قال تقرير اقتصادي: إن دول الخليج العربي ستواجه تحديات غير مسبوقة خلال هذا العقد والعقد المقبل في مجال التنمية البشرية وإيجاد الوظائف المناسبة للمواطنين وذلك بالنظر للتبدلات الهيكلية في أعداد ونوعية الداخلين إلى أسواق العمل، علاوة على التغييرات البنيوية في الاقتصاد.
وقال تقرير حديث صادر عن البنك الدولي حول تحديات التنمية البشرية وأسواق العمل في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا إن دول المجلس ستحتاج لتوفير نحو - ملايين فرصة عمل جديدة حتى العام وذلك من مجموع فرصة عمل مطلوب توفيرها في دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ويبلغ إجمالي قوة العمل في هذه الدول ملايين شخص في العام ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم إلى مليوناً في العام و مليوناً بحلول العام .
وأضاف التقرير أن هؤلاء القادمين الجدد إلى أسواق العمل هم أكثر تعليماً وشباباً وإناثا فقد تزايد معدل نمو القوة العاملة في المنطقة بنسبة في المئة سنوياً بين عامي و. ومن المتوقع أن يزداد هذا المعدل إلى , في المئة سنوياً بين عامي و، ولا يتوقع انخفاض الضغط على أسواق العمل إلى النسب المعتدلة التي عرفتها المنطقة خلال ستينات القرن العشرين قبل العام .
أما التحدي الأكبر فيتمثل في نسبة نمو القوة العاملة للإناث. المتوقع أن تبلغ في المئة خلال الفترة ذاتها حيث لم تواجه أي منطقة نامية أخرى في العالم هذا المقدار من الضغط المتواصل على أسواق العمل. ومع بلوغ معدلات البطالة ما يزيد على في المئة يبدو أن الهدف الأكثر طموحاً والمتمثل باستيعاب العاطلين عن العمل فضلاً عن خلق الفرص لتوظيف القادمين الجدد إلى سوق العمل يعني وجوب خلق ما يقارب مليون فرصة عمل جديدة مع حلول العام . أي مضاعفة عدد فرص العمل الحالي.
ونوه التقرير أن الأنماط القديمة لخلق فرص العمل لم تعد قابلة للاستمرار، كما إن الكثير من الأنظمة التقليدية لخلق فرص العمل في المنطقة مرشحة للزوال سريعاً. فقد مثل القطاع العام المحرك الأساسي لخلق فرص العمل خلال سبعينات وثمانينات القرن العشرين. واستمر يلعب دوراً مهماً خلال التسعينات. ويوظف القطاع العام اليوم ثلث القوة العاملة في المنطقة. وتصل هذه النسبة إلى في المئة في عدد من دول مجلس التعاون الخليجي.
ولكن لا يمكن للقطاع العام أن يستمر في دور المنفذ للتوظيف الذي لعبه سابقاً. فتشير الدلائل عبر منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أن معظم فروع القطاع العام تعاني من تضخم في عدد الموظفين بلغ الثلث أوأكثر في بعض دول المنطقة ويؤدي إلى تآكل متواصل في الإنتاجية وحتى إذا وضعت الخسائر في الفعالية جانباً. فإن استراتيجية تأمين فرص العمل للأعداد الهائلة من العاطلين عن العمل والقادمين الجدد تلي سوق العمل لم تعد قابلة للاستدامة في ظل التغيير الجذري في الوضع المالي عبر المنطقة. وما لم تتسارع وتيرة خلق فرص العمل في القطاع الخاص المنظم، فسيتم دفع إعداد متزايدة من الداخلين الجدد إلى سوق العمل نحو الاقتصاد غير المنظم.
وما يزيد من خطورة تلك التحديات - كما يوضح التقرير - التغييرات الهيكلية في الأوضاع الاقتصادية لدول المنطقة سواء على صعيد التدفقات النفطية أو المساعدات الخارجية. فقد اعتمدت التنمية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على ثلاثة موارد مالية هي النفط وتدفقات المعونات الخارجية وتحويلات العمالة. وشكلت هذه الموارد الثلاثة مصدرا ضروريا من الإيرادات العامة والأرباح الخاصة. ما دعم التوظيف الواسع النطاق في القطاع العام وأدى إلى استمرار استراتيجيات التنمية الموجهة من الدول والمبنية على التخطيط المركزي وعلى السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعنية بإعادة توزيع الدخل والعدالة الاجتماعية.
بينما تعاني هذه الموارد المالية الثلاثة من ضغوط كبيرة في الوقت الحاضر. وتشير التوقعات للعقد المقبل إلى أسعار النفط وعلى رغم النمو الكبير في الوقت الحاضر، فإنها قد تراوح في نطاق محدود على المدى البعيد. وحتى على فرضية بقائها مرتفعة، فإن هوامش الفوائض منها سيتقلص بحكم الاحتياجات المتزايدة لمشروعات البينة التحتية والتنمية والنمو السكاني. كما يتوقع أيضا انخفاض مستوى تدفقات المساعدات الخارجية لنفس السبب المذكور نفسه. أما فيما يخص تحويلات العمالة فإنها من غير المرجح الارتفاع بنسب مهمة. وذلك نتيجة تناقص فرص هجرة العمالة.
ففي حين شكلت هجرة العمالة داخل المنطقة منفذاً مهماً للعمالة الوافدة من البلدان غير المنتجة للنفط خلال الفورة النفطية في سبعينات وثمانينات القرن العشرين، شهد عقد التسعينات انخفاض صافي هجرة العمالة البينية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعدلات متسارعة حيث تباطأت الهجرة إلى الدول الخليجية.
كما أن هجرة العمالة إلى خارج المنطقة صارت أكثر تعقيداً. فالطبيعة الديموغرافية للتركيبة السكانية الشابة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتنامي أفواج البالغين سن العمل وتدني نسب القوة العاملة في أوروبا وتزايد أعداد المسنين فيها تشكل كلها فرصاً للإفادة المتبادلة من هجرة عمالة المنطقة إلى أوروبا لكن هذه الهجرة وحتى المعتدل والمؤقت منها مازالت تصطدم إلى حواجز كبيرة.
ويخلص التقرير الدولي إلى التأكيد بأن المحركات التقليدية لخلق فرص العمل في دول المنطقة لم تعد قادرة على مواجهة تحدي العمالة في القرن الواحد والعشرين. وعلى هذه الدول إن أرادت التعامل مع تحديات التنمية البشرية وأسواق العمل أن تحدث ثلاثة تحولات بنيوية رئيسية.
إن أولى هذه الإصلاحات هو تحويل الاقتصاد من هيمنة القطاع العام إلى هيمنة القطاع الخاص وذلك عبر خفض العقبات امام النشاطات الخاصة مع وضع اطر تنظيمية تحقق التعاضد المتبادل بين المصالح العامة والخاصة. وتعتبر مساهمة القطاع الخاص في القيمة المضافة متدنية مقارنة بمناطق أخرى. وقد ارتفعت بمجرد شكل هامشي خلال تسعينات القرن العشرين. ولم تكن الزيادة في نسبة الاستثمارات الخاصة من مجموع الاستثمارات كافية للتعويض عن الانخفاض في نسبة الاستثمارات العامة. لذلك، فإن المجال لتوسع الاستثمارات الخاصة في دول الخليج وهموم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كبير جداً. ولكنه يحتاج إلى بيئة اقتصادية واجتماعية مؤاتية.
وثاني تلك الإصلاحات هو التحول من الإنغلاق إلى الانفتاح وذلك من خلال تسهيل عملية التكامل مع الأسواق العالمية للسلع والخدمات وعوامل الإنتاج، مع وضع الضمانات اللازمة للاستقرار المالي والرعاية الاجتماعية. فالمنطقة تمتلك قدرات تجارية كبيرة. بينما تمثل الصادرات غير النفطية ثلث إجمالي الصادرات فقط. أما واردات الصناعات التحويلية فتشكل نصف إجمالي الواردات. ومن الممكن أن تكون تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر خمس أو ست مرات أكثر من معدلاتها الحالية.
وأخيرا، فإن تلك الدول مدعوة لتحويل اقتصاداتها من اقتصادات متقلبة ومعتمدة على النفط إلى اقتصادات أكثر استقراراً وتنوعاً وذلك من خلال استحداث تغييرات جوهرية في المؤسسات التي تقوم بإدارة موارد النفط وفي كيفية تحويل هذه الموارد باتجاه القوى الاقتصادية. وقد أضحى التنوع الاقتصادي أولوية متزايدة حيث شهدت حصة الفرد من الصادرات النفطية خلال العقدين الماضيين انخفاضاً مستمراً وذلك نتيجة عوامل عدة كانخفاض أسعار النفط الحقيقية وارتفاع الطلب المحلي على النفط، والنمو السكاني السريع وأصبح التنوع ضرورة ملحة في بلدان مثل البحرين وعمان، إذ أوشكت الاحتياطات النفطية على النضوب
العدد 1398 - الثلثاء 04 يوليو 2006م الموافق 07 جمادى الآخرة 1427هـ