العدد 3405 - الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ

مكافحة الفساد في الوطن العربي... الانتقال من النخبوية إلى الجماهيرية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

قدم الناشط الهندي المناهض للفساد آنا هازاري، نموذجاً لما يمكن لفردٍ أن ينجح فيما فشلت فيه أحزاب ومنظمات وحركات مناهضة للفساد في بلد ديمقراطي كالهند، لا توجد فيه قيودٌ على نشاط المجتمع المدني أو المعارضة السياسية.

لقد قرر هذا الناشط وعمره 74 عاماً، أن يشن إضراباً عن الطعام قبل ثلاثة أشهر احتجاجاً على النص الأصلى لمشروع قانون لمكافحة الفساد ومن أجل الإفصاح والشفافية يتضمن تشكيل لجنة مستقلة من تسعة أعضاء لتلقي الشكاوى ولها سلطة مقاضاة السياسيين وموظفي الدولة. وكانت الصيغة الأولى تستثني النواب من إعلان ذمتهم المالية قبيل انتخابهم في غرفتي السلطة التشريعية (مجلسي الشيوخ والنواب)، والحصانة من الملاحقة القضائية أثناء عضويتهم في السلطة التشريعية.

الهند بلد ديمقراطي، وبه قضاء مستقل ونزيه، والحياة السياسية حيوية والسلطة التشريعية فيه قوية، ومنظمات المجتمع المدني مزدهرة بما فيها تلك المهتمة بمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية. لكن الفساد في الهند شائع، وكم من فضائح تكشفت وتورط فيها رؤساء حكومات ووزراء ونواب وسياسيون ومسئولون كبار، وخصوصاً أن الهند تشهد ازدهاراً اقتصاديّاً لا سابق له، ومع الازدهار تنساب الملايين من الأموال التي تغري بالنهب، وخصوصاً في مجتمع تلعب فيه العلاقات القرابية والسياسية والشخصية دوراً مهمّاً في كل شيء.

آنا هازاري، ناشط في مكافحة الفساد، وله سجل حافل في ذلك، وقد قرر آنا هازاري أن يتصدى للصيغة الأولى من مشروع قانون مكافحة الفساد التي تحصن النواب من المساءلة، فقرّر أن يشن إضراباً عن الطعام في نيودلهي العاصمة، واختار الساحة المقابلة للبرلمان، وشيئاً فشيئاً تحوّل إضراب هازاري إلى حركة جماهيرية اجتاحت الهند من أقصاها إلى أقصاها، ضاغطةً على الأحزاب السياسية والنواب والحكومة، لتعديل صيغة المشروع بحيث يكون أكثر شموليةً وفعالية. ولم ينه هازاري إضرابه عن الطعام في المرة الأولى إلا عندما سحبت الحكومة المشروع، وأعادته معدّلاً ويتضمن مطالب هازاري، لكن هازاري اكتشف أن مجلسي الشيوخ والنواب يتلكآن في مناقشة مشروع القانون، فاستأنف إضرابه عن الطعام، وتجدّدت الحركة الجماهيرية المناصرة لهازاري، إلى أن اضطر رئيس مجلس الشيوخ إلى تحديد موعد قريب لمناقشة مشروع القانون وإقراره من دون تسويف.

الربيع العربي والفساد

تتبادر إلى ذهني حكاية هازاري وأنا أشارك في المؤتمر الثالث للشبكة العربية للنزاهة ومكافحة الفساد، التي انعقدت في مراكش في الفترة ما بين 19 و21 ديسمبر/ كانون الأول 2011، وهي الشبكة التي تأسست بمبادرة من دائرة الحكم الرشيد في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قبل ثلاث سنوات، وتضم في عضويتها جميع الدول العربية الراغبة في مكافحة الفساد، وكذلك المنظمات الأهلية العربية المعنية مكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية.

ولندع جانباً ما طرح في المؤتمر وشكل محوره الرئيسي وهو الربيع العربي كأهم تجلٍّ للانتفاض على الفساد المستشري في الدولة العربية، والذي لا سابق له في أية دولة أو مكان آخر، لكن ما أود طرحه هو ما دار حول دور المجتمع المدني العربي في مكافحة الفساد في الوطن العربي، وفي كل بلد عربي.

من الملاحظ أن حضور منظمات المجتمع المدني العربية المعنية مكافحة الفساد محدود جدّاً في هذا المؤتمر، وذلك يعكس تهميش منظمات المجتمع المدني في جميع الدول العربية من دون استثناء. لقد أثرت في مداخلتي في المؤتمر أن من أهم دلالات الربيع العربي، هو أن من أطلق هذه الحركة الاحتجاجية هم الشباب، وهم بغالبيتهم لا ينتمون إلى أحزاب سياسية أو منظمات مجتمع مدني، وذلك لعدة أسباب أهمها أن أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني المستقلة في البلدان العربية محاصرة ومهمشة أو غير موجودة بالأساس. كما أن الأنظمة العربية تعمد إلى إفساد نخب وقيادات هذه الأحزاب والمنظمات أو قمعها، كما تعمد إلى خلق أحزابٍ معارضةٍ ومنظمات مجتمع مدني تابعة لها، ودعمها لإفساد العمل السياسي والمجتمعي، ولكي يختلط الحابل بالنابل بحيث ييأس الجمهور من جدية الأحزاب والمنظمات الأهلية، لإحداث أي تغيير.

أما السبب الآخر لهذا الاقصاء فهو أن غالبية قيادات وكوادر وأعضاء أحزاب المعارضة والمنظمات الأهلية هم من الشيوخ ممن تجاوزوا الخمسين، وهم بعيدون جدّاً عن نبض الشباب والنساء. لذلك أخذ الشباب الذين نشطوا بعيداً عن وصاية السلطة والأحزاب والمنظمات في فضائهم الخاص، واستخدموا وسائل التواصل الاجتماعي واستنهضوا الجماهير ونقلوا الاحتجاجات من الفضاء الافتراضي إلى الفضاء الواقعي في الشوارع والساحات.

وهكذا يشهد العالم العربي منذ ديسمبر 2011 بعدما أشعل الشهيد محمد البوعزيزي النار في نفسه وفي الهشيم العربي، عاصفةً لا سابق لها اجتاحت العالم العربي من المحيط إلى الخليج تحت شعار «الشعب يريد». ومن الواضح أن استشراء الفساد هو من أهم محركات هذه الحركة الاحتجاجية إلى جانب القمع والتهميش والبطالة ومصادرة الحريات وغيرها من العوامل التي نعرفها جميعاً.

لقد طرحت أنه في ضوء ذلك؛ على المنظمات الأهلية العربية والحركة العربية لمكافحة الفساد، أن تخرج من شرنقتها وتغادر العمل النخبوي، لكي تعمل مع الجماهير الواسعة التي تكتوي بنار الفساد، وتعيش واقع إفساد الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. بالطبع؛ فإن هناك جوانب تخصصية واحترافية عديدة في عمل المنظمات المعنية بمكافحة الفساد، لكن أي فكرة عظيمة أو هدف نبيل لن يتحول إلى قوة ضاغطة إذا لم تتملكه الجماهير وتقتنع به وتناضل من أجله.

هذا ما أثبته تجربة هازاري في الهند. كما أن الإجراءات المحدودة سواءً في معاقبة الحكام والمسئولين الفاسدين في البلدان التي نجحت فيها حركة التغيير مثل مصر وتونس وليبيا، أو حتى الإجراءات بحق بعض المسئولين الفاسدين كما في سلطنة عمان والمغرب وكما هو متوقع في اليمن والكويت، وحتى بعض الإجراءات المحدودة كتشكيل هيئات لمكافحة الفساد كما في السعودية، وتطوير الهيئات القائمة هي بعض من إنجازات حركات التغيير العربية خلال هذا الربيع العربي. من هنا؛ فإن على حركات التغيير العربية في الساحات والميادين والشوارع في مختلف الدول العربية ألا تستكين وتركن إلى القوى السياسية التي صعدت أو ستصعد إلى السلطة، ولا إلى وعود الأنظمة الحاكمة، بل يجب عليها الاستمرار في حركة مستمرة ضاغطة على الدولة والأحزاب، من أجل اجتثاث الفساد وسيادة النزاهة والشفافية في عمل الدولة والقطاع الخاص والمجتمع، لأن الحرب ضد الفساد والفاسدين هي حرب بلا نهاية وبلا هوادة

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3405 - الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً