العدد 1461 - الثلثاء 05 سبتمبر 2006م الموافق 11 شعبان 1427هـ

عفواً بلير... لقد جلبت العار لبلدك!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

فكرة العنوان مأخوذة من كلمة قالها عضو البرلمان البريطاني عن حزب العمال جون مكدونيل ضمن رسالة وجهها إلى بلير ينتقده فيها على سوء سياسته، وخاطب بلير بقوله: «لقد جلبت العار لهذا البلد».

جون مكدونيل كان ينتقد موقف بلير من الحرب على لبنان، والواقع أن أعداداً كبيرة من البريطانيين كان لهم الموقف نفسه ومن مختلف شرائح المجتمع البريطاني، وقد خرج البريطانيون في مظاهرة كبيرة احتجاجاً على موقف بريطانيا من الحرب على لبنان، ومن الطريف أن أحد هؤلاء يبلغ من العمر 66 عاماً، وقد قال إنه لم يشارك في مظاهرة منذ 40 عاماً ولكن ما رآه في لبنان دفعه إلى هذه المشاركة، وقال: «أي شخص عنده أي نوع من الضمير لابد أن يأتي ويظهر دعمه للبنان». هذا القول يجعلني أتساءل: هل بلير كان عديم الضمير، أم أن هناك أشياء أخرى كانت تدفعه إلى اتخاذ موقف عدائي - كعادته - ضد كل الجرائم التي ترتكب في عالمنا العربي؟

أربعون ناشطاً من حزب العمال انسحبوا من الحزب استنكاراً للموقف السيء لبلير من لبنان، وهؤلاء جميعهم من دائرة وزيرة الخارجية مارغريت بيكت، وقال أحدهم: «إن إدارة الأزمة اللبنانية كانت خرقاً إلى حد لم يعد في وسعنا البقاء في حزب العمال. وكان المنعطف بالنسبة إلينا حين رفضت مارغريت بيكت تأييد وقف إطلاق النار واختارت تبني موقف الرئيس الأميركي جورج بوش».

من المؤكد أن بلير يعرف السخط العارم من مواطنيه على سياسته، لكنه من المؤكد أيضاً أنه لا يقيم لهؤلاء وزناً، كما أنه - بطبيعة الحال - لن يقيم وزناً للشعوب العربية والمسلمة وسواها والتي أظهرت الامتعاض الشديد للسياسة البريطانية المؤازرة للصهاينة بكل مساوئها وعلى رغم كل القتل والتدمير الذي مارسته في لبنان.

واستناداً إلى صحيفة «الخليج» الإماراتية عدد الجمعة 4 أغسطس/ آب فإن بلير «لم يتجاهل فقط نصيحة وزارة الخارجية البريطانية إزاء الأزمة اللبنانية، لكنه أغفل أيضاً المشورة التي قدمها خبراء الشئون الخارجية في مقر رئاسة الوزراء وأكدوا فيها أن الهجوم الإسرائيلي على لبنان سيؤدي إلى نتائج عكسية ومدمرة، ولذلك ينبغي المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار»، ومع هذا كله فإن موقف بلير كان مخزياً بكل المقاييس لأنه وقف إلى جانب الأميركان في إطالة زمن الحرب، وإذا كان للأميركان مصلحة في هذه الإطالة فما مصلحة بريطانيا منها؟! إنها بكل تأكيد لن تجلب لبريطانيا غير المزيد من المتاعب داخل بلادهم وخارجها.

مساوئ بلير ليست منحصرة في موقفه من حرب لبنان، إذ كان موقفه من الحرب على العراق - ولايزال - أكثر سوءاً وأشد عاراً على بريطانيا.

كنا ندرس في التاريخ أن الإنجليز مشهورون بالدهاء، وأنهم يعرفون كيف يضعون الشيء في موضعه حفاظاً على مصالحهم، ويبدو أن مواقف الرئيس بلير تجعلنا نعيد النظر في ما درسناه.

لقد كان موقفه من العراق مخجلاً وغبياً في الوقت نفسه، ولست أدري كيف قبل أن يكون تابعاً للأميركان وزعيمهم المهووس بالقتل والإرهاب والتدمير!

كان من الممكن تفهم موقفه في بداية الحرب على رغم أن هناك أسلحة دمار شامل في العراق، أما وأن هذا الزعم ثبت بطلانه، فما السبب الذي يجعله يستمر في موقفه المعيب؟ بأي حق يستمر جيشه في قتل المدنيين في العراق؟ وبأي حق كذلك يعرض جنوده للقتل هناك كما يعرض مواطنيه في بريطانيا للهجمات الإرهابية فضلاً عن كره المسلمين لهم في كل مكان في العام؟ هل إرضاء بوش يستحق كل هذا كله؟!

لعل بلير قرأ خبر انتحار الجندي الشاب جيسون تشيلسي قبل بضعة أيام، هذا الخبر نشرته صحيفة «الاندبندنت» البريطانية، وقد ذكرت الصحيفة أنه كان من المقرر أن يذهب هذا الجندي إلى العراق، لكنه فضل الانتحار على قبول هذا العمل، وقد علل فعلته بأنه كان يخشى أن يطلب منه قتل الأطفال وهو لا يستطيع ذلك.

لعل هذا الجندي الشاب كان مستيقظ الضمير فآثر الموت على فعل أشياء مشينة لا تليق بالإنسان، ولعل ما فعله بعض زملائه في البصرة حينما أقدموا على قتل بعض الأطفال كان كافياً له للامتناع عن تلك المهمة القذرة والموت دون تحقيقها.

مرة أخرى: أين ضمير بلير عن المآسي الهائلة التي ترتكب في العراق تحت سمعه وبصره؟! ألا يرى عشرات القتلى كل يوم في العراق؟ ألم يسمع بالمجازر التي يرتكبها جنوده وجنود الأميركان؟ ألم يسمع عن حوادث الاغتصاب والقتل والحرق؟ ألا يرى بوادر تقسيم العراق وبروز حرب أهلية مدمرة؟!

أجزم أنه يعلم كل هذا لأنه - ببساطة - من المشاركين فيه، ومع هذا كله فمازال يردد - ببلاهة - مثل بوش أن العراق يسير على خطى الديمقراطية والاستقرار، ويصرّ على أنه حقق إنجازاً حضارياً في العراق! عجيب أمره، كيف يجرؤ على قول هذا من دون حياء؟ كيف يتفق كل هذا مع الدهاء البريطاني الذي كنا نسمع به؟!

بلير الذي يدعي أنه يحارب الإرهاب إنما جلب الإرهاب لبلده، وعمل على انتشاره في البلاد الأخرى، وأجدني أتفق تماماً مع ما كتبه أوجين روبينسون في «الواشنطن بوست» الأميركية عندما تحدث عن الحرب الأهلية في العراق، فقال: «إن هذه الحرب التي نخوضها في العراق - من دون مبرر - والتي يقول عنها بوش إنها ضد الإرهاب هي في حقيقتها تغذي الإرهاب بل وتخلق إرهاباً جديداً من العدم».

وفي هذا السياق، فقد ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية أن عدداً من زعماء المسلمين في بريطانيا بعثوا رسالة إلى بلير قالوا فيها: «إن سياستك الخارجية في الشرق الأوسط تقدم الذخيرة إلى المتطرفين وتضع حياة البريطانيين مسيحيين ومسلمين في خطر متزايد».

هذه الرسالة تؤكد أن هناك خطراً محققاً سيصيب البريطانيين إن لم يتعجل بلير في تغيير سياساته المعادية للمسلمين في كل أنحاء العالم... لقد أساء بلير كثيراً لمواطنيه ولسياسة بلده في الشرق الأوسط بسبب مواقفه السيئة من كل قضايا العرب سواء في فلسطين أو العراق أو لبنان. وإذا كان بلير قد أصيب بالعمى فلم يعد بإمكانه التمييز بين ما هو نافع أو ضار فإن المسئولية تقع على حزبه وعلى عموم البريطانيين لكي يقفوا بحزم ضد سياساته الفاشلة التي أتعبتهم وستتعبهم في المستقبل، وبطبيعة الحال فقد أتعبت العرب ومازالت تتعبهم

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 1461 - الثلثاء 05 سبتمبر 2006م الموافق 11 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً