العدد 3487 - السبت 24 مارس 2012م الموافق 02 جمادى الأولى 1433هـ

مغاربة يطالبون بنصيبهم من ثروة منجم فضَّة

في ليلة شديدة البرودة نظر إبراهيم أوداود من فوق سطح جبل إلى منجم تتلألأ أنواره عند سفحه. وقال في إشارة لمنجم أميضر: «إنه اللعنة التي حلت بأرضنا. اكتشف في القرن السابع ولا أعتقد أن الحياة تغيرت كثيراً عنها في تلك العصور الوسطى».

ويقع المنجم على المنحدرات الشرقية لجبال أطلس في المغرب وهو سابع أكبر منجم ينتج الفضة في العالم ولكنه في أعين المجتمعات المحيطة به وبعضها الأكثر فقراً في البلاد أكبر مصدر للدخل في دائرة نصف قطرها 480 كيلومتراً. وبدلاً من أن يكون محل ترحيب يثير المنجم سخط كثيرين بوصفه رمزاً لتركز ثروة المغرب في أيدي حفنة من أصحاب الحظوة بينما يكابد باقي المواطنين الفقر.

وتصاعد سخط القرويين في منطقة أميضر إلى حد قطع تدفق المياه من بئر تتصل بالمنجم في أغسطس/آب 2011. ومنذ ذلك الحين خيَّم المحتجون فوق قمة جبل قريب من البئر لضمان عدم استخدامها مرة اخرى. وأدَّى تراجع إمدادات المياه لفقد المنجم 40 في المئة من طاقة عمليات معالجة الخام.

تراجع سهم أميتر

وتراجع سهم شركة أميتر للمعادن بنسبة 15 في المئة من أعلى مستوى له في بورصة الدار البيضاء بعدما كشفت عن عواقب الاحتجاج. ويريد تجَّار المعدن النفيس على الجانب الآخر من المحيط الأطلسي معرفة ما يجري.

وأوضح أحد قادة الاحتجاج إبراهيم أوداود مطلبه ببساطة قائلاً: «ندافع عن كرامتنا وحصة عادلة من ثروة أرضنا». ونجح العاهل المغربي الملك محمد السادس في تهدئة الاحتجاجات التي استلهمت انتفاضات «الربيع العربي» باقتراح إصلاحات تسمح بقدر أكبر من الديمقراطية وسمح لإسلاميين معتدلين شغلوا مقاعد المعارضة لسنوات طويلة بقيادة الحكومة الجديدة. ولكن المواجهة عند المنجم تظهر أن الاضطرابات التي يؤجِّجها الفقر والتباين الكبير في الدخول مازالت تموج ويمكنها أن تضر بالاقتصاد.

ولمنجم أميضر أهمية رمزية لأن المساهم الرئيس فيه - من خلال سلسلة من المساهمين الآخرين - الأسرة الحاكمة في المغرب هي أكبر مستثمر خاص في اقتصاد البلاد البالغ حجمه مئة مليار دولار. وحالة المنجم ليست فريدة وتشهد أنحاء متفرقة من البلاد احتجاجات متكررة - تتحول أحياناً إلى أعمال شغب - ضد الفقر والفساد وما ينظر إليه على أنه فشل الدولة في تقديم يد المساعدة. والشكوى العامة هي إفلات الشركات بنهب حقوق العمال أو تلويث الأنهار لأنها على صلة لما يعرف «بالمخزن» وهو مصطلح مغربي يشير إلى شبكة المسئولين في البلاط الملكي وأصحاب الأعمال والمستشارين الذين يتصرفون دون أن يخشوا التعرُّض إلى عقاب لقربهم من الصفوة الحاكمة.

استنزاف المياه

وتتهم الاحتجاجات في أميضر شركة أميتر للمعادن باستنزاف المياه الجوفية والتسبب في التلوث وعدم بذل أي جهد لتحسين ظروف المعيشة في المنطقة. وليس من الصعب معرفة أسباب الشكوى. ففي القرى القريبة من المنجم تصل نسبة الفقر، بحسب التقديرات الرسمية، إلى 19 في المئة؛ بينما المتوسط على مستوى البلاد 9 في المئة. ويعيش البعض على دولار ونصف الدولار فقط يومياً وهو عشر الحد الأدنى للدخل في المنجم. وينتهي طريق ممهد يصل المنجم بشبكة طرق رئيسة عند مدخل المنجم؛ بينما ترتبط ست قرى قريبة بشبكة طويلة من الطرق الترابية غير المعبدة.

وفي منطقة أميضر التي يقطنها 6 آلاف نسمة موزعين على سبع قرى يوجد مستوصف وحيد تعمل به ممرضة واحدة. وبنت شركة أميتر المستوصف ولكنه كثيراً ما يغلق أبوابه بسبب ما يصفه السكان بجرائم سطو متكررة. وقال عضو البرلمان من إقليم تنغير، ويضم منطقة أميضر، أحمد صدقي: «تضطر المرأة الحامل هنا للسفر 160 كيلومتراً على الأقل للوصول إلى مستشفى ورزازات لتضع مولودها. هذا ظلم (...)».

وقال: «هناك تهميش وعزل بالغ. بلغ اختلال الموازين مدى لا يمكن السكوت عليه ولا بد أن يتغير الحال».

فاطمة معلمة في أكيس أمزدار،إحدى القري السبع القريبة من المنجم وتقول إن تلاميذها يسيرون مدة تصل إلى ساعتين للوصول إلى المدرسة. وتضيف فاطمة المنقبة وهي في أواخر العشرينيات من العمر «البعض يقيم على بعد ثلاثة كيلومترات وآخرون يمشون تسعة كيلومترات. كثيرون يعجزون عن شراء الأقلام والكتب». وتابعت «الطقس هنا ... قاس جداً ولا توجد مياه أو كهرباء. ولكن الشهر الماضي بدأت تغطية شبكة الهاتف المحمول تصلنا». وتقول الشركة التي تدير المنجم إنها انفقت بين مليون ومليوني درهم (90 و180 ألف دولار) لتمويل التنمية في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية. ويقول مدير قسم المعادن النفيسة بشركة مناجم، أكبر شركة تعدين في المغرب، والشركة الأم لشركة أميتر، عبدالرزاق كميرة، إن المشكلة في ارتفاع سقف توقعات سكان المنطقة لدرجة غير واقعية إزاء ما يمكن أن تقدمه الشركة. وقال: «يقود الاحتجاج مجموعة من الشبان يزعمون أنهم يمثلون سكان المنطقة».

قانون الحماية البيئية

وتابع «دافع الاحتجاج مظالم اقتصادية واجتماعية تراكمت على مدار الأعوام الماضية. بالطبع يمكن أن نساهم في حل المشكلات ولكن ليس بمفردنا». وأضاف «ينبغي أن نضع المنجم في إطار إقليمي ولا نفكر في عدد قليل من القرى فحسب».

ونفى الادعاءات بأن المنجم يستنفد إمدادات المياه المحلية وأن أميتر تسببت في مستويات تلوث تتجاوز الحد القانوني. وقال إن الشركة لم تحصل بعد على شهادة معايير آيزو 1400 للإدارة البيئية ولكن تتوقع الحصول عليها خلال عام. وقال: «نطبق المعايير الدولية التي تحكم الصناعة. نحن مدركون للمسئولية تجاه البيئة ونؤمن بشدة بأن الوقاية دائماً خير من العلاج».

وقال عضو البرلمان، صدقي، إن قانون الحماية البيئية في المغرب في حالة مزرية. مضيفاً أن مسوَّدة قانون صدرت في التسعينيات ولكنها لم تنفذ بعد. وأحجم المتحدث باسم البلاط الملكي، شكيب لعروسي عن التعليق على الوضع في المنجم وطالب بتوجيه أي استفسارات للشركة. ولا يعرف مصطفى بدري إلا أن أشجار التفاح التي يزرعها لم تعد تثمر وينحي المزارع الذي يقيم في المنطقة منذ 25 عاماً باللائمة على أنشطة التعدين. وقال: «شركة أميتر مسئولة بالطبع». ولكنه لا يملك دليلاً ملموساً. وقال: «المساهمون يستحوذون على ثروة المنطقة بدلاً من الإنفاق على التنمية». ولكن حقيقة كون العائلة المالكة مساهماً رئيساً في المنجم تثير حيرة البدري قليلاً. «الملك والدنا أليس كذلك؟ الوالد يحسن رعاية أبنائه (...) أم لا؟».

العدد 3487 - السبت 24 مارس 2012م الموافق 02 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً