العدد 1484 - الخميس 28 سبتمبر 2006م الموافق 05 رمضان 1427هـ

ليس للقضاء سلطة إهدار الشرط الجزائي المبالغ فيه

في ندوته بجمعية المحامين... القاضي الحميدي:

قال وكيل المحكمة الكبرى المدنية القاضي سعيد عبدالله الحميدي: «إن القضاء ليس له سلطة إهدار الشرط الجزائي المبالغ فيه، وإنما رفع هذه المبالغة، ويقول الفقه لا يجوز النزول بما يحكم به إلا ما يساوي قيمة الضرر، لأن ذلك إهدار للشرط الجزائي وابطال له».

وأوضح الحميدي في الندوة التي حاضر فيها القاضي الحميدي مساء الخميس الماضي في جمعية المحامين البحرينية بعنوان «الشرط الجزائي والعربون» أن «دور القاضي يقتصر على رفع المبالغة الكبيرة في الشرط الجزائي، فمثلاً المبلغ هو ألف دينار ومبلغ الشرط الجزائي بين الخمسمئة والألف، فهنا القاضي لا يستطيع تخفيض الشرط الجزائي، أما إذا زاد عن الألف دينار تعين على القاضي رد الجزاء إليه ليدفع عنه المبالغة في التقدير إلى درجة كبيرة، وإعمالا لاعتبارات النظام العام إذا خفض الشرط تخفف المسئولية حين يكون هذا التخفيف محرماً.

وبدأ الحميدي الندوة قائلاً: «لقد شاع استعمال الشرط الجزائي في الحياة المعاصرة، ولاسيما في مجال المعاملات المدنية والتجارية، وانتشر كذلك في عقود القرار، والمقاولات والعمل والإيجار وجميع العقود الائتمانية».

ويهدف الشرط الجزائي بصفة أصلية إلى تقدير التعويض المستحق لأحد طرفي العقد، عن الأضرار التي تنتج عن مخالفة الطرف الآخر لالتزامه، الذي اقترن به الشرط الجزائي. وأضاف «الشرط الجزائي له تعريفات عدة تتفق في النهاية على أنه بند عقدي، يدرجه المتعاقدان في عقدهما أو في اتفاق لاحق، لضمان احترام العقد وكفالة تنفيذه. والشرط الجزائي نظام قديم، عرفه الرومان، وإن غلب عليه عندهم طابع الجزاء على طابع التعويض وهو عقابي ويسمي المخل بالعقد بالمجرم وضبطت أحكامه مبادئ الفقه الإسلامي وقد قننتها المادة (302) و(305) من القانون المدني الكويتي».

وأردف «الشرط الجزائي هو تقدير اتفاقي للتعويض أو مبلغ جزافي يقدر به الطرفان مقدماً التعويض المستحق عن الضرر الذي لحق أحدهما. وفي كل الأحوال لا يتطلب وجود شكل خاص، أو صيغة محددة، وتكون صيغة الشرط واردة في اتفاق العقد أو لاحقة وقد ترد في اتفاق مستقل سواء أكان هذا الاتفاق معاصرا للاتفاق الأول أم لاحقا له».

ووجب التمييز بين الشرط الجزائي والصلح في هذا الصدد، إذ إن الصلح يتم عادة بعد الإخلال بالالتزامات وليس قبل، إذ إن الصلح تطبق عليه المواد (549) و(557) من القانون المدني المصري. وواصل القاضي الحميدي «يعتبر الشرط الجزائي وسيلة ضغط على المدين غير مباشر، كونه وسيلة الإكراه لحمل شخص على القيام بعمل وهو عمل غير مشروع».

وهناك وجه تشابه ظاهري بين الشرط الجزائي وبين العربون يكمن في أن كلاهما ينشأ بالاتفاق، كما أن العربون كمقابل لحق العدول يفقده من يقدمه في حال عدوله ويرده ومثله إذا عدل الطرف الآخر، فيكون العربون بمثابة مقابل بضرر مفترض الحدوث بسبب العدول عن العقد، كما أن العربون يستحق حتى ولو لم يلحق المتعاقد الآخر أي ضرر من جراء العدول، وليس للمتضرر أن يطلب زيادة العربون حتى وإن كان الضرر الذي لحقه أكبر من المبلغ العربون، أما الشرط الجزائي فيجوز للقاضي أن يخفضه إلى أن يتناسب مع ما لحق الدائن من ضرر، كما يجوز للقاضي أن يطرح الشرط الجزائي إذا لم يصب الدائن ضرر جراء الإخلال بالالتزام.

وقال: لا يشترط لاستحقاق العربون صدور خطأ من المدين ترتب عليه ضرر للدائن، ولذلك فإن الشرط الجزائي ينتفي بانتفاء الضرر أو خطأ الدائن كقاعدة عامة، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه يترتب على العربون منح المتعاقد الخيار بين التقيد بالعقد وتنفيذه، وبين العدول عنه مقابل دفع مقدار العربون، أما الشرط الجزائي فلا يمنح المدين الخيار بين تنفيذه أو عدم تنفيذه، ويظل المدين دائما ملزماً بالتنفيذ العيني إن كان ممكنا، فإن تعذر يلجأ إلى التنفيذ بمقابل، أي التعويض وأعمال الشرط الجزائي، كما أن العربون يعتبر جزءاً من الثمن بخلاف الشرط الجزائي الذي لا يلعبه على الإطلاق.

ولفت إلى أن الشرط الجزائي يمكن زيادته ويمكن خفضه، أما العربون لا محل له في ذلك والقصد منه في الزيادة ليتناسب مع الضرر الذي حاق الدائن، كما أنه لا يشترط تعاصره نشوء الشرط الجزائي مع نشوء العقد الأصلي بل يجوز أن يتراخى الشرط الجزائي إلى أي وقت لاحق لإبرام العقد الأصلي شريطة أن يتم إبرامه قبل تحقق الضرر أي الإخلال بالعقد وإلا أصبح صلحا أو تجديدا للدين.

وأوضح «أن القانون الفرنسي نص صراحة على أن بطلان الالتزام الأصلي يستتبع بطلان الشرط الجزائي، أما بطلان الشرط الجزائي فلا يستتبع بطلان الاتفاق الأصلي وهذا المعمول به في البحرين المأخوذ من القانون المصري. لأنه محصلة قاعدة عامة معلومة من القوانين بالضرورة (ص 99).

وضرب المتحدث أمثلة في ذلك الخصوص، كان منها: إذا اتفق الزوج مع زوجته على ألا يطلقها مهما حصل منها من أفعال كخيانة الأمانة (الزنا) وترتب على الاتفاق شرط جزائي مبلغ معين فهنا الشرط الجزائي باطل إلا أن العقد يبقى صحيحاً. إن بطلان العقد الأصلي هو الاتفاق مع قاصر أو عديم الأهلية ومن ثم يبطل الشرط الجزائي معه.

وذكر «الملاحظ أن بيع ملك الغير قد يقترن بشرط جزائي، وعندما يعرض الأمر على المالك الحقيقي فإنة يأبى إجازة هذا العقد، وفى هذه الحال يحق للمشتري أن يبطل البيع أو يعتبره بالأحرى كأن لم يكن مع احتفاظه في تقاضي مقدار التعويض المحدد بالشرط الجزائي (استثناء) والسبب في حال بيع ملك الغير ليس التزاما تابعا لالتزام ناشئ عن عقد باطل بل ناتج عن مسئولية تقصيرية (ص 99).

وبطلان الشرط الجزائي لا يستتبع بطلان الالتزام الأصلي كون انعدام التابع أو الفرع لا يفضي إلى انعدام المتبوع أو الأصل، فمصير الأصيل لا يناط بمصير التابع.

ومن ثم تطرق المتحدث إلى مجال أعمال الشرط الجزائي التي منها عقود المعاوضة وهي البيع والإيجار وعقد العمل ويستوي أن يكون العقد من عقود القانون المدني أو القانون التجاري أو القانون الإداري بل يستوي أن يتعلق الأمر بعقد من عقود التجارة الدولية المندرجة في أطار قانون التجارة الدولية، فطبيعة البند الجزائي واحدة أياً كانت طبيعة العقد.

كما لم يغفل القاضي الحميدي التطرق إلى المشكلات التي يثيرها إدراج الشرط في عقود البيع، معالجاً بعض المشكلات والقضايا المتعلقة بالشرط الجزائي والعربون وأحكامه في القضاء

العدد 1484 - الخميس 28 سبتمبر 2006م الموافق 05 رمضان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً