العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ

ارتباك... أم مخططات جديدة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

الارتباك سيد الموقف بعد مرور 31 يوماً على العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان (دولة ومقاومة). فاليوم بدأ بإعلان الحكومة الإسرائيلية المصغرة عن بدء توسيع نطاق العمليات العسكرية البرية في الجنوب بهدف «تكثيف الضربات الموجهة إلى عمق البنى التحتية الإرهابية في منطقة عمليات الجيش». هذا الإعلان الوزاري جاء بعد جلسة ماراثونية عقدتها حكومة ايهود أولمرت دامت أكثر من 5 ساعات جرى خلالها الاتصال هاتفياً بوزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس. رايس اعطت الضوء الأخضر بناء على اوامر «البيت الأبيض» في وقت أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن فك شراكة بلاده مع الولايات المتحدة متهماً واشنطن بأنها تعطل صدور قرار دولي يأخذ في الاعتبار الملاحظات والتعديلات التي وضعتها الحكومة اللبنانية على مسودة المشروع.

الاسراع في اتخاذ قرار الهجوم البري الشامل طرح أسئلة بشأن الخلفيات التي دفعت إدارة جورج بوش بإعطاء إشارة البدء في العدوان. فهل التسرع جاء ضربة استباقية للتوجه الفرنسي الجديد؟ وهل أراد بوش تأسيس وقائع ميدانية على الأرض يحبط من خلالها إمكانات الأخذ بالنقاط اللبنانية السبع وموافقة الأطراف بما فيها حزب الله على إرسال 15 ألف جندي إلى منطقة الحدود؟ وهل جاء قرار الهجوم بناء على طلب إسرائيلي بسبب الصعوبات التي تواجه القوات المتموضعة في مناطق «القشرة» وأدت إلى سقوط 15 قتيلاً وتدمير 9 دبابات في يوم واحد؟

الاجوبة مختلفة أو غير مؤكدة لتوضيح الصورة. إلا أن بيان الحكومة الإسرائيلية المصغرة بشأن البدء في توسيع الجيوب البرية يشير إلى غموض في العملية. فالبيان لم يحدد العمق الجغرافي كذلك لم يذكر المدة الزمنية. حتى الأهداف كانت واسعة في طموحاتها إذ تضمنت خمس نقاط، وكل نقطة تحتاج إلى حرب مستقلة للتوصل إليها. فالبيان يتحدث عن مواصلة الجهود الدبلوماسية والعمل من أجل حل سياسي. وإذا كان الأمر كذلك لماذا سارعت الحكومة بإعلان الهجوم البري في وقت لايزال مجلس الأمن في نيويورك يبحث ويناقش الفقرات المتصلة بالقرار الدولي.

الأمر فعلاً يثير علامات استفهام. فالقرار جاء عشية موافقة الحكومة اللبنانية على إرسال الجيش إلى الحدود. كذلك ترافق الهجوم البري في وقت أعلن فيه السيدحسن نصرالله عن دعمه للنقاط السبع والقبول بإرسال الجيش حتى انه لمح إلى وقف عمليات القصف المتبادل. كذلك جاء قرار الهجوم البري ليستبق صدور القرار الدولي الذي كانت واشنطن تخطط ان يصدر بصيغته الأميركية - الفرنسية الأولى لتغطية العدوان. وحين انسحبت باريس من الشراكة ارتبكت إدارة «البيت الأبيض» بسبب فشل سعيها إلى تأمين ذاك الغطاء الدولي. فهل جاء الضوء الأخضر من دون مظلة شرعية دولية للرد على الموقف اللبناني الرسمي المدعوم بحدود نسبية من فرنسا وروسيا، ام انه أراد تطويق المبادرة الفرنسية قبل أن تكتمل شروطها السياسية؟

هذا الارتباك يوضح الأسباب التي وقفت وراء إعلان الهجوم ليلاً ثم عودة أولمرت عنه وتجميده صباحاً بعد تسجيل ذاك الاختراق الميداني المحدود في محور القليعة - مرجعيون. فبعد ساعات على إعلان التقدم البري وتصدي قوات حزب الله لأرتال الدبابات وايقاع خسائر فادحة في جند الغزاة قررت تل أبيب تجميد العمليات لمدة يومين بانتظار ما ستسفر عنه الاتصالات السياسية في نيويورك.

الارتباك إذاً سيد الموقف وهذا ما يدل على احتمال اقدام واشنطن على إجراء اتصال آخر بتل أبيب يطلب منها وقف الهجوم. فالمفاتيح في النهاية في يد الإدارة الأميركية. فهي طلبت من أولمرت الانتظار حتى يتم إصدار قرار دولي منحاز يتذرع به للهجوم. وهي طلبت منه إعلان بدء الهجوم رداً على تبدل الموقف الفرنسي ولقطع الطريق على المبادرة اللبنانية. وهي عادت وطلبت منه وقف (تجميد) العمليات البرية حتى تتوضح صورة الاتصالات السياسية الجارية في مجلس الأمن.


مخططات جديدة

الارتباك إذاً «إسرائيلي» المنشأ ويتصل من بعيد وقريب بالسياسة الأميركية ودورها المركزي في إدارة العدوان على لبنان (دولة ومقاومة).

الآن تقول تل أبيب ان الهجوم البري الشامل يحتمل ان يبدأ بعد يومين بذريعة انها اعطت فرصة أخيرة للحل السياسي/ الدبلوماسي الجاري اعداده في نيويورك. ولكن المؤشرات تدل على وجود مخططات جديدة دخلت على خط المواجهة مع حزب الله ومسألة الصواريخ وتلك الفقرات المتعلقة بالقرار 1559.

هذه المخططات الجديدة يمكن قراءة اشاراتها من نقطتين: الأولى، ادعاء حكومة أولمرت انها قتلت جنديين إيرانيين (وهو ما نفاه حزب الله) للقول إن «إسرائيل» تحارب قوات نظامية محترفة استجلبت إلى الجنوب. وهذا الادعاء الصهيوني يضرب أكثر من عصفور بحجر واحد. فهو دعاية محلية للرأي العام الإسرائيلي وكذلك رسالة إلى العالم لتخويف أوروبا والولايات المتحدة بوجود قوات في الجنوب لا تنتمي إلى أهل البلد. وهذا في المعنى البعيد إشارة إلى طهران بوجود اتصال بين المعارك القائمة في لبنان واحتمال توسعها إلى مناطق أخرى. كذلك أرادت حكومة أولمرت اضعاف معنويات الحزب أو على الأقل تشويه سمعته محلياً وعربياً من خلال التقليل من قوته وشجاعته واستعداده للمواجهة والتضحية.

الثانية، إعلان بريطانيا عن اعتقال مجموعة مؤلفة من 21 شخصاً كانت تخطط لتفجير طائرات مدنية بين لندن ومطارات الولايات المتحدة. هذا الإعلان تصادف مع ليلة إعلان أولمرت بدء الهجوم البري الشامل في الجنوب. وتوقيت الإعلان يشير إلى توجه بريطاني - أميركي لإرباك الموقف الفرنسي - الروسي الجديد وتطويقه سياسياً من خلال اثارة موجة إعلامية ضخمة تسرق الأضواء عن لبنان وتغطي حملة الابادة الجماعية وتلك المجازر التي ارتكبت ضد المدنيين.

الأجهزة الأمنية البريطانية تقول إنها أحبطت أكبر مؤامرة منذ الحرب العالمية الثانية وانها أوقفت مجموعة كانت تخطط (تفكر) القيام بتفجير عشر طائرات مدنية. فاذا أحبطت محاولة مجموعة كانت تخطط لماذا إذاً لجأت الحكومة البريطانية إلى اختلاق هذه الموجة التخويفية وأوقفت الرحلات الجوية من مطارات المملكة وإليها. فمادامت المحاولة (المخترعة ربما) أحبطت واعتقلت المجموعة التي كانت خاضعة للرقابة منذ شهور لماذا لجأت الحكومة إلى وقف رحلات الطائرات وأوقعت خسائر تقدر بالملايين من الدولارات؟

المسألة يمكن أن نجد لها أكثر من تفسير بسيط أو معقد إلا أن الرد المباشر على إعلان احباط المؤامرة في هذا التوقيت بالضبط يمكن ربطه بتخويف الناس من عدو مسلم في الداخل له اتصالات باعداء في الخارج (تنظيم القاعدة). ولا يستبعد بعد فترة أن يعلن أن المؤامرة المزعومة هي أكبر كذبة اخترعت في بريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية كما وصفت الأجهزة الأمنية عملية الاحباط.

إذاً الحرب على لبنان بدأت تأخذ ابعاداً مختلفة. فالإعلان عن وجود جثتين إيرانيتين في الجنوب مترافقاً مع الإعلان عن احباط أكبر مؤامرة في بريطانيا، مضافاً إليهما الإعلان عن بدء الهجوم البري ثم الإعلان عن تجميده لمدة يومين لمعرفة مصير الحل الدبلوماسي، كل هذا يشير إلى وجود «مخططات جديدة» دخلت على خط العدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان.

مضى 31 يوماً على خطط تحطيم الدولة والمقاومة في البلد الصغير وحتى الآن لم تتوضح الأهداف والغايات النهائية والدوافع التي تتحكم بإدارة الصراع. إلا أن المؤشرات تتجه نحو تسجيل نوع من الارتباك العام على السيناريو الذي يراد تمريره من خلال التنسيق الأميركي - البريطاني للتغطية على مجازر ارتكبت بحق المدنيين.

إنه ارتباك أو قنابل دخانية لمخططات جديدة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً