العدد 3405 - الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ

وتريات بحرينية في ليلة وداعية

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

مع آهات وزفرات حرَّى هنا وهناك، وأمنيات حبلى بين الوداع والاستقبال؛ كان ختام آخر يوم من أيام السنة الماضية يحمل بين طياته غرائب وتناقضات ومقاربات لا تحدث إلا على هذا التراب. جاءت كالعزف على أوتار غير متناغمة «التون» كما يقال، فبعضها متوازن وبعضها نشاز جدّاً. وبين هذا وذاك كانت هذه الوتريات الليلية قبل وداع عام لم ينثنِ حتى آخر دقائقه لأن ركائزه كانت عمودين من واحد وواحد.

الوترية الأولى: في الصباح تلقيت اتصالاً من أحد الباحثين في التراث من عائلة النشابة الكريمة وهي إحدى عائلات صناع السفن في منطقة النعيم في زمن الغوص؛ ناقشني في المقال السابق وهو «سفن بحرينية لا تعرف الطائفية». وقد أكد في نقاشه أن أجواء المحبة والوئام التي كانت تعيشها بحريننا في زمن اللؤلؤ ليست وليدة الساعة بل بث البغضاء والكراهية هو وليد الساعة والطارئ على بلادنا. وهذا ما يجعلنا نتحسر على من أوصل سفننا إلى هذا الشاطئ المليء ببقع الزيت ذات الرائحة النتنة والغريبة علينا. وذكر الباحث في سياق الحديث حكايته مع أحد رجال الغوص من الحد الذي كانت له علاقة أخوية مميزة مع جده النشابة الأكبر، حين سأله عنه فترحّم عليه وسالت دموعه في ذكراه.

نعم... هكذا كان شعب البحرين من حِدِّه إلى محرقه ونُعيمه، إلى السنابس والبديع والزلاق. والتاريخ والتوثيق يشهد أن بحارة وغاصة السفن من البديع والحد والمحرق كانوا من جميع الأطياف. كما كان للباحث رأي خاص في عدد ورش صنع وإصلاح السفن البحرينية في ساحل البديع والنعيم في تلك الفترة وإن الأمر يحتاج إلى مزيد من البحث والدراسة.

الوترية الثانية: كان اليوم مميزاً في منتصفه بما عشناه مع الإمام المظلوم الحسن بن علي (ع)، وأرى الناس من حولي تبكي لوعة وأسى لما جرى من الأحوال واستعادة المظلومية ذاتها على رغم بُعد الشقة بالقرون. ثم مع المساء ازدادت ظلامية المشهد لا بسبب تعاقب الليل والنهار، بل بسقوط وردة من غصن الحرية على درب العدالة المنشودة، فتوجس الجميع من هذا الختام.

الوترية الثالثة: في آخر ساعات من ليلة سنة الأمل المنقوص، وفي مكان مّا، اجتمعت مجموعة من القطط لمناقشة قضية ندرة فضلات الأسماك في براميل قمامة الناس بسبب كثرة المفصولين وقطع الأرزاق ضمن الأحداث الأخيرة. اقترحت قطة بلهاء أن يتم استخدام (سينوغرافيا) المكان في فضاء براميل القمامة لجذب الناس نحوها في العام الجديد باستخدام الرقم المعقوف (2) لرمي فضلاتهم! ومع أن الاقتراح لم يكن له أية علاقة بحل القضية الرئيسية في الواقع؛ إلا أن إحدى القطط ذات اللون الرمادي والمعروفة بالمشاكسة دائماً وادعاء الفهم وحدها من دون غيرها؛ أيدت ما تفوهت به زميلتها البلهاء وأقنعت به زعيم القطط، بل وبالغت بإيهام باقي القطط بأهميته وبعبقرية صاحبته أيضاً. تم قبول المقترح المذكور، وقبل بدء التنفيذ وفي مساء اليوم ذاته، دهست سيارة مسرعة تطارد بعض (المخربين) تلك القطة المشاكسة، وسُجل الحادث ضد مجهول، فلم يخرج في جنازتها سوى... بعض الكلاب الضالة!

الوترية الرابعة: وقبل أن تقترب الساعة من الثانية عشرة مساءً تصفحت شعراً لشاعرين أحدهما شاعر البؤس العربي مظفر النواب وهو يشدو:

يا قاتلتي بكرامة خنجرك العربي!

أهاجر في القفر وخنجرك الفضي بقلبي

وأنادي: عشقتني بالخنجر والهجر بلادي..

وطني علمني أن أقرأ كل الأشياء

وطني علمني، علمني...

أن حروف التاريخ مزوّرةٌ حين تكون بدون دماء

وطني علمني أن التاريخ البشري

بدون الحب عويلٌ في الصحراء

وطني أنقذني... أنقذني من مدن يصبح فيها الناس

مداخن للخوف وللزبل مخيفة

من مدن ترقد في الماء الآسن كالجاموس الوطني وتجتر الجيفة.

وشاعر البحرين الشعبي عبدالرحمن رفيع وهو يغرّد بالعامية في «سوالف دنيا»:

تدرون ليش احنه اف حيره

ابلادنه جزيره صغيره

جالبوت ماشيه سماري

لا تبعدون يا اهل الديره

جدامكم يلبط يريور

الله يلعن ابو صيره

ما ينفع وياه ميدار

هذي يريور موب كفدار

طول عمره عايش بايك

واضروسه مثل المنشار

ما يسلم يوم من شره

غواص لولو أو بحار

لازم نحميها بلادنه

إحنه عرب، ساده، أحرار

أرضنه ذي من أيام نوح

إشلون نتركها وانروح

مزروعة فيها اعروقنه

ومنها اتراب جدودنه ايفوح

هذي أرضنه أمس واليوم

أو بتم على طول الأزمان

الوترية الخامسة: قبل أن اندس في دفء الفراش والعقارب تدنو من الثانية عشرة لمنتصف الليل، تذكرت حكمة مازلت أرددها منذ تفتحت عيناي وأنا على سلم الصبا والشباب، فلم أشعر إلا وأنا أكررها في الفترة الأخيرة بشكل يومي. تلك الحكمة تقول:

لكل داء دواءٌ يُستطب به..... إلا الحماقة أعيت من يداويها.

فعلاً ما أكثر الحمقى من حولنا وما أكثر الحماقات التي يرتكبونها يوميّاً ولا يعترفون بها كي لا يتراجعوا عنها ويقال عنهم حمقى بامتياز.

وترية أخيرة: ونحن مقبلون على عام جديد لابد أن نزداد فيه حبّاً وعشقاً للوطن وإن أدمت قدميك أشواك زرعه، لكنك تعلم بأن الشوك الفاسد وإن أدماك، فهو لا محالة زائل وتبقى قدماك راسختين بثبات فوق تراب وطنك.

ولتبقى تردد نشيد الغد الآتي من وراء صباح جديد...

أغرس نصلك المثخن بالكراهية والعبودية لغير الله في لحمي وشرايين دمي...

إلا أنك لن تغرس إلا حبّاً لوطني...

فيا غارس الحقد من زمن...

ألا تتعلم مني غرس الحب والود رغم كل المحن

أعلم أن نصلك لن يثمر إلا طوفاناً من المحبة في دمٍ

امتزج بحليب أمي وشكيمة وغراس أبي.

وقل لكل صوت ناعق في الخراب..

هل أنت للدرس مستوعب... أم نقول انتهى الدرس يا..

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3405 - الإثنين 02 يناير 2012م الموافق 08 صفر 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:25 ص

      استمر

      استمر في كتاباتك الله يوفقك وامثالك لترجعونا لزمن الاباء والاجداد المنصهرين في بعضهم وفي الوطن

    • زائر 3 | 2:07 ص

      نتنمنى

      ما اجمل ما قرأت كم حكمة وحكمة في هذه الوتريات ، نتمنى الغد الأجمل للبحرين، ونتمنى ان يهدي الله الحمقى ويتخلون عن حماقاتهم

    • زائر 2 | 1:52 ص

      اسعدت صباحاً استاذ السلمان

      فعلا كلام رائع ... كلامك ينقي القلب والنفس من كل خانقة ... تسلم اناملك على هذه الجمل المعبرة بكل معنى الكلمة

    • زائر 1 | 11:35 م

      وين ذيج الايام

      كلام راااااااااااااائع

اقرأ ايضاً