011م الموافق 23 ذي الحجة 1432هـ

الحفاظ على البحرين... مسئوليتنا جميعاً

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

لعل أحد أبرز عوامل تصاعد حدة التطرف في الخطاب، وزيادة التشنج الاجتماعي إلى حد المواجهة المباشرة بين أبناء الدين الواحد، هو الغياب الصارخ للوسطيين والفئة المعتدلة في هذا البلد، والذين تواروا تحت وطأة الترهيب والوعيد والتلويح بالمقاطعة الأهلية.

من يعتقد بأن الأحداث التي حصلت في فبراير/ شباط ومارس/ آذار وما تبعها من وقائع متسلسلة حتى اليوم، هي وحدها التي تسببت في نشوء الشرخ الطائفي، يبقى عليه أن يعاود مراجعة حساباته، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال تجاهل الصوت المتطرف الذي استخدم - ولايزال - كل الوسائل المتاحة، لإيصال رسالته المعبرة عن التشدد ومصادرة رأي المكون الآخر في المجتمع.

قطعاً قبل الأحداث لم يكن التعصب المذهبي والاصطفاف الفئوي كما هو ماثل الآن، بيد أن هناك أبواقاً ساهمت في اتساع الجرح، ومن يحاول التقليل من شأن هذه الحقيقة إنما يغالط نفسه برجاء ألا تفارق ذهنه الصورة المثالية للمجتمع الفاضل الذي يتسامى على النزاع، وبالتالي فإن هذا الهروب لا يعالج المشكلة بل يزيدها تعقيداً، ومن الأجدر أن تتحول المثالية التي يعيش في فلكها إلى تحرك واقعي، إذا كان ممن يؤمنون في قرارة أنفسهم بأن خط الاعتدال هو الأنجى.

هناك صف من المراقبين المتزمتين، يتربصون بالمعتدلين فإن صادف أن التقوا أو اجتمعوا في أحد المجالس مع أبناء الطائفة الأخرى، تم إدراجهم على رأس القائمة السوداء، وحُرض عليهم أبناء مذهبهم لمقاطعتهم والامتناع عن مجالستهم أو الترحيب بهم في كل المناسبات.

هذا الترهيب النفسي والفكري يحتاج إلى لجم فوري يتكئ على دعامة قوية، أساسها وحدة الصف ولمُّ الشمل والتلاحم الوطني لإنقاذ البلاد من الوقوع في يد أصحاب النزعات الفردية، واللاهثين وراء المكاسب الشخصية.

كل مواطن حر لديه عقل وضمير، عليه أن يخطو بقناعة وثقة، وألا يتأثر بدعوى وتحريض أي تيار، سوى وازعه الديني وفكره الحي، فنحن بشر ميَّزنا الله على سائر المخلوقات بالعقل، وعلينا أن نحكمه ونتحسس من خلاله الصواب من الخطأ، لا أن ننقاد نحو حتفنا مع سرب الجماعة التي ننتمي إليها بلا وعي، فإن حادت عن الحق نوقفها، وإن سلكت طريق الخير شددنا من أزرها وأعناها.

هذا التمرد على النمطية من المرء الفاهم المستنير، هو تحرر وانحياز صارخ للوطن على حساب الفئة والمذهب، وقفز على البيئة المحفزة للفكر الإقصائي، ومواجهة جريئة منه للتصدي إلى من يتعاملون بأعواد الطائفية لإشعال فتيل الأزمات وإبقاء نيرانها مستعرة إلى أبد الدهر، وهو أمر نعول عليه كثيراً في مرحلة حرجة مفصلية تتطلب اتخاذ مواقف جدية، لا تمتمات خافتة من وراء الستار.

المركب الذي يحملنا بدأت ثقوبه تتسع، والمياه تتدفق إلى قاعه بغزارة، ولا نملك إلا الابتهال لله الكريم، أن يحفظنا ومن معنا من الغرق والهلاك، وأن يكشف بقدرته الغمة عن هذه الأمة، ويصلح حالها على أيدي أبنائها المعتدلين الذين يهمهم حتماً ألا تصاب البحرين بسهم قاتل في وحدتها الوطنية.

النفوس وجلة والمعنويات مكسورة، والتعب انهك الناس، وكلما اشتدت وتيرة الشحن والتحريض، ازدادت الحياة تعقيداً وباتت الفرقة أقرب من اللقاء، والنفور أسهل من الاجتماع، وهذا أمر اعتقد بأنه لا يسر أي مواطن يحب هذا البلد وأهله، فالقلب يعتصر ألماً والروح ما عادت في عنفوان نشاطها، ولكن مازلنا نتعلق بأهداب الفرج، لأننا نؤمن بقول الخالق في محكم كتابه العزيز «إن مع العسر يسرا» (الشرح: 6).

الصمت عن قول الحق والتراجع عن إسكات أفواه الفتنة، هو تخاذل عن نصرة البحرين، وتحول للعقول الراجحة والشخصيات ذات القبول الاجتماعي من كلا الطرفين من خانة التوازن إلى مساندة كفة طرف على حساب آخر، وذلك لا يمكن وصفه إلا بالوهن والضعف إزاء مستقبل أجيال ستعيش في قعر خلاف طائفي لن يسلم من شره أحد، ولا يمكن بعد ذلك إصلاحه أو تداركه، فإما أن ينطق اللسان الآن لإعلاء مصلحة الجميع، وإما أن يصمت فينهار المجتمع بكل أركانه.

الساحة تعج الآن بمحتكري النبرة المتطرفة، يسجلون الأهداف الواحد تلو الآخر في ملعب بلا مدافعين أو حارس مرمى، يسرحون ويمرحون كيفما شاءوا، والشباك على وشك أن تتمزق من فرط التصويب والتسديدات المباشرة.

يعولون على بقاء الحال كما هو لكي ينتصروا فيحققوا أهدافهم بعيدة المدى، في تفتيت اللحمة الوطنية وتشتيت الكلمة، وقلب السكون إلى صخب وإزعاج وتناحر، وآن الأوان للتصدي لهم بالحجة والحكمة والتسامي على جراح وقلب كل الصفحات السوداء، والبدء في نسج واقع أفضل ينتشل البحرين من محنتها، واقع نتشارك جميعاً بكل ذرة من تكويننا في رسم ملامحه الجميلة، ليس من اجل تزيين حاضرنا وحسب، وإنما لنقش لوحة بديعة يفخر أبناؤنا وأحفادنا برفعها على صدورهم

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3361 - السبت 19 نوفمبر 2011م الموافق 23 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:52 ص

      الخطوط الحمراء

      و يش عقبه . عقب ما طلعت الريحة و سمعنا صوتها . و أنكسر الأناء و أنسكب الحليب . لكن بعدها بسيطة . الأعتذار عما بد و تصفية الخواطر بالديات و أحترام الرموز و المناقشات الهادفة و الجادة .

    • زائر 7 | 8:46 ص

      بارك الله فيك

      استاذنا كلامك عين الصواب بس نبا نفهم ليش المكابر على اصلاح الخطأ والاستمرار فيه والله تغربلنا

    • زائر 6 | 5:57 ص

      بحريني

      بارك الله فيك اتمنى من يقوم بثقب السفينه ان يقرأ مقالك و ان يفقه ما تقوله عسى الله ان يكشف القمه ويصلح ذات البين

    • زائر 4 | 5:15 ص

      بارك الله فيك على هذا الطرح المتزن

      والله يحفظ البحرين من كل فتنة التى لا ترحم أحد

اقرأ ايضاً