العدد 3373 - الخميس 01 ديسمبر 2011م الموافق 06 محرم 1433هـ

مدرسة الكرامة والإباء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في العشرة الأولى من هذا الشهر من كل عام هجري، يتغيَّر برنامجهم اليومي، ونمط معيشتهم، وتزداد قلوبهم رقة وحناناً، وتنزف مآقيهم الكثير من الدموع.

يستقبلون هذا الشهر بتزيين منتدياتهم ومجالسهم بالسواد، ويستحضرون قصة حدثت فصولها قبل أكثر من ألف عام، لمجموعةٍ من الفرسان النبلاء، الذين قضوا نحبهم في منتصف القرن الهجري الأول، دفاعاً عن القيم والمبادئ التي جاء بها محمد (ص) في وجه امبراطوريةٍ مستبدةٍ عاتية، تلبَّس أباطرتها الإسلام لبس الفرو مقلوباً.

يسيرون كلَّ صباح ومساء، ويزحفون كلَّ ليلة، نساءً ورجالاً، فتياناً وفتيات، شباناً وشيوخاً، حيث تنصب المآتم أعلامها. يأتون بأطفالهم إلى هذه المجالس ليتعلموا منها قصص بطولات أبناء الرسول وأهل بيته (ع)، وصمودهم على طريق الحق، ودفاعهم عن القيم، ليبقى الدين نقياً صافياً كماء السماء.

في هذه الأيام، تجود عيونهم بالدمع السخي وهم يستذكرون مقاتل الطالبيين وما جرى عليهم في كربلاء، وتجود أنفسهم بالعطاء السخي. ينشرون الموائد التي لم تخالطها شبهة أو حرامٌ أو مالُ سحتٍ، ينفقون من طيِّبات ما كسبوا، ويستقلـِّون كلَّ ما يقدمون. أسلافهم كانوا يقدمون أرواحهم، وتـُفرض عليهم الضرائب والمكوس، يعطونها بكل طيب خاطر، أيستكثر أحفادهم على الحسين (ع) هذا القليل؟

في هذه الأيام، كان أجدادهم يقيمون مجالس الندب في المزارع والبساتين، وفي تلك المساجد الصغيرة القليلة المبنية من الطين والأخشاب. بعد قرون أقاموا مآتم خـُصصت لإحياء ذكرى هذا الشهيد الكبير... والفرسان النبلاء الذين استشهدوا بين يديه.

لم تعد هذه المؤسسات مباني من حجر وأربعة جدران، وإنما تحولت إلى مؤسسات ضاربة الجذور، ذات عطاء ديني فكري ثقافي لا ينضب، يتنفس فيها الناس، ويستظلون بسقفها في أفراحهم وأتراحهم. منارات تشرع أبوابها مطلع كل عامٍ لتحتضن الجميع في مواسم العودة الجماعية إلى الله.

في هذه المآتم، يأتون بأطفالهم ليتعلموا دروساً في التاريخ، وكيف انطلقت أكبر الرسالات السماوية من غار حراء، وكيف وصلت بعد نصف قرن إلى مفترق طرق، بين الحفاظ على حرية المسلمين أو الاستسلام الجماعي للعبودية، وكيف صار يزيدٌ بينهم ملكاً... في غفلةٍ من التاريخ.

في هذه المجالس، يسمعون قصص التضحيات الجسام، ويلمون بأطراف الملحمة الكبرى، التي شارك فيها أطفالٌ وفتيان، ورجال وشبان، ونساءٌ وكهول، وشيوخ في أواخر العمر، دون أن تهن عزائمهم أو يفكروا لحظة في القبول بعيش العبيد. أحراراً كانوا، ومضوا أحراراً تحت ظلال السيوف.

في هذه المآتم والمنتديات، لا يسمعون كلاماً نابياً ولا فاضحاً ولا جارحاً، وإنما دعوات إلى التسامح والتقارب بين المذاهب والأديان والأقوام. منابرهم لا تدعو إلى عنفٍ، ولا تحرِّض على كراهيةٍ، ولا تستهين بقتل، ولا تستخف بسفك الدماء التي حرَّم الله. كلُّ دماء بني آدم عندهم حرام، هكذا علمتهم هذه المدرسة النبوية التي يرجعون إليها وبنورها يهتدون.

في هذا العصر... يعبِّرون عن مكنونات أنفسهم بالمواكب السيَّارة، وبالمسرح الجماهيري المفتوح، وباللحن الجنائزي المؤثـِّر، وبالقصيدة الحماسية الملتهبة بالعواطف والأشجان، وبالخطوط التي تتزين بأراجيز الشهداء وكلماتهم الأخيرة وهم ينزلون إلى الميدان، وباللوحة المعبِّرة التي تغلب عليها ألوان الطفوف

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3373 - الخميس 01 ديسمبر 2011م الموافق 06 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 5:30 ص

      سلمت يداك على هالمقال الرائع

      السلام عليك سيدي ابا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك, عليكم مني جميعا سلام الله ابدا ما بقيت وبقي الليل والنهار.

    • محب البحرين | 4:25 ص

      صروح المجد

      (طوبى لقوم أسسوا بنيانها**إرثا من الأجداد للأحفاد)
      (يحيون فيها ذكر آل محمد**أكرم بهذا النشئ والأجداد)
      (فيها تحوم قلوبنا ملهوفة**في كربلا تسعى كما الوفاد)
      (لتظل فينا كربلا محفورة**ونظل بسمك يا حسين ننادي)
      ويظل صوت الحق يعلوا صارخا**في كل شبر من ربوع بلادي)

    • زائر 11 | 4:18 ص

      شكرا

      شكرا لك على هذا المقال تحية لك .....السلام عليك يا ابا عبد الله الحسين

    • زائر 10 | 4:12 ص

      قال رسول الله (ص) حسين مني وأنا من حسين

      أشكرك كثيرا يا سـيد قاسم على هذا المقال وأعطاك ان شاء الله خير الجزاء

      أقبل يدك

    • زائر 9 | 4:09 ص

      المجد والخلود للحسين والعار ومزابل التاريخ للطغاة

      قم يا يزيد ..
      قم يا طاغية ..

      قم واسمع اسمك وهو يغدو سُبةً
      وانظر لمجدك وهو محض هباءِ
      وانظر إلى الأجيال يأخذ مقبلٌ
      عن ذاهب ذكرى أبي الشهداءِ

      ما جدوى البكاء عليه .. هذا سؤال من لا يريد
      أن يعترف بأن هذه الثورة هي ثورة قيم ومبادىء
      وحقوق

    • زائر 8 | 4:08 ص

      إبــــاء ... الشهداء / لمصطفى جمال الدين

      ذكراكَ، تنطفئ السنينُ وتغربُ ولها على كفّ الخلود تلهُبُ، لا الظلم يلوي من طِماح ضرامها أبداً، ولا حقدُ الضمائر يحجب، ذكرى البطولة، ليلُها كنهارها ضاحٍ تؤجّ به الدماء وتلهب، ذكرى الإباء، يرى المنيّة ماؤها أصفى من النبع الذليل وأعذب، ذكراك مدرسة الذين تعرّضوا للسوط، يحكم في الشعوب، فأرعبوا، ومحجّة الشهداء يخشاهم – وهم صرعى به - السيفُ اللئيمُ ويرهب، مولاي.. دربُ الخالدين منوَّر بالذكريات الغرّ، سمحٌ، مخصِب، تهفو لروعته المنى، لكنه - مما يحيط به الفجائع – متعِب.ومأجــورين ... نهوض

    • زائر 7 | 3:33 ص

      ثورة الحسين المحور الذي ستدور الأرض حوله حتى قيام الساعة

      كل يوم عاشوراء وكل أرض كربلاء حقيقة واقعة بكل جلاء.. الثورة بين المستضعفين بكل إيمانهم والجبابرة بكل نفوذهم وبطشهم والحسين كان الملهم والمدرسة مدرسة الكرامة والإباء..
      السلام عليك يا أبا عبدالله وعلى الأرواح التي حلت بفنائك وأناخت برحلك
      بورك قلمكم سيدي ..

    • زائر 6 | 1:42 ص

      ألنبلاء

      نعم إنهم وألله إنهم لأنبـل ألفرسان فهم معيننا ألذي لا ينضب.

    • زائر 5 | 12:47 ص

      ان كلماتك

      ان كلماتك هي لوحة سرياليه تخلد اعظم ملحمة في تاريخ البشريه الا وهي ملحمة الطف ومابعد الطف موفقين سيدنا

    • زائر 4 | 12:15 ص

      الحسين مصباح هدى ،،،،

      كثير منا يسئل لما كل هذا التعلق بالحسين ع ؟؟ انسان مات من قبل

    • زائر 2 | 11:12 م

      نعم سيدنا انها الكرامه والاباء

      وساموه ان يركب احدى اثنتين
      وقد صرت الحرب اسنانها
      فاما يرى مذعنا اة تموت
      نفس ابا العــــز اذعانها
      هكذا كان عليه السلام لم يذعن فجروعه ظلما واهل بيته كاس الحمام قال كلماته التى في مجاميع الناس ليلقى الحجه على قاتليه فبدا( اني لم اخرج اشرا ولا بطرا انما خرجت للاصلاح في امه جدي رسول الله اي رساله اصلاح هذه ياسيدي هل هناك اسمي من ان يقدم الانسان نفسه وولده اهله قرابين في سبيل الله ومن اجل اصلاح وضع غلط قائم على ظلم الناس بابي انت وامي ياملهم الاحرار مدى الازمان يا حســـــــين

    • زائر 1 | 10:56 م

      سقاك الله من كف أباه

      سقاك الله من كف أباه شربة لاتضمئ بعدها ابدا

اقرأ ايضاً