العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ

الليبرالية دون «آلية»...!

عادل مرزوق Adel.Marzooq [at] alwasatnews.com

-

لم يكن العجز في انتقاد السوق المفتوحة، أو الليبرالية الجديدة والتي بدأت تنمو في البحرين، سبباً كافياً في أن تنهض حركة ارتدادية تتصف بالقوة الفكرية، والنضوج المطلوب، كل منا يستطيع أن ينتقد ظروف النشأة وآلية العمل الحالية في هذا التيار الوليد، وكل منا لن يملك بالتوازي بديلاً لما ينتقد.

ولأن «السوق» تنظم نفسها بنفسها، كان لـ تيار «لنا حق» أن يعرف ما يريد بالتحديد، وذلك في سلسلة ما تحتاجها أي سوق اقتصادية ناهضة، تنتظر فيما تنتظر استثمارات تجري وراءها المزيد من الأرباح والانتعاش الاقتصادي، والبيئة التي لا تضمن الحريات الشخصية على الأقل، فهي من باب أولى عاجزة عن أن تكون بيئة صالحة للحياة اليوم، حين يؤسس تيار «لنا حق» خطابه السياسي - مع أنها ترفض جميع مفردات السياسة أو أن تصنف بالسياسية - فهو دائما ما يلقي بأوراقه صوب «الغرب»، تلك المقولات الكبرى تستطيع الإقناع، «الحرية ضرورة للانتعاش الاقتصادي» و«الانتعاش الاقتصادي يتطلب تعزيز الحريات»، ليست هنا بالطبع نهاية الحكاية.

«لنا حق»... أخيراً ثمة ليبرالية

هكذا كان خيار «لنا حق» يمثل البروز الجديد باسم الليبرالية والحرية. كان خطاب «لنا حق» خطاباً سياسياً كلاسيكياً في نزوحه نحو القيم الليبرالية، وأقول «كلاسيكياً». فهو لم يأت بجديد على الصعيد المعرفي أو النظري، تيار متابعة أراد أن يستلهم من التجارب الديمقراطية السابقة ما يجعله قادرا على الكلام والمحاججة هذا اليوم، وعلى المجمل ليس في ذلك عيب أو نقيصة.

لم يستطع التيار أن يلملم شتات من كانوا يقفون متراصين يوم انطلاقة «لنا حق». وللدقة أكثر، هل كان ثمة في البحرين «ليبراليون» حتى يكون هناك «تيار ليبرالي» ينشأ فجأة، هذا السؤال أكثر تأسيسية وأهمية، وعليه تبنى فرضيات ونتائج عدة.

قد تكون البحرين حافلة بقوى اليسار السياسي التي أصبحت تتلبرن - تتجه لليبرالية - في الآونة الأخيرة، إلا أن هذا التزاوج الذي لا بد وأن يتعارض مع تلك التأسيسات الماركسية لليسار السياسي البحريني، كانت كفيلة بان تتعقد خطوط الشبكة أكثر وأكثر.

يظهر تيار «لنا حق» تياراً ليبرالياً من دون «ليبراليين»، أو حتى من دون وجود «آلية» واضحة لتكوين آفاق هذا التيار وطموحاته وتطلعاته، سياسي ولا سياسي، لا شأن له بالسياسة لكنه يطلب دورا أكبر لرجال الأعمال. هذا اللاوضوح يتطلب دقة أكثر. ويتطلب بشكل أوضح تحديداً أدق للهوية، بعيداً عن الشعارات الكبرى التي هي حكر على الخطاب السياسي الإسلامي.

تمام الصورة المفقودة في «لنا حق» هو أن يتخلى عن الأحلام الكبرى ليكون مؤسسة ضغط حقيقية، ولن يكون للتيار أن يكون ورقة ضغط حقيقية وهي يحمل وراءه عبء 31 جمعية ومؤسسة ونقابة. فالأولويات لا يمكن أن تتلاقى، وتبقى الطموحات متباينة. ويبقى الدفاع عن الحريات يحتاج إلى واقعية أكثر وعمل أكثر وتوافق أكثر.

المال هو «الحق»...!

تاريخياً، استطاع «رأس المال» أن يلعب دوراً فاعلاً في مجمل الزوايا الفكرية والسياسية، وبالطبع لابد أن تكون «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» أولى القضايا التي كان لرأس المال أن يوظفها في خطابه السياسي اليوم بعد ان استطاع ان يكون السيد المطاع عالمياً. تسيس المال، فأصبحت له أدبياته السياسية الخاصة به.

«لنا حق» لعب هذا الدور، فالمتابع لمجمل الخطاب السياسي للحركة يجد أن رواجاً ملحوظاً لشتى المفاهيم الداعمة للحرية، والديمقراطية، وأخيراً حقوق الإنسان.

«لنا حق» قام بدعم هذا الاتجاه، مستهدفاً رسم سياسة وطنية متلازمة مع التطورات الدولية، فالتطور الاقتصادي الدولي مرهون بالحريات الشخصية في المجمل، ولابد من تدعيم حركة الإصلاح السياسي في البحرين بشكل موازٍ لمجمل التجارب الثرية في الغرب.

وثمة نقاط هنا لا بد من الوقوف عندها تفصيلياً:

أولاً: عالمية حقوق الإنسان تتطلب التركيز على الترابط بين السياسي/ الاجتماعي فليس هناك ديمقراطية سياسية من دون حقوق وضمانات اجتماعية، إلا أن التيار ركز على قيمة الحرية الشخصية في الغناء - وهي ضرورية حقيقية - لكنه أهمل أن حرية «ألا يموت أحد من البحرينيين جوعاً» على سبيل المثال حرية لابد من دعمها الوقوف عندها، المعنى الأدق هنا والذي أريد أن افصله للقارئ، هو أن ثمة أخطاء استراتيجية وقع بها التيار منذ نشأته وهي انه أعطى المتلقي قناعة وهمية بان التيار يهتم - فقط - بحرية الغناء والرقص من دون أي اهتمام بدعم باقي الحريات الإنسانية، وهو ما جعل البعض يقرأ التيار قراءة مغلوطة تسببت أدبيات التيار الأولى وظروف النشأة فيها من دون شك.

التيار لم يعمد إلى تصحيح الفكرة لاحقاً، وذلك ما كان يتطلب منه برنامجاً تسويقياً سياسياً لم نره أو نسمع عنه البتة. فكان على التيار لاحقا أن يستمر في دفع ثمن خطأ خطابي لم يكن - سب الظاهر - ساعياً له.

ثانياً: أحد المنظرين الليبراليين يرى أن «حقوق الإنسان السياسية الاجتماعية ليست قضايا نظرية تجريدية، وبهذا التحديد فإن عالمية حقوق الإنسان تقود الى تشخيص القوى الدولية المسئولة عن عرقلة بناء الشروط المادية السياسية الضامنة لتلك الحقوق»، وهنا نقطة أوقفت تمام مشروع «لنا حق» أو هي فاعلة في تأخير إنجازه.

يحتاج التيار حتى يستطيع أن يقنع الشارع السياسي بأنه يمتلك رؤية حقيقية للمشاركة الوطنية أن يستثمر نفوذه نحو عمل سياسي واجتماعي أكثر ملامسة للواقع البحريني، يحتاج إلى برامج وطنية تكون لها جدولتها وخططها الإجرائية التي يمكن تقييمها والتأكد من تنفيذها.

القوى اليسارية - ذات التاريخ النضالي - والتي انضمت لـ «لنا حق» كانزياح طبيعي نحو أي نشاط اجتماعي ضد سلطة الإسلاميين لابد وألا تستمر حال أنسهم وانسجامهم الطارئ مع الليبراليين الكلاسيكيين الذين يستمدون قوتهم من سلطة المال.

فالمال - كل المال - هو نتاج سلطة عالمية محركها على الأقل - الولايات المتحدة الأميركية - والتي هي بعبع اليساريين والأطروحة التي ما لا يستطيعون تحملها في أي صورة من الصور، نعود إلى السؤال الأكثر مركزية «هل ثمة ليبراليون في البحرين»...؟. وهذا ما يجعل قوة الارتباط لتلك القوى السياسية في التيار الوليد معرضة للتفكك في أي لحظة تكون فيها القضايا متجاوزة لهوس «الحرية الشخصية» او «معاداة الإسلاميين» ببساطة، ليكون الاختلاف في الأولويات مفترق طرق بشكل انفصالي أوضح.

لنا حق «فارس الانتخابات»:

لا يسعك في الحقيقة أن تطلب الكثير، وأنت خارج المؤسسة السياسية. ولا يوجد ما هو غير سياسي، فكل الأشياء التي تحيط بنا «سياسة».

لنا حق في تمثلها اليوم، وعلى قرب الانتخابات النيابية القادمة لابد أن تكون داخل اللعبة السياسية بل أحد أطرافها، أو عليها - إن اختارت اللا سياسة - ألا تطلب الكثير، وأن تكتفي بالفرجة.

إن وصلت القوى الإسلامية - شيعية وسنية - للغرفة النيابية وسيطرت عليها سيكون التيار في اشتغاله عدواً لما يريده الناس ولمن انتخبهم البحرينيون برضا، وهذا الثمن السياسي ثقيل، وسيكون من الصعب التعامل معه. لذلك، سيكون مهما أن يجد التيار من يتكلم باسمه مدعوما بسلطة المال والنفوذ الاقتصادي.

على «لنا حق» أن تكون أكثر ملامسة لحياة الإنسان البحريني لا أن تتموضع في المسرح السياسي كمنظمة خيالية تتمثل مصالح طبقة معينة دون غيرها، فالمهم بالنسبة إليها ان تكون طرفاً في الحوار السياسي الوطني بفاعلية واقتدار، وهذا الدور يتطلب على ما يبدو عملاً شاقاً ينتظره الجميع، والانتخابات القادمة مفصل مهم في تاريخ لنا حق، كما هو مفصل مهم في تاريخ شتى الأطراف السياسية في البحرين.


حيث لم تستكمل النظرية

الليبرالية Liberalism: مذهب فكري وسياسي ينادي بالحرية المطلقة في الميدانين الاقتصادي والسياسي والاجتماعي... ويقوم مرتكز الليبرالية على مبدأ (الاستقلالية) للافراد والمجتمعات والدول. وتعرف بانها «التحرر التام من كل أنواع الإكراه الخارجي او الداخلي، سواء كان دولة أم جماعة أم فردا، ثم التصرف وفق ما يمليه قانون النفس ورغباتها، والانطلاق نحو تكريس الحريات ضمن عقد اجتماعي تتفق عليه الغالبية بكل صورها المادية والمعنوية بين الدولة والمجتمع». (سيار الجميل)

- فلماذا يتم التركيز على الحرية الفردية دون باقي الحريات التي تدعمها المفاهيم الليبرالية، قد يقول البعض ان «لنا حق» اهتمت بدعم باقي الحريات، لكن لماذا لا يلاحظ الناس ذلك، لا يعقل أن نخطئ فهم «الناس»، ثمة أخطاء تسببت في تنامي هذا الاعتقاد لدى الناس، وثمة من يتحمل المسئولية.

عرف جان جاك روسو الحرية الخلقية بأنها: «الحرية الحقة هي أن نطيع القوانين التي اشترعناها نحن لأنفسنا» (سيار الجميل).

- فلماذا لا يدعم التيار حق التشريع للحقوق، وفي هذا الجانب من الحقوق فضاءات مفتوحة من اللاحسم في التيار، ومساءلة داخلية ثقيلة قد لا تكفي.

تذهب الليبرالية إلى أن الحقوق الفردية هي كمال الحق الجماعي، بمعنى أن الحقوق الجماعة هي نتيجة طبيعية لحق الفرد.

- لماذا يذهب البعض في تيار لنا حق إلى اعتبار بعض الجمعيات السياسية الإسلامية رجعية ومتخلفة وظلامية، إذ كانت هذه الجمعيات في المجمل ومن وجهة نظر ليبرالية تمثل تشكيلاً اجتماعياً لحقوق فردية.

الليبرالية: منطقة من الجدل الذي لا يكتمل، وهي محط جدال في المنظومة المعرفية في العالم الغربي.

- لماذا يقرأ تيار لنا حق الصورة الغربية في دعم الحريات والليبرالية بوصفها مفاهيم قارة أو جامدة، فعلى العكس من ذلك، على التيار أن يكون أكثر عمقا وجدلاً وقربا من جميع هذه التخالفات، ليست دعوة نحو أن يكون التيار تياراً ثقافياً لكنه لابد أن يكون على مقربة من الحدث ومراهناته هنا وهناك بطريقة واقعية وحديثة.

الديمقراطية في الغرب اكبر خداعات العصر (هابرماس)

- على تيار لنا حق أن يبحث بجدية في فرص البقاء، التي يكون فيها قادراً على تجاوز النظرية بفعالية السوق الاقتصادية، تلك السوق التي تنظم نفسها بنفسها.


جمعيات ونقابات التيار

أسرة الأدباء والكتاب، جمعية أصدقاء البيئة، الجم

إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"

العدد 1453 - الإثنين 28 أغسطس 2006م الموافق 03 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً