مما لاشك فيه أن مملكة البحرين هي دولة القانون والمؤسسات الدستورية، ولما كان الشعب هو احد اركان قيام الدولة، وكانت الجنسية هي الأداة والمعيار لتحديد ركن الشعب، لذلك احتلت الجنسية أهمية بالغة في فكر ووجدان المشروع البحريني، لكون الجنسية أداة الدولة لتحديد عنصر الشعب فيها، فهي النظام القانوني الذي يحدد بمقتضاه التوزيع القانوني للأفراد بين مختلف الدول، ولكونها رابطة قانونية وسياسية بين الفرد والدولة ويترتب عليها تمتع المواطن بحقوقه وتحمله لواجبات واعباء لا تثبت كقاعدة عامة للأجنبي، فكانت البحرين أول دولة خليجية نظمت المسائل المتعلقة بالجنسية، إذ تم في العام 1937 صدور أول قانون وطني (قانون الجنسية البحرينية التأسيسية) والذي نصت المادة (5) منه على أنه (لحاكم البحرين ان يمنح الجنسية البحرينية إلى أي شخص يسكن البحرين ويقدم طلباً بذلك).

قانون الجنسية للعام 1963

ولما كانت جنسية التأسيس تتحلل بمرور الزمن إلى احكام وقتية ولكي تحافظ الدولة على ديمومة عنصر السكان فكان لزاماً على المشرع البحريني ان ينظم احكام جنسية التعمير، التي يتحدد بموجبها مواطنو الدولة بالنسبة إلى المستقبل، فأصدر المغفور له سمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة طيب الله ثراه بتاريخ 16 سبتمبر/ أيلول 1963 قانون الجنسية البحرينية للعام 1963 الذي بموجبه تم ترسيخ الرابطة المادية والمعنوية بين الفرد والدولة وقد اخذ هذا القانون بجميع المبادئ والأسس المتعارف عليها في القانون والتي منها على سبيل المثال أساس حق دم الأب البحريني والتوطن والاقامة الطويلة وتعاقب الميلاد، علاوة على الجوانب الإنسانية والاجتماعية والقانونية الأخرى.

انه لا يخلو تشريع في مجال الجنسية من تنظيم التجنيس كمعيار لثبوت الجنسية الوطنية لقوة الاعتبارات التي تدعو إلى الاخذ به، منها اعتبارات قانونية إذ إن الجنسية صفة في الشخص تترجم انتماءه النفسي والروحي إلى دولة معينة، وذلك الانتماء النفسي والروحي من الأمور النسبية التي تكون دائماً عرضة للتأثير والتأثر.

التجنيس عمل سيادي وتقديري للسلطة

وقد احتلت مسألة التجنيس طوال السنوات الماضية جانباً من جوانب احكام قانون الجنسية البحرينية، فالتجنيس كما يعرفه أهل الفقه بانه عمل سيادي وتقديري للسلطة المانحة به يكتسب شخص صفة الوطني أو صفة المواطن في الدولة التي يمثلها، وقد تضمن قانون الجنسية أكثر من مادة نظمت مسألة التجنيس سواء التجنيس المشروط أو المطلق، إذ جاء في نص المادة (6/2) من قانون الجنسية البحرينية للعام 1963 انه «يمكن بأمر عظمة الحاكم منح الجنسية البحرينية لكل اجنبي كامل الأهلية اذا طلبها وتوافرت لديه المؤهلات الآتية:

1- ان يكون قد جعل بطريق مشروع اقامته العادية في البحرين مدة خمس وعشرين سنة متتالية على الأقل، أو خمس عشرة سنة متتالية على الأقل إذا كان عربياً على أن تبدأ هذه المدة بعد تاريخ العمل بهذا القانون (وهو شرط من الشروط اللازمة للتأكد من اندماج الفرد في الجماعية الوطنية).

2- ان يكون حسن الاخلاق (وهو شرط من شروط مرتبطة لحماية المجتمع، وبالتالي يتأكد من حسن سيرة الفرد وانتفاء الماضي الاجرامي بالنسبة له).

3- ان يعرف اللغة العربية معرفة كافية».

كما نصت المادة (6/2) من القانون ذاته على أنه «بالرغم مما ورد في الفقرة السابقة من هذه المادة يمكن بأمر من عظمة الحاكم منح الجنسية البحرينية لمن يأمر عظمته بمنحها له، ويمكن بأمر عظمة الحاكم منح الجنسية البحرينية لأي عربي يطلبها إذا أدى للبحرين خدمات جليلة».

الجنسية حق قانوني

ولكي نفصل بعض ما تقدم فيما يخص التنظيم القانوني للجنسية البحرينية نبين ما يأتي: ان المادة (17) من الدستور تنص على أن «الجنسية البحرينية يحددها القانون» وقد نظم قانون الجنسية البحرينية وتعديلاته الجنسية البحرينية. تنص المادة الأولى من اتفاق لاهاي المبرم في 12 ابريل/ نيسان العام 1930 على «لكل دولة أن تحدد بمقتضى تشريعها من هم وطنيوها»، كما تنص المادة (15) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن «لكل فرد حق التمتع بجنسية ما وانه لا يجوز حرمانه من جنسيته تحكماً، أو انكار حقه في تغيير الجنسية».

شروط الجنسية

ان منح الجنسية يتم بناء على طلب يقدم من الشخص (غير القاصر أو مختل الشعور) يفصح فيه عن رغبته وارادته لنيل الجنسية البحرينية سواء كان حين تقديم الطلب متوافرة به الشروط والمتطلبات القانونية أو لا.

- إن الجهة المختصة متمثلة بالإدارة العامة للجنسية والجوازات والاقامة تقوم بالتحقيق ودراسة الطلب للتأكد من مدى استيفاء الشروط والمتطلبات القانونية التي حددها القانون اجمالاً، وفقا للقانون كأساس لتعاملها مع هذه الطلبات، ولا تفرق بين طلب وآخر حسب طائفته أو عرقه أو أصله، ومن دون ان تتعمد أو تتقصد تلقي طلبات جنسية وفق أي منظور آخر، ولا توجد أي سابقة تثبت أن هذه الجهة رفضت تلقي طلب جنسية لكون مقدم الطلب منتسباً لطائفة أو عرق أو أصل معين، وسنتناول لاحقاً المراحل الإدارية والقانونية التي يمر بها كل طالب جنسية والتي تبين أن هناك تدقيقاً وتحقيقاً ودراسة لطلبات التجنيس. فالتجنيس في حقيقة الأمر هو تجنيس قانوني واقعي شمل كل الطوائف والاعراق والاصول من دون حكره على طائفة معينة عبر سنوات تطبيق قانون التجنيس أي منذ العام 1937، وذلك انطلاقاً من ان شعب البحرين شعب واحد لا تمييز لطائفة على أخرى، وانما التميز يكون بمدى الوطنية والولاء لهذا الوطن وما يقدمه الفرد للبحرين من عطاء وتضحية، وان من منطلقات الولاء الحفاظ على أمن واستقرار البحرين واظهار الصورة المشرقة والحضارية للمملكة، وان البحرين وطن الجميع وان عروبة البحرين لا تحتاج إلى برهان فهي حقيقة قائمة ليس لمنصف ان يجادل فيها ترجمها الدستور ورسم خطوطها قانون الجنسية إذ خفف من شروط الإقامة متى كان طالب التجنيس عربياً مقدراً انه بصفته هذه يكون أكثر قدرة على الاندماج في الجماعة الوطنية.

قانون الجنسية البحريني من القوانين المتشددة

إن كثيراً من الفقهاء والقانونيين يعتبرون قانون الجنسية البحرينية من القوانين المتشددة في منح الجنسية البحرينية سواء الجانب الموضوعي أو الإجرائي، بخلاف ما يشيع البعض أن الجنسية البحرينية تمنح بسهولة من دون ضوابط أو شروط أو معايير منظمة بقانون إذ تشترط غالبية الدول الخليجية والعربية على الأجنبي للحصول على جنسيتها أن يكون مقيماً بها مدة لا تقل عن عشرين سنة ومن كان من أصل عربي عشر سنوات وإذا كان خليجيّاً 3 سنوات بينما تزيد مدة الاقامة في قانون الجنسية البحرينية كما بينا من 15 إلى 25 سنة، وبالتالي يتأكد من هذه المدة الطويلة اندماج الفرد في المجتمع اندماجاً يظهر منه أنه أصبح مؤهلاً لحمل جنسيتها، وأنه يوجد رباط فعلي وحقيقي بين الفرد والبحرين، وأنه لم يبق إلا منحه الصفة الوطنية.

إن جميع قوانين جنسية دول مجلس التعاون والدول العربية وغالبية دول العالم تأخذ بأساس التجنيس المشروط بجانب التجنيس المطلق أو غير المقيد.

فمثال ذلك قانون الجنسية السعودي والقطري والكويتي والمصري والياباني والبرتغالي والفرنسي.

وعلى رغم أن مصر دولة مكتظة بالكثافة السكانية فإنه يتطلب لمنح الأجنبي الجنسية المصرية أن يكون مقيماً بها مدة عشر سنوات بجانب ورود مبدأ الاستثناء من جميع الشروط المقررة لمنح الأجنبي للجنسية المصرية.

التجنيس ليس أمراً مستحدثاً

إن المجتمع البحريني بعمومه عرف مسألة التجنيس وتعايش معها منذ صدور القانون التأسيسي للعام 1937 حتى يومنا هذا من دون تحسس، فعملية التجنيس عملية ليست وليدة اللحظة وليست كما بينا سابقاً مرهونة بوقت أو حدث أو مناسبة معينة وليست مستحدثة أو جديدة سواء على المجتمع البحريني أو على غيره من المجتمعات المختلفة بل كان المجتمع البحريني يدعو لذلك على اعتبار أن التجنيس يعالج أوضاعاً لها أبعاد إنسانية واجتماعية وقانونية.

التجنيس ليس له علاقة بالانتخابات

وعن ربط عملية التجنيس بالانتخابات، نشير الى ما يأتي:

أولاً: ان الجهة المختصة القائمة على الانتخابات هي جهة أخرى مستقلة عن وزارة الداخلية.

ثانياً: لو كان القصد التأثير على الانتخابات من خلال التجنيس فإن كان هناك متسع كبير من الوقت كان من الممكن بسهولة استغلاله للتجنيس، وانما يتم التعامل مع التجنيس حسب الواقع وحسب القدرات الإدارية المتاحة لدراسة الطلبات المقدمة.

ثالثاً: عند التقدم بطلب الحصول على الجنسية البحرينية فإن هذا الطلب يمر بإجراءات إدارية ودراسة واقعية وقانونية تصل إلى عدة شهور وتتلخص إجراءات مراحل دراسة الطلب فيما يأتي:

1- وصول الطلب لجهة التحقيق بإدارة الجنسية.

2- فتح ملف لطالب الجنسية.

3- استدعاء صاحب الطلب لإدارة الجنسية وتكليفه باحضار المستندات المطلوبة لإجراء التحقيق.

4- استكمال المستندات والأوراق الثبوتية من قبل طالب الجنسية.

5- تحديد موعد للمقابلة الشخصية لصاحبه وجميع أفراد عائلته.

6- حضور صاحب الطلب وأفراد اسرته لإجراء المقابلة الشخصية لتحديد مدى استيفاء الشروط والمتطلبات للتأكد من مدة الإقامة الفعلية لجميع أفراد الأسرة، وتحديد مستوى اللغة العربية والأهلية، ومطابقة أصول المستندات والوثائق.

7- مخاطبة الجهات الأمنية للتأكد من الملف الجنائي لصاحب الطلب وأفراد أسرته وتستغرق هذه المراحل أكثر من 3 أشهر يتردد خلالها صاحب الطلب على الإدارة للتأكد من انتهاء كل مرحلة. فما بالك اذا تكلمنا عن طلبات عديدة فلن يكون حسمها إلا بمضي فترة طويلة من الزمن.

رابعاً: ليس كل من له حق الانتخاب يشارك فعلاً في العملية الانتخابية، فالواقع يثبت خلاف ذلك إذ بلغت نسبة المشاركين في الانتخابات 53 في المئة هذا فضلاً عن أن العملية الانتخابية قائمة على السرية وإرادة الشخص لا رقيب عليه إلا الله وضميره.

تجنيس 5 آلاف شخص مابين 2004 - 2006

إن عدد الطلبات المقدمة للحصول على الجنسية طوال السنوات الثلاث الماضية حتى يومنا هذا ولم يمنحوا الجنسية حتى تاريخه يصل إلى 26 ألف شخص تم الانتهاء من دراسة حالة 20 ألف شخص (من بينهم صاحب الطلب والزوجة والأبناء). وتبين أن المستوفين للشروط والمتطلبات القانونية التي حددها قانون الجنسية البحرينية نحو 5000 شخص، ويتضمن هذا العدد أبناء لأمهات بحرينيات وازواجاً لنساء بحرينيات وأشخاصاً ينتمون إلى أسر بحرينية، وأشخاصاً ولدوا في البحرين وحالات أخرى إنسانية واجتماعية، علماً بأن عدد طلبات أبناء المرأة البحرينية المقدمة فقط يزيد على 1000 طلب وليس شخص. ويشمل معدل كل طلب 3 أبناء وبالتالي فإن أبناء المرأة البحرينية عددهم فقط لا يقل عن 3000 شخص، ونذكر أنه لا يعني استيفاء الطلب للشروط والمتطلبات القانونية حصوله على الجنسية البحرينية بقوة القانون وانما يترك تقدير مسألة المنح أو عدمه لسلطة المنح.

المتجنسون من الجاليتين الهندية والباكستانية

تبلغ أعداد المقيمين من الجاليتين الهندية والباكستانية ما يقارب 350,000 شخص وبلغ من حصل منهم على الجنسية منذ العام 1950 حتى العام 2006 أي ما يزيد على نصف قرن عدد (4971) شخصاً منهم (1273) شخصاً بصفة أصلية والباقي بالتبعية لهم من الزوجات والأولاد القصر أي بنسبة نحو 1,5 في المئة