العدد 3400 - الأربعاء 28 ديسمبر 2011م الموافق 03 صفر 1433هـ

خطيئة الرجل تُمرّر وخطيئة المرأة لا تغتفر

قراءة لرواية «رغبات شيطانية» لوفاء عبدالرحمن

عبدالعزيز الموسوي comments [at] alwasatnews.com

.

«رغبات شيطانية» الرواية الصادرة حديثاً عن دار فراديس للنشر والتوزيع هي ثاني إصدار للروائية السعودية وفاء عبدالرحمن بعد ظهورها الأول في رواية «حب في العاصمة».

الرواية توغل في القضايا الاجتماعية وتتخذ من المجتمع السعودي مكاناً أصبح الجميع يدرك مدى ثرائه بالمفارقات والخباياً التي كلما كُشف عن ساقيها تاقت الناس إلى المزيد من الكشف والفضح.

تظل وفاء عبدالرحمن مخلصة لأسلوبها الكلاسيكي؛ إذ يتزعم الراوي العليم عملية السرد دون أن يبخل على الشخوص من أن تمارس دورها أيضاً بشكل متزن، وتكثف وتختزل الكثير من القضايا من خلال تركيزها على الأبطال (أمل، طلال، راشد) فيما تعبر بقية الشخوص في فلك التأزيم والضغط على هذه الشخصيات المحورية.

وبتلخيص للحدث العام في الرواية تكون «أمل» هي الجاني والمجني عليه في آن؛ إذ تجبرها الأقدار على الارتباط بـ «راشد» لكنها تعاني من تعنته على رغم انفتاحه ودراسته في بريطانيا؛ إلا أنه مسكون بالشراب والشك المفرط؛ ما تسبب في طلاقهما في بادئ الأمر، لكن راشد يعود معتذراً. وأمام ضغط الأهل لقبول توبته، تقبل أمل بدورها مرغمة لتنجب منه «سمر و فارس و لمى» يستمر راشد في حياته الخاصة وتجد أمل فرصتها في عملها كمدرسة ثم تتدرج في أنشطتها الإنسانية مستعرضة الكثير من القضايا أهمها الفقر في مناطق دون سواها، يدبر لها القدر وهي في خضمّ انشغالاتها لقاءً بالدكتور»طلال» في إحدى الورش لتتطور علاقتهما بعد ذلك.

تقع أمل في الفخ بملء إرادتها، يدفعها حرمانها من الحب الحقيقي مع راشد الذي يطأها كما يفعل أي حيوان ويمضي في حال سبيله، مع طلال كانت تجد أمل أنوثتها، تجد من يسمعها ويربت على حزنها ويبدد قلقها، لكن الخطيئة هي الخطيئة محفوفة دائماً بالمخاطر، يكشف أمرها السائق الآسيوي ويحاول أن يستفيد من هذه الخطيئة لصالحه إلا أن أمل تصد الباب في وجهه دون اكتراث، إلا أن الخبر الذي انتشر بين السائقين الأجانب وصل لزوجها في نهاية المطاف، فكانت الفضيحة من جهة تقابلها ورقة الطلاق وحرمانها من أطفالها ونبذها أهلها جميعاً.

حين هدأت الأوضاع قليلاً وثارت رغباتها من جديد على رغم حزنها وألم قلبها على فراق طفلتها الصغيرة راحت تبحث عن طلال فوجدته شخصاً آخر قد استبدلها بأخريات، لم يكن بمقدورها الاحتجاج، عادت أدراجها تتراءى أمامها صور أطفالها تحاول احتضانهم فلا تجد إلا السراب من حولها فتسقط في الضياع.

أولاد أمل قد رتبت لهم الكاتبة أدواراً تقليدية فسمر تتزوج وتختفي من المشهد مع زوجها ثم تظهر قبل انتهاء المشهد لترعى اختها الصغرى لمى دون أن تستطيع لقاء أمها تنفيذاً لرغبة زوجها. أما فارس فيهتدي إلى الصراط المستقيم بعد موت صديقه ماجد بجرعة زائد ويبدو أنه قد ارتدى ثوب الواعظ والمجاهد في سبيل الإسلام متأثراً بإمام المسجد الذي تاب على يديه. تأتي لمى آخر العنقود لتشكل هاجساً آخر وشاهداً على أم هزمتها رغبتها وحرمتها أمومتها.

قد يضع القارئ بعض العذر لأمل ويبدو واضحاً محاولة التأثير والتعاطف لكن الخطيئة تبقى خطيئة لا يمسحها التبرير في النهاية وأعني «خطيئة المرأة» فحسب. فخطيئة راشد غفرها الجميع حين تعدَّى بالضرب والسكر والطلاق بينما وقف الجميع في وجه أمل ووصمها بالعاهرة.

وفاء عبدالرحمن اشتغلت بـإخلاص في هذا العمل ومن البارز جداً التطور الجميل في الأدوات والتكنيك بالإضافة إلى الوعي الواضح متمثلاً في التوظيف المعرفي كالحوارات التي دارت بين أمل وصديقتها مها وخاصة المقارنة في قضية «متلازمة ستوكهولم» التي أتقنت فيها المقارنة والتوظيف بشكل ملفت.

وفاء ظلت مخلصة للسرد التقليدي؛ إذ منذ البداية سيجد القارئ فضحاً وتحليلاً لنفسيات الشخوص التي سيتابع حكاياتها وإعطائه الأسباب لأفعالها، فهي تبرر لراشد مثلاً عربدته بقسوة والده عليه في طفولته وتجد أن دراسته في الخارج عزلته عن التطور الحاصل في بلده «كقبول المرأة بشكل أفضل بعد إثبات جدارتها في الدراسة الجامعية، وتغير الأدوار في المجتمع بعد دخول العمالة الأجنبية كالخادمة والسائق في خدمة أكثر المنازل»صـ13. وعلى رغم عدم اقتناعي كقارئ بتبرير العزلة في بلد منفتح أصلاً يتوجب على العائد منه أن يكون أكثر وعياً إلا أن ذلك مثالاً بسيطاً للحجر على المساحة التي يفضّل أن تترك للقارئ لا أن تقدم إليه الشخصية بعلاتها ومرضها وتشخيصها بهذا الشكل المفضوح فـ « كثير من الوضوح جريمة».

الجميل في الرواية أنها توجِد للقارئ منافذ لقضايا كثيرة على رغم مرورها العابر مثل قضية الفقر في بلد ثري. أيضاً لفت انتباهي قضية استقدام العامل الأجنبي كسائق يؤتمن على البنت معه بينما تأتي قضية قيادة المرأة للسيارة فتنة للرجل وخوفاً عليها أيضاً من رجل!

أيضاً كيف استطاعت هذه العمالة أن تعي محيطها المنغلق وتستفيد منه بأكبر قدر ممكن بسبب الحرية النسبية والثقة التي تتمتع بها؟

أجد أن الروائية في هذا العمل قفزت إلى الأمام بشكل متدرج ومتزن ولأني قد سبق وقدّر لي أن أقرأ عملها الأول أجد أن هذا العمل يشي بالأجمل المقبل حتماً

إقرأ أيضا لـ "عبدالعزيز الموسوي"

العدد 3400 - الأربعاء 28 ديسمبر 2011م الموافق 03 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:43 م

      مقال جميل

      ارى ان المراة اجمل ما في الكون والرجل هو الذى يستطيع ان يملك المراة ويكسب كل الاشياء الجميلة التي تتمتع بة

اقرأ ايضاً