العدد 3381 - الجمعة 09 ديسمبر 2011م الموافق 14 محرم 1433هـ

زيارة الهند «فريضة سياحية»

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تأكَّدت الآن أن مُزحة لطالما سمعتها باتت حقيقة. في كلّ مرة، كنتُ أسأل فيها زميلاً لي من شبه القارة الهندية عن حاله وأسرته يرد عليَّ مازحًا: الهند لله! يقولها وهو يعني عبارة (الحمد لله) لكنه يقلب الحاء هاءً، والميم نونًا للتفكُّه. العبارتان صحيحتان بالكامل، لغة واصطلاحًا. فالحمد للرَّب أمرٌ صحيح وواجب، وأمر الهند له أيضًا صحيح وواجب. كيف؟!

زرتُ الهند في رحلة عمَل. قصَدْت مناطق عِدَّة فيها بينها محافظة شمالية تسمَّى Uttaranchal وتقع في حَلق شبه القارة الهندية، حيث تتاخم جمهورية النيبال من جهة الشرق. والنيبال التي تجاور الصين من جهة الغرب، هي بلدٌ تأسَّس فيها النظام المَلَكِي في العام 1768م، ثم تحوَّلت إلى النظام الجمهوري في العام 2008م بعد حادثة القصر الملكي الدموية، وهي إحدى أهم قلاع الديانة البوذية في العالم، حيث تحوي أرضها أندر التراث البوذي

كل مَنْ يحلّ في مطار أنديرا غاندي الدولي في دلهي لا يُمكنه إلاَّ أن يُشيد بحسن البناء وتقدم التكنولوجيا في نظامه الإداري والأمني، ورقي المرافق والخدمات التي به. بل هو يفوق الكثير من المطارات الأوروبية والعربية من حيث السِّعة والتنظيم والخدمة. عندما تخرج من المطار يلاحقك وَهَجُ التطور، والمناظر المبهِجَة إلى مسافة تقدر بثلاثة كيلومترات. بعدها تتفرّع الشوارع، فتأخذك بعضها إلى مسارات تفضي بك إلى أحياء يسكنها أصحاب الذوات، وتتشح بشوارع محمولة والتفافية، ومسارات أخرى تأخذك إلى درجات تقل وتكثر عما رأيته توَّاً.

بالعودة إلى منطقة (Uttaranchal)، فهي تعتبر إحدى المستوطنات الجغرافية المحشورة في جوف جبال الهمالايا العظيمة، وهي أيضًا، إحدى المناطق المقدسة للهندوس تاريخيًا، وعلى طريقها يقع نهر الجانج، الذي يستقبل كل نصف عام أكثر من 70 مليون حاج هندوسي من جميع الفئات العمرية والمراتب الاجتماعية والسياسية بغرض الاغتسال، في مهرجان عارم يُدعى بـ (آرده كومبه مِيلا) وهو يستمر لأكثر من 42 يومًا، وهو أكبر تجمع للبشر يُنظَّم في العالَم.

محافظة Uttaranchal تضم بداخلها 13 ولاية بينها منطقة تسمى نانيتال (Nainital). هذه المنطقة التي تقع على سفوح جبال الهمالايا ترتفع عن سطح الماء بـ 6358 قدم، وتتوسطها بُحَيرة على شكل فاكهة الكمثرى، يفوق عُمقها عن الـ 3000 قدم كما قيل لنا، ويعيش على مائها شربًا واغتسالاً وطاقة زهاء 50 ألف إنسان هم تعداد سكان نانيتال. لا توجد أي مُسطَّحات جغرافية في هذه المنطقة، وإنما هي عبارة عن مدينة منحوتة في ظهور الجبال المتقابلة وأكتافها، بطريقة وكأنها قد حُفِظَت بين كفَّيْن مضموميْن لبعضهما. كما أنها قليلة الشوارع المستقيمة، كثيرة الأزقة الملتوية، التي بالكاد تدخل فيها سيارة صغيرة.

بين العاصمة دلهي وهذه المنطقة سبع ساعات إذا ما تكفَّل بنقلك دليلٌ حصيف بالأثر، وتسع ساعات لمن يسلك الطريق التقليدي لها. لكن يُمكن لأي أحد أن يستقل طائرة داخلية تأكل له أكثر من نصف الطريق، حيث تأخذه إلى مطار بانتناغار (Pantnagar) التي تبعد عن مركز نانيتال قرابة الثلاث ساعات بالسيارة. لكن ذلك الطيران ليس متاحًا في كل الأوقات بسبب تردي الطقس في تلك المنطقة، والذي يشهد دائمًا ضبابًا كثيفًا وأمطارًا رعدية، ورياح شديدة السرعة. لكن، وفي كل الأحوال فإن الأكيد، هو أن الطرق الثلاثة جميعها شاقة.

طوال الطريق، ترى جزءًا مهمًا من حقيقة الهند. في شوارع العاصمة ومطارها تعتقد أنك في بلد من العالَم الصناعي الأول حيث أوروبا أو الولايات المتحدة، لكنك وبمجرد أن تغوص في شوارعها الداخلية تتراءى أمامك بعض المشاهد الحقيقية لهذا البلد. صحيح أن الهند هي بلد متقدم وبه عظمة التأثير السياسي في محيطه والعالَم إلاَّ أن عوامل ديموغرافية واقتصادية وتاريخية جعلت جزءًا من أرضه وناسه بهذه الكيفية من البؤس الاجتماعي والاقتصادي المريع. بالرغم من أن الأراضي الهندية، هي من أجمل أصقاع الدنيا، وأغناها ثروة طبيعية.

وعندما تتجه شمالاً وتتعمق في مقاطعات غاروال وألمورا قبل أن تصل إلى نانيتال، ترى بعض ملامح ذلك البؤس. أول ما يسترعي الانتباه، هو أن العمل الشاق أصبح قدَرًا على الجميع. فترى الكبار والصغار والنساء جميعهم يعملون بغير ملل. ترى أيضًا أن وسائل المواصلات لا تحمل تعقيدات كالتي هي عندنا. لذلك، فإنك تتفاجأ بأن الآلاف يستخدمون شبكة القطارات، لكن آلافًا أمثالهم أيضًا يستخدمون البغال والثيران بطريقة لا تخلو من العجب، الممزوج بالفكاهة أيضًا، نظرًا لما تتمتع به الأبقار هناك (ولدواعٍ دينية وروحية)، من رعاية واهتمام «استثنائي» في حين يلقى بعلها العنت والمشقة، في عملية الشحن والمواصلات.

أيضًا، ترى كيف أن المواطن الهندي هناك تنطبق عليه كلمة غارسيا ماركيز بالتمام، حين قال «يعيش تحت رحمة الحظ والقدر، ويأكل ما يجده وينام حيث يشاء الله». هذا بالضبط فيما تراه هناك، عند العديد من الناس. بعضهم يفترش الأرض طمعًا في قيلولة نوم. وبعضهم يأكل ما يصادفه من طعام، حتى ولو كان من فتات موائد، داخل مكبَّات القمامة. في المحصلة، لا أحد منهم يموت جوعًا، رغم أن الجوع، يظهر أنه السِّمة الأكثر ملازمة للناس هناك.

مررنا، بمناطق تسكنها أغلبية هندوسية. ومررنا بمناطق أخرى تسكنها أغلبية مسلمة. ما تلحظه هو الفارق بين هذه المناطق وتلك ليس كبيرًا سوى في الشارات والعلامات الدينية التي تمايز الهندوسية عن الإسلام كدين. لكن المناطق التي يسكنها المسلمون، كانت الأكثر عرضة للسيول والفيضانات المائية بسبب الأمطار الموسمية، لذلك فإنك تجد كيف أن مساحات واسعة لا زالت تطمرها المياه، وهي إحدى العوامل التي تزيد عادة من بؤس المواطنين هناك. وخلال شهر سبتمبر الماضي تضرّر ما يزيد عن مليوني إنسان في المناطق الشرقية للهند، وبالتحديد في ولاية أوريسا. (للحديث صلة)

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3381 - الجمعة 09 ديسمبر 2011م الموافق 14 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:31 م

      شكرا

      شكرًا لك على المقال الرائع عن الهند الي لها ذكريات عندي لا تنسي قضيت امثر من اربع سنوات في هذا البلد.. انتظر تكملة المقال

    • زائر 1 | 12:02 ص

      سؤال

      شكرا على المقال وهذه المعلومات لكن السؤال كيف كانت الهند وباكستان جزء واحد بالرغم من الاختلاف الجذري بين البلدين حتى في الشكل فضلا عن التفكير والميول والعقائد؟؟؟؟

اقرأ ايضاً