العدد 3461 - الإثنين 27 فبراير 2012م الموافق 05 ربيع الثاني 1433هـ

وللحوار الجاد ثقافته وأدواته

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

التطرف هو الامساك بالطرف سواء من جهة اليمين أو اليسار، وهو نقيض للوسطية والاعتدال ورديف للتصلب والتعصب. وقديما قيل لا تكن صلبا فتكسر ولا لينا فتعصر. وقد حث الدين الاسلامي على الاعتدال في قوله تعالى من (سورة الاسراء: 29) «ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا» كما ورد في الحديث الشريف «خير الأمور أوسطها».

وقد جاء العلم الحديث ليؤطر لهذه المبادئ السامية من خلال الدراسات والتجارب في الجامعات ومراكز البحوث التي اسست لنظريات حديثة في فن التفاوض وتحليل الكميات والاسقاطات وخاصة بعد التطور المثير في علوم الحاسوب. فبات السياسيون وصناع القرار يسخرون هذه العلوم في تحليل الظواهر الاجتماعية والسياسية لمساعدتهم في توفير البدائل الأصلح والأنسب لعملية صنع القرار. وقد برز علماء في عصرنا من أمثال ستيفن كوبي الذي وضع نظريته المشهورة والمسماة «العادات السبع لنجاح القادة». التي نصت على أهمية اقتناع طرفي الحوار بتحقيق مكاسب متبادلة لكون الانجازات لا تتحقق بالتضارب بل بالتعاون الجماعي. وهذا بدوره يتطلب فهما متبادلا من قبل طرفي الحوار قد يفرض على أحدهما تثقيف الآخر لتحقيق الفهم المشترك اللازم لانجاح عملية التفاوض أو الحوار.

كما برزت نظريات أخرى كنظرية إدارة الصراع التي وفرت بدائل خمسة على شكل استراتيجيات بديلة وفقا لطبيعة الصراع من ضمنها استراتيجية التسوية أو المقايضة التي يتقبل الطرفان فيها قدرا من الخسائر على شكل تنازلات من أجل تحقيق مكاسب متوازية في القيمة والأهمية سواء في الحاضر أو المستقبل.

ان ملاءمة أي من استراتيجيات الحوار لقضية كقضيتنا الوطنية تقررها عوامل عدة يفترض من طرفي الحوار معرفتها وإدراكها بشكل جيد. ومن ضمن هذه العوامل طبيعة البيئة الداخلية من حيث تركيبتها وتوازن القوى بين مكوناتها. ولا تقل أهمية عن هذا العامل طبيعة البيئة الاقليمية والعالمية وحجم تأثيراتها على عملية صنع القرار في بلادنا. ان تأمل وفحص هذه المؤثرات هو ما يطلق عليه في علم السياسة والادارة بعملية تحليل الأرباح والخسائر التي ترشد عملية صنع القرار وتعتبر وسيلة لعقلنة مواقف الأطراف المتحاورة.

ولو أجرينا مسحا سريعا لكيفية تطبيق هذه الاستراتيجيات على واقعنا لتمكنت جميع اطراف الصراع من ادراك حقيقة مفادها ان الحفاظ على مصالحها حاضرا ومستقبلا يكمن في ترشيد مواقفها لبلوغ التوافق اللازم لتحقيق هذه المصالح.

فالسلطة التي من مصلحتها ادارة دولة مستقرة لا تكون عرضة للابتزاز من قبل البعيد أو القريب يتوقع منها الأقربون والأصدقاء كما المناوئون لسياساتها قراءة الأوضاع في الداخل والخارج بشكل أكثر عقلانية واحترافا. فعلى مستوى الداخل، ومن دون التقليل من قوة السلطة على مختلف الأصعدة، لا يمكن الجنوح الى سياسة كسر العظم أو التعويل على حشد خطاب الكراهية وبعث صراع الأضداد الذي هو بمثابة القمقم الذي لا يمكن إعادته الى جحره متى ما خرج منه. ان سياسة كسر العظم قد تحقق النتائج المرجوة لفترة من الزمن الا انها سلاح ذو حدين لا يصلح لتوريث دولة مستقرة بصورة مستدامة. وهذه حقيقة برهنت عليها تجارب كثير من الأمم التي أدت فيها هذه السياسة الى تقوية الطرف المستهدف وذلك في مفارقة غير متوقعة. وهذا ما نلمسه الآن على ساحتنا المحلية بتأملنا لوضع وحجم الطرف المعارض من حيث الاستقطاب وحجم الدعم ومساحة الانتشار مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات.

اما التعويل على دعم الخارج فيعتبر مغامرة خطيرة لأسباب عدة اقلها خطرا عدم ضمان دوام الحال في بيئات غير مستقرة.

أما أكثرها خطرا فهي السياسة البراغماتية للدول الكبرى التي تنحاز دوما للطرف الأقوى وتتخلى عن الحليف الضعيف متى ما عصفت به الأقدار. وهذا التلون الذي شهدناه في بعض أقطار منطقتنا لا يعكس ميولا للتغيير بقدر ما هو توجه لضمان ديمومة المصالح. ومنطقتنا مهيأة الآن قبل غيرها وبصورة أكبر لمقايضات الأقوياء وخاصة عندما تعجز القوة عن حسم الخلافات في هذا الجزء من العالم الذي يشهد تغيرات في موازين القوى حتى أصبح النهج السابق المتمثل في العبث بشئون المنطقة عن طريق الحروب هو كالعبث ببرميل بارود وذلك لاسباب لا تغيب على أحد. وفي مثل هذه الظروف تتم المقايضات عادة على حساب الطرف الضعيف والمنقسم على نفسه. فكما لا توجد عداوة دائمة في عالم السياسة فإن الاقتناع بوجود صداقة دائمة هو ضرب من الوهم والسذاجة. لهذه الأسباب يصبح الحوار والتوافق وترتيب البيت من داخله أفضل الخيارات المتاحة وأسلمها، وأكثرها استدامة في الحاضر والمستقبل.

وعلى مستوى الطرف المعارض فإن ما ينطبق على السلطة من حيث وجوب القراءة المتأنية للأوضاع المحلية والاقليمية والدولية ينطبق على هذا الطرف أيضا الذي يتحول بدون ذلك، شاء أم أبى، الى أداة للضغوطات المتبادلة في لعبة المصالح. إن هذا الطرف المحسوبة أنفاسه بدقة معني بصورة أكبر بترشيد خطابه وسقف مطالبه لتتواءم ومعطيات عدة كالتركيبة الهيكلية للطرف الآخر، والوضع الداخلي الذي يشهد انشطارا مجتمعيا غير مألوف يؤثر سلبا على الموقف التفاوضي لأطراف المعارضة. وهذا الطرف أيضا معني بمواءمة سقفه مع معطيات اقليمية تتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي على بلادنا لا يمكن تجاهله. ولهذه القوى خطوط حمراء لن تسمح لأحد بتجاوزها. وبالقدر نفسه على أطراف المعارضة أيضا ان توائم سقفها مع ما يعتبر مقبولا على الساحة الدولية التي من غير الممكن نيل دعمها واحترامها من دون ان يكون سقفها متناسقا ومصالح هذه القوى المؤثرة التي ترى في القفز السريع تضاربا قد يهدد مصالحها في المنطقة. وفي هذا السياق فإن المشاركة السياسية وتوازن القوى، واصلاح السلطة التنفيذية والتشريعية وتأسيس دولة العدالة والقانون، وتطبيق أدوات المساءلة والمحاسبة على جميع المستويات هي المبادئ التي لا يمكن تجاهلها من قبل المجتمع الدولي بمن فيه الحلفاء الاستراتيجيون لبلادنا. أما تلك السقوف العالية الأخرى فإن الاصرار عليها انما يخدم الوضع القائم ويضر بصدقية الاعتدال وبجهود الاصلاح المقبولة دوليا وتلك المتوائمة مع تطلعات شرائح مجتمعية كبيرة.

ان عملية الحوار الجادة تتطلب وعيا متبادلا للظروف المحيطة وتفهما من كل طرف لحدود وامكانات الطرف الآخر. فبدون هذا الفهم المشترك يصبح الحوار بين طرشان لا يفقه أو يسمح اي منهما ما يقوله الطرف الآخر. من جهة أخرى فإن الاستعداد لتقبل قدر من الخسارة من قبل الطرفين المتحاورين هو ميزة تلائم طبيعة المشكلة التي نواجهها. فبهذه الذهنية المنفتحة يحقق الجميع مكاسب وطنية تعتبر ضرورية لأمن الوطن واستقراره ونموه على المستوى القريب والبعيد. فبدون توفر هذا الاستعداد النفسي يصبح الحوار ضربا من العبث ومناورة تخفي وراءها نوايا غير حميدة. وفي هذه الحالة يغرق الوطن في مستنقع لا يسلم من اهواله حتى الجانب المنتصر في الجولة الأولى من صراع طويل ومكلف.

إن المتسع مازال كبيرا أمامنا لصياغة مصالحة وطنية نبني من خلالها الوطن. فكل يوم نمر فيه من دون ذلك يمثل خسارة للجميع حيث تصبح الأمور أكثر تعقيدا بزيادة أعداد الضحايا التي بدورها تغلق منافذ الحلول المتاحة أمامنا في الوقت الحاضر.

فلتجنح جميع الأطراف للسلم وتطرد شياطين الخراب المتلبسة بنزعة الالغاء والتسقيط من ارض أوال المباركة التي ما نعق فيها غراب

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 3461 - الإثنين 27 فبراير 2012م الموافق 05 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً