العدد 1444 - السبت 19 أغسطس 2006م الموافق 24 رجب 1427هـ

استحقاقات مؤجلة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عملية الانزال الإسرائيلية الفاشلة التي جرت فجر أمس في منطقة اليمونة - بعلبك في شرق لبنان تعتبر المحاولة الجدية الأولى لإعادة توتير الاوضاع بعد التوصل إلى وقف لإطلاق النار في 14 أغسطس/ آب الجاري. العملية الفاشلة هي رسالة سياسية لكل اللبنانيين ومحاولة للتذكير بأن الحرب علقت ولم تتوقف في اعتبار أن الفقرات التي اشتمل عليها القرار 1701 تنتظر مناسبة لتنفيذها.

هذا في الجانب السياسي. أما من ناحية التوقيت فقد ترافقت عملية الانزال الفاشلة مع وصول موفد مجلس الأمن إلى بيروت لمناقشة آليات تنفيذ القرار الدولي وتمهيداً لزيارة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان للبنان والمنطقة.

التوقيت حاول الربط بين أهداف الحرب العسكرية وتلك الغايات السياسية التي تريد الولايات المتحدة التوصل إليها عشية استحقاقات إقليمية يتوقع أن ترتسم خطوطها العامة بعد نهاية الشهر الجاري. إلا أن التوقيت أخفى بدوره جوانب أخرى لا تشير إليها تل أبيب التي تعاني حكومتها من اهتزازات ارتدادية بسبب فشل عدوانها في تحقيق طموحاته الميدانية على أرض الجنوب.

الزوايا المسكوت عنها تشير إلى وجود قلق إسرائيلي من اتفاق وقف إطلاق النار مع قوات حزب الله وعدم ارتياح الحكومة لذاك الاتفاق لأنه كشف أمام الرأي العام الإسرائيلي ضعف القوات البرية وعجزها عن تحقيق مكاسب ميدانية تذكر حتى في ذاك الشريط الحدودي (القرى الأمامية).

توقف إطلاق النار جاء ليكشف حقيقة التوازن السلبي الذي ظهر بالملموس في مختلف مناطق الجنوب اللبناني. وهذا التوازن السلبي حاولت تل أبيب التعويض عنه بالتركيز على القرار 1701 استناداً إلى تلك الفقرات التي جاءت منحازة لوجهة النظر الإسرائيلية. فالعودة إلى التذكير بالقرار وفي هذا التوقيت تستهدف تغطية الوقائع الميدانية التي أظهرت مدى تلك الصعوبات التي واجهتها القوات البرية في عمليات التقدم الميداني مضافاً إليها عودة النازحين السريعة إلى الجنوب لحظة الإعلان عن وقف للنار.

عودة مئات آلاف النازحين غير آبهين بمخلفات الحرب وما تركته الغارات الجوية من دمار شامل للبنى والابنية والقرى والبلدات والمدن أذهل العالم وأربك القوات الإسرائيلية التي سارعت للانسحاب إلى خطوط التماس حين شاهدت الجموع الزاحفة تتراكض للعودة إلى أرضها.

«إسرائيل» الآن في وضع يفرض على قادتها إعادة قراءة نتائج الحرب وإجراء حسابات رياضية تختلف عن تلك الخطابات النارية التي دأب الرئيس الأميركي جورج بوش على إطلاقها فور الإعلان عن وقف النار. فالرئيس بوش يصر في خطاباته على أن «إسرائيل» ربحت الحرب وأن على العالم أن يتعامل مع هذا الاستنتاج وكأنه خلاصة نهائية لا يجوز الطعن فيها والتشكيك في حقائقها. وحكومة إيهود أولمرت بين مصدق لهذا الاستنتاج ومكذب له وبين طرف آخر يحاول تقليب الزوايا من كل الجهات لوضع النقاط على الحروف والخروج بخلاصة منطقية لمختلف الوقائع.

هذا القلق السياسي الأميركي - الإسرائيلي يفسر إلى حد كبير مجازفات حكومة أولمرت والقيام بخروقات عسكرية على الحدود لتخويف النازحين ثم العمل على إرسال قوات مجوقلة (جوية - برية) إلى عمق الأراضي اللبنانية للتأكيد على فاعلية الجيش والتذكير بأن الحرب لم تنته فصولها ولاتزال هناك خطوات وربما جولات تنتظر المناسبة للإعلان عنها.

القرار 1701

هذا الضعف الميداني تحاول حكومة أولمرت التعويض عنه من خلال تذكير الحكومة اللبنانية بضرورة العمل على تنفيذ القرار 1701 وخصوصاً تلك الفقرات التي تصب مباشرة في مصلحة تل أبيب. والتذكير في هذا المعنى يهدف إلى توتير العلاقات الأهلية/ السياسية الداخلية ووضع الأطراف المحلية أمام استحقاقات متسرعة غير جاهزة لتطبيقها. وهذا بالضبط ما يمكن فهمه من تصريحات بوش المتكررة عن انتصار «إسرائيل» في الحرب والمجازفات التي ترتكبها حكومة أولمرت في خرقها المتتابع لوقف إطلاق النار.

واشنطن الآن وكما يبدو من تحركاتها السريعة في صدد مراجعة الخطوات المقبلة، وهي تريد استخدام القرار الدولي كإطار شرعي يجيز لها زيادة جرعات قدراتها التدخلية في الشئون اللبنانية والزيادة في الجرعات التدخلية قد تسمح لإدارتها بإنتاج تسوية محلية تضبط ايقاع العلاقات الأهلية في سياق سياسي يمكن توظيفه في إعادة فتح ملفات مغلقة، وهي كافية لإثارة الفوضى في البلد الصغير.

«إسرائيل» أيضاً تحاول المراهنة على بعض ثغرات القرار 1701 للتذكير بأن هناك فقرات لابد من تطبيقها شرطاً للاستمرار في وقف إطلاق النار. وحكومة أولمرت التي تعاني الآن الانشقاق الداخلي بين تيار يريد التصعيد مستفيداً من القرار الدولي وبين تيار يريد المحاسبة والمكاشفة لمعرفة المدى الذي نجحت فيه الدولة والنقاط التي خسرت فيها... هذه الحكومة باتت في وضع حرج يفرض عليها التعامل مع الوقائع بالاختيار بين طريقين: أما الاستقالة وأما المغامرة من جديد في ضوء مستجدات إقليمية ينتظر اتضاح معالمها في الأسبوعين المقبلين.

وبسبب هذا الوضع المحرج تحاول حكومة أولمرت فتح ثغرات في الجدار سواء من خلال عمليات التسلل وخطف مواطنين من قرى الحدود أو من خلال إرسال قوات مجوقلة تقوم بعمليات انزال جوية فاشلة في عمق الأراضي اللبنانية.

سياسة الهروب إلى الأمام تكشف بوضوح عن انزعاج تل أبيب من قرار وقف إطلاق النار الذي وجدت فيه إشارة سلبية وفضيحة ميدانية كان من الصعب تغطيتها بالإكثار من الكلام عن نجاح الطيران في طلعاته الجوية وتدميره لمقومات الدولة اللبنانية ومرتكزاتها.

إلا أن سياسة الهروب الإسرائيلية تحتمل الكثير من التفسيرات منها إثارة الفوضى في لبنان ورفع درجة القلق الأهلي وتخويف النازحين ومنعهم من العودة وتأخير ورش إعادة البناء والإعمار ودفع التعويضات.

هذا جانب من الموضوع. الجانب الآخر يتصل بتلك الفقرات الواردة في 1701. فالقرار الدولي يعطي صلاحية تدخلية لتل أبيب بذريعة الدفاع عن النفس ومنع إعادة تسليح حزب الله. كذلك يعطيها فرصة لتحريك ملفات مغلقة من نوع الضغط على الحكومة للإفراج عن «الجنديين المخطوفين» من دون شروط.

المسألة إذاً لاتزال على النار. وحتى الآن كل الملفات التي شكلت ذريعة للعدوان الأميركي - الصهيوني على لبنان لاتزال قائمة تنتظر الحل. وفي حال أصرت واشنطن على الضغط على بيروت واستمرت في استعجال فتح الملفات فمعنى ذلك أن لبنان عاد بعد حرب دمرت بناه التحتية والسكانية إلى المربع الأول. وهذه العودة تحتمل الكثير من الاوجه منها السياسي (الحوار الداخلي) ومنها الدبلوماسي (جولة عنان إلى المنطقة) ومنها العسكري. والاحتمال الأخير ليس مستبعداً وخصوصاً إذا وصل الملف النووي الإيراني إلى طريق مسدود

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1444 - السبت 19 أغسطس 2006م الموافق 24 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً