العدد 3393 - الأربعاء 21 ديسمبر 2011م الموافق 26 محرم 1433هـ

التنوير في البحرين

يوسف مكي (كاتب بحريني) comments [at] alwasatnews.com

كاتب وباحث بحريني

يمكن القول، إن ثقافة التنوير في هذا البلد (البحرين) قد مضى عليها نحو قرن من الزمان، إذا لم يكن أكثر من ذلك؛ إذ تعود البذور الجنينية لفكرة التنوير إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر على أبعد تقدير.

بهذا المعنى من الناحية التاريخية فقد واكب التنوير البحريني (إذا جاز القول) مثيله العربي في الشام والعراق ومصر والحجاز وتونس وبقية الدول العربية الناهضة.

كانت بدايات التنوير فكرية ثقافية أدبية؛ إذ كان رجال الفكر والثقافة هم الرواد في مثل هذه الحال. الرواد في نشر ثقافة التنوير ومؤسسات التنوير، والاحساس بأهمية الخروج من زمن راكد إلى زمن آخر وفي مواجهة مجتمع آخر، كل ما فيه جديد ومتجدد من الثقافة إلى السياسة، بهدف مواكبة التغيرات والمستجدات في هذا العالم والخروج من عصور الاسترخاء.

نعم كان التنوير البحريني ثقافياً/ فكرياً، وقد قطع شوطاً لا بأس به في تعميم نتائجه على كامل مساحة المجتمع البحريني والخليجي إلى حد ما، ولم تمضِ عقود من الزمن إلا وقد أصبحت البحرين قبلة ثقافية لكل أهل الخليج العربي، تشخص إليها أبصارهم، ويأتون إليها ينهلون من معينها التنويري في التعليم والصحافة ومختلف أشكال الثقافة والفكر والأدب.

لكن التنوير بمعناه الثقافي على أهميته لا يستقيم دون الوجه الآخر للتنوير ألا وهو التنوير السياسي، لذلك لا غرابة أن يكون قادة التنويرالثقافي في هذا البلد هم أنفسهم قادة التنوير السياسي، إيماناً منهم أن التنوير الثقافي/ الفكري لا يمكن له أن يؤتي ثماره المرجوة دون تنوير سياسي. فكل منهما يستدعي الآخر ويدعمه.

إن وعي الرواد الثقافيين والسياسيين الأوائل منذ البدايات التاريخية الأولى لهذا التلازم بين التنوير الثقافي والسياسي، كان يعنى بالنسبة إليهم أن التنوير هو عملية كلية شاملة لا تتجزأ، بمعنى أن تغيير البنى الثقافية والفكرية التى عفى عليها الزمن في المجتمع، ولم تعد صالحة، لا بد أن يوكبها تغيير في البنى السياسية التي هي أيضاً تجاوزها الزمن، ولم تعد تلبي متطلبات واستحقاقات المرحلة.

لذاك لا غرابة أن نجد أن دعاة التنوير، هم قادة الرأي العام، وهم قادة التنوير السياسي منذ البواكير الأولى لحركة النهضة البحرينية، والأمثلة كثيرة في هذا الشأن.

إذن التنوير هوعملية تاريخية كلية لا تتجزأ. فلا يمكن أن يكون هناك تنوير ثقافي حقيقي دون أن يتوَّج بتنوير سياسي، فهذا الأخير هو النتيجة المنطقية والتاريخية للتنوير الثقافي (هذا ما حدث في أوروبا)، ودون ذلك يصبح التنوير الثقافي في مهب الريح، وفي أحسن الحالات يصبح تنويراً مبتوراً أو منقوصاً؛ إذا لم يصل إلى نهاياته المنطقية، أعني الوجه السياسي للتنوير؛ اي للتغيير.

ولكن ماحدث في البحرين، أن عملية التنوير، على رغم بداياتها الصحيحة والواعدة والمبشرة بكثير من النتائج لم تستطع إنجاز الجانب السياسي من التنوير لأسباب كثيرة، وظل هذا الجانب عصياً على الإنجاز حتى في حدوده الدنيا، ابتداءً من محاولات بدايات القرن العشرين ومحاولات العشرينيات والثلاثينيات، مروراً بالخمسينيات والستينيات والسبعينيات والتسعينيات حتى الآن.

وفي ضوء عدم القدرة على إنجاز المجتمع للتنوير السياسي المطلوب، فإن التنوير الثقافي يبقى عرضة لتجاذبات البنية السياسية السابقة على التنوير والمنتمية إلى سوسيولوجيا ماقبل التنوير، ويصبح المثقفون بمختلف أشكالهم يدورون في منطق البنية السياسية السابقة على التنوير (على رغم القيافة الحديثة التي يلهجون بها)، والتي تشتغل بطبيعة الحال بالضد من التنوير بمعناه الشمولي/ كما حدث في الغرب أو اليابان مثلاً.

ووفقاً لهذا المنظور يمكن للمرء أن يؤكد أن منجزات التنوير الثقافي قد ضاعت في امتناع السياسي على التغيير ومواكبة الزمن. وبناءً على هذا الوضع المتاقض بين وجهي التنوير (الثقافي/ السياسي) لا بد من التعويل على أهمية إنجاز التنوير السياسي بما يعني ذلك من نتائج ومترتبات، ودون ذلك سيبقى التنوير الثقافي في البحرين مجرد تابع أو ملحق لمقتضيات ومصالح البنية السياسية الجامدة ولا حول له ولا قوة. ويكفينا تدليلاً على ذلك ما نشهده من تشرذم وتذرر لفئة الانتلجنسيا (المثقفين) وهي الفئة المفترض فيها أن تكون حاملة للواء التنوير عموماً، والتنوير السياسي غير المنجز خصوصاً، لا أن تكون مبررة للاستبداد تحت ذرائع أقل ما يقال عنها أنها واهية.

نخلص إلى القول، إن مشكلة عدم إنجاز التنوير بمعناه الشمولى لا يعود إلى ما هو ثقافي، بل إلى ماهو سياسي، وهنا بالضبط إشكالية التنوير في البحرين، ذلك أن دور البعد السياسي يحتل الأهمية القصوى في الامكانات اللامحدودة في استعادة التنوير البحريني دوره التاريخي. فهل يستوعب السياسي ذلك ويستجيب لمنطق التاريخ لتغيير بنيته؟ سؤال جوابه برسم المستقبل

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي (كاتب بحريني)"

العدد 3393 - الأربعاء 21 ديسمبر 2011م الموافق 26 محرم 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:28 ص

      التنوير محبوس في قفص الأتهام

      إن ما يؤسف له هو التسلط السياسي على كل ما يقود للتنوير سوى ما هو سياسي (وهو الأصعب بسبب الخوف من الظلم) أو إجتماعي أو غيره .إن الحد من الحريات العامة والمؤا خذة على أي تعبير عن المطالبة بإصلاح إقتصادي أو حقوقي أو سياسي - يعتبر جرم وتتهم بأبشع االأتهامات كمحرض أو عميل لبلد خارجي أوخائن أو ..... كما حصل في مصر والبحرين واليمن وليببا وسورية أليس كذلك؟؟؟؟

      إن النهضة الفكرية ستنمو إذا ما حصلنا على حقوقنا الأساسية والله ويش رأيك ؟؟؟؟؟

    • زائر 1 | 1:12 ص

      اخي العزيز يوسف

      الناس في غالبهم لا علاقة لهم بما تتحدث عنه من تنوير وثقافة وفكر ، ولا شك انك اطلعت على تقرير التنمية الثقافية الصادر عن مؤسسة الفكر العربي الذي جاء بأرقام مخجلة بأن معدل القراءة عند العرب 6 دقائق سنوياً مقابل 200 ساعة عند الأوربييين ولكي تتأكد من هذه الظاهرة انظر الى مقالك لم يقرأه احد ولا تعليق واحد اين ....والزمارة والمداحين والذمامين لا احد لأنه مقال يعالج الفكر

اقرأ ايضاً