العدد 3488 - الأحد 25 مارس 2012م الموافق 03 جمادى الأولى 1433هـ

الاتفاقيات مع البحرين هي الأقدم... وتونس ستنظم أسبوع التشكيل البحريني

وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك في حديث إلى «الوسط»:

قال وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك، إن أقدم الاتفاقيات بين تونس والدول العربية هي الاتفاقية الموقعة مع البحرين. واشار مبروك في حديث إلى «الوسط» إلى أن تونس ستنظم أسبوع الفن التشكيلي البحريني، كما ستحتفل بالمنامة عاصمة للثقافة العربية في تونس.

ومبروك شخصية مستقلة تشرف على قطاع الثقافة في تونس هو الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع المهدي مبروك، والذي ينال حظوة مهمة في المشهدين الثقافي والفكري في تونس وهو إلى ذلك مناضل سياسي نَشِطَ في الحزب الديمقراطي التقدميّ ثم استقال منه قبل انتخابات المجلس التأسيسي. حاصل على الدكتوراه في علم الاجتماع الثقافي وعضو في المرصد الأورومتوسطي لضحايا الهجرة السريّة بروما وعضو الجمعية العالمية لعلماء الاجتماع الناطقين بالفرنسية. في رصيده العديد من الكتب عن الشباب والهجرة السريّة هذا باختصار شديد عن وزير الثقافة والمحافظة على التراث الذي ينزل ضيفاً على البحرين وقد كان لنا معه اللقاء الآتي:

يسرّنا استضافتكم على صفحات «الوسط» هلاّ حدثتنا عن مناسبة هذه الزيارة؟

- هذه الزيارة تأتي في نطاق دعوة وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة لتكريم تونس في معرض الكتاب في البحرين باعتبار تونس ضيف شرف وقد لبّينا ذلك بكل سعادة وسرور وهي الزيارة الثانية لي للبحرين بعد حضور افتتاح المنامة عاصمة للثقافة العربية وفي ذلك أكثر من معنى ودلالة فهي الدولة الشقيقة التي انفردت بزيارتين قمت بهما ووجهت في المقابل دعوة للشيخة مي لزيارة تونس وقد قبلت والأرجح أنها ستكون بمناسبة مهرجان قرطاج الصيفي أو في معرض تونس الدولي للكتاب في دورته المقبلة نوفمبر/تشرين الثاني 2012 .

إذن تونس وبصفة استثنائية ضيف شرف على معرض البحرين للكتاب في نسخته الخامسة عشرة: فكيف تقرؤون هذا الاستثناء الجميل؟

- أعتبر هذا التمييز الإيجابي فيه أكثر من دلالة من بينها الاعتراف بالثقافة التونسية وبمكانتها الريادية فتونس كانت ولاتزال ورشة للتحديث الثقافي المبكر واستمرت على رغم تراجع دور النخبة في العقود الأخيرة. وهذا تكريم لدور النخبة التونسية المثقفة في إشاعة مناخ حداثي ولكنه وفيّ لتراثه ومنابته الحضارية ونحن تلقّينا هذه الدعوة ولبّيناها نظراً إلى اعتقادنا أن البحرين قامت في الخليج بنهضة ثقافية موازية لما قامت به تونس في المغرب العربي.

كيف وجدتم معرض البحرين للكتاب من حيث التنظيم ونوعيّة المنتوج الثقافي المعروض من الكتب؟

- في الحقيقة هو معرض متميّز من حيث عدد دور النشر المشاركة فيه وكذلك وهذا الأهمّ حضور بعض أسماء دور نشر وتوزيع استطاعت خلال السنوات الأخيرة أن تقدّم خيرة الأعمال الإبداعية في مختلف المجالات، كما يتميّز هذا المعرض بالتنظيم المحكم إلى جانب تعدّد الأجنحة ومساهمة عدة مؤسسات بحثية.

العلاقات البحرينية التونسية قديمة حتى قيل:«إنّ ما يقرب مملكة البحرين من تونس أكثر مما يبعدهما عن بعض» فما تعليقك؟

- على المستوى الرسمي أقدم الاتفاقيات بين تونس والدول العربية هي الاتفاقية الموقعة مع البحرين. طبعاً البعض منها فُعِّل والبعض الآخر لم ير النور. أمّا على المستوى الثقافي فإن هناك سمات مشتركة بين الشعبين وأساساً فيما يتعلق بدور النخب التحديثية إلى درجة التشابه المطلق: اتساع دائرة الثقافة الحداثية، التجربة التشكيلية، المسرح، العلوم الإنسانية، الانفتاح على تجربة غيرية؛ فضلاً عن الموروث اللغوي والديني... هذا كله يجعل المشترك الثقافي بين الشعبين الشقيقين كبيراً.

نعلم بوجود مسوّدة اتفاقية للتعاون الثقافي بين تونس والبحرين منذ سنوات لكن لم تر النور فما سبل تطوير العلاقات الثقافية بين البلدين؟

- الاتفاقيات مهمة جداً بين البلدين ولكن الأهم تغذيتها بمبادرات مستمرة وكما قالت الوزيرة الشيخة مي آل خليفة: «ليس المهم أن نمضي أو نحيّن الاتفاقيات وإنما الأهم أن نكثّف المبادرات المشتركة». ولذلك سننظم أسبوع الفن التشكيلي البحريني في تونس وأيضاً سنحتفل بالمنامة عاصمة للثقافة العربية في تونس.

القارئ البحريني والجامعيّ منه خصوصاً شغوف بالكتاب التونسي فهلا فكرتم في إطار مؤسسي لضمان وصول الكتاب التونسي إلى البحرين بيسر؟

- على ذكر الكتاب التونسي في البحرين، اليوم في افتتاح المعرض نفد على الساعة الحادية عشرة صباحاً كتابا أبويعرب المرزوقي اللذان عُرضا للبيع وهذا يدل على تعطش القارئ في البحرين للكتاب التونسي الجادّ ولنا- إحقاقاً للحق - نخبة مفكرة من التونسيين يكتبون بجرأة وعمق ولكن حظهم في المشرق لا يليق بمكانتهم ومثل هذه المبادرات ستجعل من أسمائهم مراجع فكرية وهذا ينسحب على جميع الكتاب المغاربة.

لكن لا تكفي الحلول الفردية لإيصال الكتاب التونسي إلى الخليج فلماذا لا ينشط اتحاد الكتاب هنا وهناك لمزيد من الدفع بهذا التكامل الثقافي ؟

- مر اتحاد الكتاب في تونس بأزمة بعد الثورة والوفد الذي معي فيه ممثلون عن الاتحاد التونسي للكتاب ومنهم من ينتمي إلى الرابطة التونسية للكتاب الأحرار ومنهم من يمثل نقابة الكتاب التونسيين ودورهم هو التعريف بإبداعاتهم وربط علاقات مع الكتاب والمبدعين في البحرين ونتمنّى أن يتحقق لهم ذلك خلال إقامتهم في البحرين بمناسبة معرض الكتاب حيث سيقدمون باقات من إبداعاتهم على هامش المعرض.

بم تفسّر تقدُّم الشارع عن المثقف في أحداث ثورة 14 يناير 2011 وكيف يمكن تمكين المثقف من القيادة والريادة؟

- هناك التباس: لم يعد بالإمكان أن يقود المثقفون الثورات على غرار القرن التاسع عشر (فرنسا مثلاً) هذه ثورات جديدة لها حراكها الجديد قادها قاع المجتمع أي طبقاته المهمّشة، ولكن القول، إن هذه الفئات تحركت دون قيم أنتجها المثقفون غير صحيح ذلك أن الشعارات (الشغل باعتباره استحقاقاً...أو مكافحة الفساد...) وإن رفعتها قطاعات شعبية فإنها بالأساس كانت إحدى تمظهرات الوعي الذي صاغته النخبة الحقوقية والثقافية، وفي بعض الأحيان هناك تجنّ على الثورة حين يقع بترها عن دلالاتها الثقافية الخلفية وفي ذلك مكر. وعموماً فقد تقدمت في الثورة التونسية موجة سياسية اقتصادية ولكن سرعان ما تمّ التنبّه إلى ضرورة تجدّد موجات الثورة التونسية من خلال موجة الثقافة.

يتساءل القارئ البحريني والخليجي عموماً عن أثر الثورة التونسية في تصالح التونسي مع ثقافته العربية الإسلامية وخاصة أن الرأي السائد هنا أن التونسي مُغَرّب عن ثقافته بسبب نصف قرن من التوجهات «الغربية»؟

- في الكثير من الأحيان هناك صورة نمطية ظالمة للمغرب العربي على أساس أننا شعوب متفرنسة وأعتقد أننا لسنا أقلّ عروبة من المشرق العربي أو أكثر. إحدى منابع حركة التحرر في المغرب العربي كانت القدح مع الفرنسة وفي ذلك قال ابن باديس قولته الشهيرة:» الجزائر موطني والعروبة لغتي ...» وأعتقد أن النخبة التونسية مطلع القرن العشرين مثل عبدالعزيز الثعالبي والطاهر الحداد وغيرهما دلّلت على أن عروبتنا لم تكن محلّ مزايدة ولكن حدث مع الدولة الوطنية أن استفرد الجناح الفرنكوفوني بهندسة الثقافة ولكن لا ننسى أن الثمانينيات من القرن الماضي شهدت تعريباً وهناك أمثلة عديدة على المقاومة الثقافية باسم العروبة ونحن بعد الثورة نريد أن ندعم التوجه العروبي الثقافي للبلاد مع انفتاحنا على المنجز الغربي والآسيوي.

من الثقافي الأكاديمي إلى السياسي التنفيذي كيف وجد «سي مهدي مبروك» نفسه في ظل ثورة لها من الحاجة إلى تحسين الوضع المادي بقدر ما لها من الحاجة إلى تحسين وضعها الثقافي؟

- أعتقد أنه لم يكن من السهل الانتقال من ساحة ثقافية نقابية إلى الحكم فهذا لم يكن تحوّلاً سلساً. نحن الآن نتدرب على أن نكون ساسة جيّدين على قدر الإمكان لكن هذا التحوّل العسير نسبياً سَهُل عليّ شخصياً - ولو بمقدار- بحكم تعاملي مع المثقفين فقد انتميت إلى هذه الوزارة حيث كنت موظفاً فيها لمدة ( 15 سنة) وكانت لي علاقات مع الطيف الثقافي كله وهذا جعلني أمتلك رصيداً من العلاقات البشرية التي عليّ أن أدفع بها من أجل التألّق.

صرّحت بأنك لن تتخلى عن دعم مختلف الفنون وستعمل على وضع استراتيجيات تستجيب لاستحقاقات الثورة فما هي أهمّ القرارات التي تعملون على تنفيذها في إطار مشروعكم الثقافي؟

- المشروع الثقافي يحتاج إلى منطلقات أهمّها: توسيع دائرة حرية الابتكار والإبداع، مواصلة سياسة الدعم الثقافي ولذلك لم يتمّ الانتقاص من موازنة وزارة الثقافة، الاهتمام بالجهات الداخلية باعتبارها حقوقاً ثقافية وليس عملاً اجتماعياً ومن هنا جاء بعث مهرجان القرى الجبلية وبعث مهرجان «للموسيقى الروحية والإنشاد الصوفي» بمدينة القيروان وأخيرا الارتقاء ببعض التعبيرات الفنية إلى مرتبة عالية والرهان على الأصوات الإبداعية المتميزة في الرواية والشعر والأدب.

تعتقد أن الثورات الحقيقية هي ثورات ثقافية فإلى أي مدى نعتبر أن تونس تستطيع أن تحقق الثورة الحقيقية في ظل التجاذبات الإيديولوجية والسياسية في تونس؟

- القول، إن الثورة الحقيقية هي ثورة ثقافية يؤكد أن من يرسخ الثورة هي الثقافة لأن باستطاعتك أن تجد حلولاً للاقتصاد والاجتماع في الثورات ولكن ما يحتاج إلى المراجعة التامة هي القيم ونعلم أن الثورة تحتاج حتى تستدام إلى القيمة التي تحرسها.

حرية التعبير عند مهدي مبروك لا نشك فيها لكن ما حدودها؟

- أعتقد من خلال تجربتي القصيرة في هذه الوزارة أني لم أتحفظ على أيّ عمل إبداعي على رغم جرأة بعض هذه الأعمال لانتصاري إلى مبدأ حرية الإبداع فقد خيّرت أن أُنقد على التسامح أكثر من أن أُنقَد على ما يبدو تشدداً. حرية الإبداع لا سقف لها إلا ضمير المبدع أو القانون وهذا ليس شأني فهناك سلطة قانونية إذا رأت في أثر إبداعي ما يتعارض والقانون فلها الكلمة الفصل.

في تصريح لإذاعة موزاييك التونسية دعوت إلى الارتفاع بالذوق الفني لمهرجان قرطاج ورفضت أن تظهر فيه أسماء فنية مثل نانسي عجرم أو أليسا وغيرهما داعياً إلى شعار «دكتاتورية الذوق السليم» وأحدث هذا التصريح ضجة على مستويات مختلفة فهل من توضيح؟ وهل أن إدارة التظاهرات الكبرى لا تستجيب بالضرورة إلى الذوق العام أو ما يطلبه الجمهور؟

- شكرا على هذا السؤال لأنك تتيح لي فرصة للتوضيح: لم أستعمل مفردات لها إيحاء أخلاقي فأنا قلت:» لا أرى عديد الفنانين على خشبة المسرح الأثري بقرطاج في الصائفة المقبلة» وذلك بحثاً عن إعادة الاعتبار لمهرجانَيْ قرطاج والحمامات وهذا جزء من مشروعي الثقافي الذي أطمح من خلاله إلى إعادة تشكيل ذائقة فنية جمالية لشعبنا بعد أن تمّ إجهاض الأساس الذي انبنى عليه مهرجان قرطاج، وقد كانت هناك سياسة ممنهجة في العهد البائد هي سياسة التشريط الثقافي والآن يواصل البعض باسم ما يطلبه الجمهور تغذية هذه الدائرة الجهنمية: مادة متواضعة ذائقة متواضعة. كان عليّ أن أكون جريئاً لأكسر هذه الحلقة.

أخيراً التشدد الديني والإبداع الفني والفكري؟ كيف ستتعاملون مع هذه المعادلة الصعبة؟

- أعتقد أن التشدد الدينيّ لا علاقة له بالإسلام فديوان بشار بن برد حققه شيخ الإسلام محمد الطاهر بن عاشور وأقول دائماً «لو زرتم المتاحف التونسية لرأيتم جمال الأجساد المنحوتة التي مرّ عليها الفاتحون سلاماً سلاماً» فأكبر دواء للسلفية الصاعدة في تونس هي زيارة المتاحف ودور الفنون.

العدد 3488 - الأحد 25 مارس 2012م الموافق 03 جمادى الأولى 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • عماد السديري | 5:52 ص

      شعب واحد

      مقال جميل يا أ. سليم! أرجو أن تتدعم العلاقات التونسية البحرينية والعلاقات التونسية الخليجية بشكل عام وفي وقت قريب. سعدنا نحن أبناء الجالية التونسية للزيارات المتتالية لمسؤولين تونسيين للبحرين. لعل ما لا يدركه بعض أهل الخليج أن الشعب التونسي يعشق عروبته ويفتخر بانتمائه لهذه الحضارة الرائعة. كنا أيام الدراسة نرفع شعارات جميلة وبريئة لكننا كلما كبرنا كلما أدركنا عمقها ومعناها: "شعب واحد لا شعبين من مراكش إلى البحرين" هكذا كنا نردد ولا نزال إلى يومنا هذا.

اقرأ ايضاً