العدد 1461 - الثلثاء 05 سبتمبر 2006م الموافق 11 شعبان 1427هـ

شريط سينمائي يفتقد فكرة مركزية

نبيل عبدالكريم comments [at] alwasatnews.com

.

هناك الكثير من الأفلام التي لا يعرف المشاهد لماذا صنعت؟ وهذا الانطباع يمكن أن يخرج به المشاهد مع فيلم «الدفان الثلاثة» الذي يعرض حالياً في سينما السيف. الشريط السينمائي ليس سيئاً إذ يحتوي على لقطات قوية ومؤثرة وتمثيل ممتاز أحياناً. ولكن حين ينتهي الفيلم يصعب على المتلقي أن يخرج بفكرة مركزية عن هذا الشريط.

بداية يظن المشاهد أن الفيلم يتحدث عن الحدود الأميركية/ المكسيكية في ولاية تكساس الجنوبية والمشكلات التي تحصل على الخطوط الفاصلة بين دولة غنية وقوية يطمح الناس إلى الذهاب إليها والسكن فيها وبين دولة فقيرة وتعيسة غير قادرة على تأمين الرزق لأهلها.

هذا الانطباع يتبدد بعد ربع الساعة الأولى إذ يبدأ الفيلم بتقديم فكرة عن المطاردات التي تحصل على الحدود الفاصلة بين دوريات الحراسة والمجموعات التي تحاول التسلل بحثاً عن عمل، ثم ينتقل فجأة إلى جريمة قتل.

جريمة القتل غامضة ولا يعرف كيف حصلت ومن أقدم على ارتكابها. ويعتقد المشاهد أن القصة تتحدث عن تحقيق جنائي في منطقة نائية في الولايات المتحدة. وفجأة ينتقل الفيلم إلى موضوع آخر يتناول قصة مهاجر مكسيكي هرب خلسة إلى ولاية تكساس وتعرف على راعي بقر وأخذ يعمل عنده بإخلاص نال إعجاب صاحب العمل وتقديره.

القصة إذاً تتحدث عن الصداقة والإخلاص والوعد الصادق. إلا أن هذا أيضاً ليس مهماً في الموضوع. فهذه الفكرة واردة ولكنها ليست مركزية. وحين يبدأ التفكير بأن القصة تريد التطرق إلى موضوع معين سرعان ما يتبخر الاستنتاج لتنتقل المخيلة إلى البحث عن عنوان آخر.

غريبة مثل هذه الأفلام. وأغرب ما فيها أنها تشد المتفرج إلى اللقطة الأخيرة وتنتهي الصور من دون نتيجة جامعة تربط الشريط السينمائي من أوله إلى آخره.

يبدأ الفيلم بوصول شرطي شاب مع زوجته الحسناء إلى بلدة حدودية للعمل في دوريات الحراسة. الشاب عصبي المزاج وشديد القسوة مع العائلات التي تحاول التسلل إلى الولاية. هذا شطر من الشريط. الشطر الثاني يتحدث عن راعي بقر يعمل لديه شاب مكسيكي مجهول الهوية والأصل والحسب والنسب ولا يعرف الإنجليزية ولكنه ماهر في عمله، ومخلص ولطيف وخلوق ما ترك انطباعه الجيد وأثره الطيب على صاحب العمل فتقرب إليه وأصبح نديماً له. الشطر الثالث يتحدث عن دورية ترى مصادفة ذئباً فتطلق عليه الرصاص لتكتشف أنه كان ينهش جثة مدفونة وتبيّن أنها تعود إلى ذاك الشاب المكسيكي الشهم والصادق. الشطر الرابع يحزن صاحب العمل ويصاب بإحباط لمقتل صديقه المخلص والخادم ويبدأ شريط الذكريات عنه وعلاقته به وماذا كان يقول له أثناء السهرات والسمرات.

الشطر الخامس هو الأهم. فهذا المكسيكي الشاب تواعد مع صاحب عمله أن يعمل على دفنه في قريته في المكسيك في حال توفي أو أصابه مكروه ويعطيه صورة عن زوجته وأولاده وخريطة طريق توصل إلى المكان الذي يريد أن يدفن به.

الشطر السادس وهو الأخطر. إذ يتبيّن أن من قتل المكسيكي هو ذاك الشرطي العصبي المزاج. والحادث جاء مصادفة ومن دون قصد. وخاف الشرطي على وظيفته فدفنه وسكت عن الموضوع. وبما أن الضحية مكسيكي وغير معروف الاسم والهوية ودخل البلاد بطريقة غير شرعية لم تكترث الشرطة بأمره ودفنته (للمرة الثانية) من دون إجراء تحقيق أو محاولة معرفة القصة وملاحقة الفاعل.

ويعلم صديق المكسيكي بأمر الشرطي فيقوم بخطفه من منزله وإجباره على نبش المقبرة ورفع الجثة وتحميلها بقصد إعادة تهريبها إلى المكسيك وإعلام أسرته بالموضوع ودفنه في المكان الذي وصفه له في الخريطة.

ومن هنا يدخل مخرج الفيلم في موضوع آخر. وخلال رحلة النقل/ العودة تحصل مطاردات وتتكشف الكثير من الصور العنيفة والسادية ومشاهد مقززة ومقرفة وخصوصاً تلك اللقطات التي تتعلق بالجثة. فالمخرج هنا يظهر الكثير من القسوة في التعامل مع الأموات ويضيع المشاهد بين حسن الالتزام بالكلام والصدق مع الصديق وبين قساوة راعي البقر مع الشرطي الشاب الذي تحول إلى ضحية الثأر والانتقام.

هناك الكثير من اللقطات القوية إلى درجة يصعب على المشاهد متابعتها وخصوصاً حين تكون المسألة لها صلة بالموت وحرمته. إلا أن المخرج أصر على متابعة رحلة العودة وصولاً إلى تلك القرية التي تبيّن أنها غير موجودة أصلاً. بل إن صديقه تحايل عليه وأخبره مجموعة أحاديث غير صادقة أو دقيقة. فهو غير متزوج والصورة لعائلة آخرى وليست لأسرته.

إلا أن راعي البقر يصر على صدق صديقه ويتابع مسار الخريطة بشكل معكوس إلى أن يصل إلى مكان ما ويقرر أن هذا هو المكان المقصود وبالتالي يأمر الشرطي بتحضير المقبرة لدفنه هناك للمرة الثالثة.

هذه هي القصة. وآخرها يقرر فيها راعي البقر الإفراج عن الشرطي الذي انهار من شدة القهر والتعذيب النفسي الذي لقيه في رحلة نقل الجثة عبر الحدود الأميركية - المكسيكية. وينتهي الفيلم في لحظات وداع مفارقة بين الخاطف والمخطوف على إثر إجراء مراسم الدفن الثالثة.

القصة إذاً خليط من فصول تتحدث عن أمور غير متصلة وتفتقد إلى الانسجام والتماسك بسبب عدم وجود فكرة مركزية تربط البداية بالنهاية. ومع ذلك، يمكن القول إن الفيلم ليس سيئاً وأسوأ ما فيه أن المخرج لم يفكر لا في بدايته ولا نهايته حين قرر صناعته

العدد 1461 - الثلثاء 05 سبتمبر 2006م الموافق 11 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً