العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ

أبعد من «كابورال»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يتحول «الكابورال جلعاد شاليت» إلى ذريعة قاتلة للشعب الفلسطيني وتصبح فكرة الإفراج عن الأسير واسطة لاستكمال تدمير ما تبقى من بنى تحتية في قطاع غزة؟

المسألة تتجاوز السؤال في اعتبار أن الاعتداءات الإسرائيلية لم تبدأ منذ خطف هذا الجندي «الفرنسي الجنسية». فالعدوان تجدد تحت هذه الذريعة ولكن الاعتداءات مستمرة ولم تتوقف لحظة واحدة حتى حين أعلنت تل أبيب خطة الانسحاب من غزة من جانب واحد ومن دون اتفاق مع مفاوض فلسطيني. ومنذ الانسحاب الذي نفذته «إسرائيل» أعلنت حكومتها مراراً ندمها على ذاك القرار وهددت أكثر من مرة أنها في صدد توجيه ضربات عسكرية للبنى التحتية وتقويض مؤسسات السلطة الفلسطينية إذا لم تذعن إلى شروطها.

الموضوع إذاً أكبر بكثير من «كابورال». فهذا الأمر أعطى ذريعة لتنفيذ خطة التحطيم التي هددت تل أبيب بها مراراً. وقبل أن يتم أسر «الكابورال» الأحد الماضي ارتكبت «إسرائيل» سلسلة مجازر وغارات جوية ونفذت اغتيالات ضد مسئولين في تنظيمات وفصائل فلسطينية. وآخر تلك الاعتداءات الكبيرة كان ذاك القصف الذي نفذته المدفعية الإسرائيلية على شواطئ غزة وأدى إلى استشهاد عائلات كانت تقضي عطلتها الأسبوعية في ذاك اليوم الدامي.

إذاً ما الجديد في الموضوع حتى تتخذ «إسرائيل» من حادث اختطاف «الكابورال» ذريعة لشن هجومها التقويضي؟ فهذه الدولة تأسست أصلاً على مشروع القتل والسحل والتهجير واقتلاع الناس من أرضهم وقراهم ومدنهم. ومنذ لحظة التأسيس اعتمدت هذه الدولة سياسة إلغاء هوية فلسطين واستباحة تاريخها وهدم كل ما يشير إلى حقوق سكانها وحقهم في العودة. وحتى قبل حادث الخطف ارتكبت «إسرائيل» سلسلة انتهاكات ووجهت إنذارات بالاجتياح... وصل بعضها إلى حد الفضيحة الأخلاقية حين قتلت الأطفال على شواطئ غزة وتناقلت وكالات الأنباء تلك الجريمة التي انتقدتها الكثير من الصحف الأجنبية.

ماذا حصل إذاً حتى تدّعي «إسرائيل» أنها تقوم بتنفيذ تلك الموجات التدميرية رداً على الخطف؟ وما الجديد حتى تربط كل ما ترتكبه من جرائم قتل وتجويع وتمزيق للقطاع بذاك الحادث اليتيم؟

الأسئلة تؤكد أن الموضوع المرسوم سلفاً أكبر بكثير، وهو يتجاوز في جوهره السياسي تلك الذريعة التي تستخدمها حكومة إيهود أولمرت لتغطية أفعالها. فأولمرت كما يبدو اتخذ قرار الهجوم بناءً على ترتيبات مسبقة مع إدارة واشنطن حين قام بزيارته للولايات المتحدة للمرة الأولى بعد انتخابه. فالقرار ليس ردة فعل كما تحاول حكومة أولمرت إظهار الموضوع أمام العالم وخلال جلسات مجلس الأمن. كذلك الكلام الذي تفوّه به المندوب الأميركي في الأمم المتحدة والاتهامات التي أطلقها ضد سورية يؤكد أن المسألة تتجاوز «الكابورال»، وهناك ما يشبه التنسيق التام بين بوش وأولمرت في الموضوع.

وربما يكون هذا هو الهدف الضمني للعدوان الذي يريد أن يزور الوقائع بالإشارة إلى وجود شبكة علاقات إقليمية تقف وراء موضوع الخطف. فالسفير الأميركي في تل أبيب أشار منذ اليوم الأول إلى وجود دور فلسطيني/ سوري في موضوع الخطف. وكرر الكلام نفسه تقريباً السفير الأميركي في مجلس الأمن. كذلك اعتبر الرئيس جورج بوش أن خطف «الكابورال» يعتبر مفتاح المشكلة وإذا لم يفرج عنه من دون شروط فإن العدوان سيستمر.

ردود الفعل الأميركية وما أعقبتها من تعليقات وتصريحات كلها تدل على ذاك الرابط بين العدوان الإسرائيلي والسياسة الأميركية في المنطقة. فواشنطن تهدد وحليفها الاستراتيجي ينسق المواقف وينفذ الهجمات في مناطق محددة مقابل أن تقوم الولايات المتحدة برد المساعدة في مناطق أخرى.

العدوان الصهيوني على الضفة وغزة هو في جوهره سياسة أميركية - إسرائيلية مشتركة يعاد الآن إنتاجها في سياق مشروع عام يتجاوز حدود القطاع. وما يحصل من جرائم قتل وسفك لدماء الأبرياء وقتل المدنيين في العراق هو جزء من ذاك الإطار العام لأنه في النهاية يخدم مشروع التقويض والتفكيك وإثارة الفتن وشدّ الانتباه عن تلك الأفعال المنظمة التي تقوم بها يومياً ومن دون توقف حكومة أولمرت.

المسألة إذاً واضحة حتى لو وصلت المفاوضات بشأن «الكابورال» إلى طريق مسدود. فأولمرت مدعوماً من بوش يؤكد أنه سيواصل سياسة التقويض المبرمج والمنهجي إلى أن يطلق سراح الجندي المخطوف. والطرف الخاطف يؤكد من جانبه أنه لن يطلق «الكابورال» قبل أن يوافق أولمرت على الإفراج عن ألف أسير فلسطيني. وفي حال استقرت المواقف على هذه المعادلة فمعنى ذلك أن مشروع الهدم والتحطيم الذي باشرته حكومة تل أبيب سيتواصل إلى أن يتعب أحد الطرفين ويتنازل للآخر عن الصيغة السياسية التي يجب التوافق على إخراجها.

متى يتعب أولمرت؟ هذا سؤال آخر يتصل فعلاً بالهدف من وراء اختلاق هذه الذريعة التي شكّلت الغطاء السياسي لمشروع مبرمج سلفاً. وفي انتظار أن تُصاب قوات تل أبيب بالإرهاق يمكن توقع المزيد من الدمار والخراب في ظل موافقة دولية خجولة وصمت عربي مخجل

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1396 - الأحد 02 يوليو 2006م الموافق 05 جمادى الآخرة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً