العدد 1444 - السبت 19 أغسطس 2006م الموافق 24 رجب 1427هـ

باتريك ماغريفي

هل تستطيع «إسرائيل» أن تتطور وتصبح دولة؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

كنت أجلس على شرفة شقتي أحدق ببوابة البحر للجامعة الأميركية في بيروت. لست في خطر من أي نوع فالقنابل كانت تسقط بعيداً والقتال يجري في الجنوب. في تل أبيب يحدق المواطنون الإسرائيليون في البحر نفسه بأمان تام. الصواريخ تسقط في حيفا وإلى شمالها. وهؤلاء الذين يتابعون أخبار الحرب من غرف الجلوس حول العالم منعزلون في شرانق من الأمان. معظمنا معزول عن العنف الذي يحيط بعالمنا ونظامه. ولكن هل نحن آمنون من الخوف؟ وهل يجعلنا خوفنا نتمنى نظاماً محمياً أكثر فأكثر؟

الجامعة الأميركية في بيروت، مثل «إسرائيل»، جسم مزروع في بلاد الشام من قبل الغرب. محاولة «إسرائيل» أحادية الجانب لفك الارتباط والتراجع خلف جدارها الضخم كأنما هي جزيرة في بحر من العرب، تذكرني بمدينة نيو اورليانز تحلم بالأمان وراء سدودها. هل تقبع «إسرائيل» تحت مستوى البحر كذلك؟ الجامعة تطورت في اتجاه مختلف جداً فيما يتعلق بمحيطها. هل سيتعلم الإسرائيليون شيئاً من تجربتها؟

المبشرون الأميركيون الذين وصلوا الشواطئ الشرقية للبحر الأبيض المتوسط في العام 1820 ألهمتهم النزعة الإحيائية للصحوة الكبرى الثانية. وكما قال المؤرخ أسامة مقدسي، فقد سعوا إلى «أنجلة العالم حتى يسهلوا عملية الرجوع الثاني للمسيح». كذلك رأوا أنفسهم ممثلين للحضارة الأكثر تنوراً وتقدماً وحداثة وأن حقيقة سياستهم هي جوهر هذا التعالي. أسسوا المدارس لأن المسيحيين كانوا بحاجة لأن يقرأوا التوراة. أدخلوا الممارسات الطبية الغربية وما أصبح فيما بعد الخط العربي المعياري.

عندما أسسوا الكلية السورية البروتستانتية العام 1866 والتي أصبحت الجامعة الأميركية في بيروت فيما بعد أمل هؤلاء المبشرون اجتذاب الطلبة من خلال تعليمهم عن الطب والزراعة والفنون. المؤسسة بكاملها كانت فشلاً من حيث هدفها تحويل أناس إلى الدين. لم يتحول أحد ببساطة، ولكن عمل الخير غير المعتمد هذا كان له أثر عميق. الكثير من العرب تبنوا الأفكار الحديثة التي تعلموها في الكلية. في العام 1882 ثار جدل عنيف عندما منع مجلس الأمناء المشيخي في الولايات المتحدة تعليم نظرية التطور وقام بالنهاية بطرد عالمين عربيين واعدين تجرآ على احتضان الحداثة بقوة أكثر من أمناء الجامعة. مع مرور السنوات أصبحت مهمة الجامعة أكثر علمانية وازدادت أعداد العرب في هيئتها التدريسية وإدارتها.

في العام 1920 غيّرت الكلية أسمها لتصبح الجامعة الأميركية في بيروت. يقترح جون مونرو، الذي كتب تاريخ الجامعة أن كلمة (حرف الجر) «في» في اسمها أصبحت تمثل الواقع بشكل متزايد. الجامعة لعبت دوراً مهماً في إحياء الأدب العربي والقومية العربية. الجامعة كان لها أثر جزئي في أن معظم العرب لهم وجهات نظر إيجابية تجاه الولايات المتحدة، على الأقل حتى حرب العام 1967. حتى أثناء وحشية الحرب الأهلية اللبنانية تجنبت جميع الأطراف، الجامعة والمستشفى التابع لها. للجامعة أسوار وبوابات ولكن حراسها لا يحملون المسدسات. أسوارها تحددها كمكان يستطيع فيه الطلبة من مجموعات المنطقة الدينية والعرقية كافة أن يتحاوروا ويسعوا وراء المعرفة. وكما قال الطالب راندي نحلة في مقال يوم المؤسسين الذي فاز بالجائزة الأولى العام 2002، فقد وفرت الجامعة «منبراً مفتوحاً تستطيع فيه أفكار الغرب والشرق أن تجتمع وتتحاور وتعيد تشكيل بعضها بعضاً».

عندما قرر مركز الدراسات والبحوث الأميركية الذي أترأسه في الجامعة الأميركية في بيروت تقديم مسار في «المحرقة في الأدب والثقافة الأميركية» الفصل الماضي كنا على وعي بأنه على رغم أن قرارنا لم يكن من دون خلاف، فإن الجامعة الأميركية مساحة مفتوحة حرة يمكن فيها مناقشة حتى موضوع كهذا بأسلوب علمي. بدلاً من البقاء جزيرة معزولة استمرت الجامعة الأميركية بالتطور. إذا كانت الجامعة مؤسسة أميركية فالسبب ليس أنها تخدم بعبودية أجندة أية إدارة أميركية وإنما لأنها تحتضن بشكل منفتح المثل التي كانت حافزاً للإنجازات الأميركية الأكثر احتراماً وتقديراً.

هل تستطيع «إسرائيل» أن تتطور وتصبح دولة، «في» منطقتها بدلاً من جزيرة «داخل» المنطقة؟ دولة يتمتع فيها أتباع جميع الأديان بالمساواة المطلقة؟ دولة تتمتع «بالحرية والعدالة للجميع»؟ إذا صح الأمر فلدى «إسرائيل» وجيرانها الكثير لتربحه.

في بلاد الشام ازدهرت حضارات لا نهاية لها ثم اندثرت. العيش هنا يحوّل تفكير المرء بالتأكيد نحو النظرة البعيدة. في أغسطس/ آب 2006 قد تبدو الجامعة الأميركية في بيروت معرضة للخطر و«إسرائيل» لا يمكن قهرها. ولكن المستقبل تقرره الخيارات التي نتخذها اليوم. قد يكون الوقت قد حان للتفكير بهذه القضايا الأساسية جداً. ما نوع الجزيرة التي يمكن أن تبقى وتزدهر؟ جزيرة بأبواب مفتوحة أو واحدة تحيط بها الجدران المرتفعة؟ جزيرة هي مكان لقاء للثقافات أو واحدة تسعى لعزل نفسها عن محيطها ومن هم يختلفون عنها؟ الإجابة بالتأكيد موجودة في توسيع آفاق أفكارنا وعقولنا.

مدير مركز الأمير الوليد بن طلال للدراسات والبحوث الأميركية في الجامعة الأميركية في بيروت، والمقال ينشر بالتعاون مع خدمة «كومن غراوند»

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 1444 - السبت 19 أغسطس 2006م الموافق 24 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً